الصفحة الأساسية > البديل النقابي > اليسار النقابي الديمقراطي ليس من شيمه العمل التخريبي والتصرفات المشبوهة
وجهة نظر:
اليسار النقابي الديمقراطي ليس من شيمه العمل التخريبي والتصرفات المشبوهة
12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2007

(أرسل هذا المقال لجريدة "مواطنون" فلم تنشره ولم تمكنا من حق الرد، فارتأينا إرساله للمواقع الإلكترونية التي تتفضل بنشره تعميما للفائدة ودفعا للحوار النقابي)

بعد مقاله الأول بجريدة "مواطنون" تحت عدد 28 هاهو الصديق المنجي بن صالح يفردنا بمقال ثان في نفس الجريدة عدد 32 بتاريخ 17 /10 سعى فيه جاهدا لتبيان الفرق "بين النقد البناء وبين العمل التخريبي والتصرفات المشبوهة" في علاقة بما حصل ويحصل من تطورات على الأوضاع النقابية الداخلية.

وشخصيا قد شدني العنوان الذي يحيل نظريا على الموضوعية والإتزان والنقد البناء الذي نحن في حاجة ماسة إليه في مثل هذه الأوضاع المتحركة والجدل الدائر بين النقابيين. وفعلا فقد ابتدأ صديقنا مقاله بكثير من الموضوعية ورفض التبريرات التي تقدمها القيادة النقابية أو أنصارها في تقصيرها للأداء النقابي مؤكدا أن القيادة يمكن أن تكون حرية بالنقد في مستوى التفرد بسلطة القرار، كما لم ينف حق نقد المركزية المشطة ومعارضي الخوصصة واسلوب التفاوض وآليات استصدار قرار الإضراب القطاعي، وبالتالي فهو يؤمن بالإختلاف ويجيز التعبير الحر عن الرأي المخالف، كيف لا وهو حقوقي وناشط في التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات ؟

ولكن من كان يسعى لهذه النوعية من النقابيين ينأى بنفسه عن اعتبار اليسار النقابي يقود "حملة مسعورة" و"مشبوهة" و"يسّوق ما طاب من الأراجيف والإدعاءات"... إذ الموضوعية والنقد البناء تتعارض مع رمي المخالفين في الرأي بالـ"جبناء" و"أعوان البوليس والمخابرات" إذ عند بلوغ هذا المستوى تتعطل لغة الجدال الراقي المنوط بعهدة النقابيين "الموضوعيين" ويفقد المقال الحد الأدنى المطلوب في الصراع النقابي والسياسي ليترك مكانه للسباب والشتيمة والقذف الذي تأسس على نقده واستهجانه. إذ ماذا يعني رمي أصحاب مقالات ممضاة بأسماء مستعارة بالجبن أو الشبهة أو البوليس؟ والحال أن التاريخ يشهد على مقالات كثيرة وسجالات عميقة بل وكتبا بكاملها صدرت بأسماء مستعارة في ظل بطش دولة البوليس وانعدام الحريات عبر التاريخ، وما الإلتجاء الإضطراري لمثل هذا الأسلوب اليوم إلا دليل قاطع على انعدام الحرية النقابية داخل الإتحاد تجبر النقابيين على تجنب " سيف علي "!! والتحوط من التجريد والقمع من جهة، والإصرار على تبليغ الموقف المناسب من جهة أخرى رغم الحصار والرداءة العامة، وصاحب المقال أدرى بهذا الأسلوب من غيره.

لقد واكبت ما تيسّر من المقالات الصادرة بصحافة المعارضة في هذا الباب وفوجئت بالكم الهائل للمقاربات الجيدة والعرائض والبيانات على المواقع الإلكترونية وسجّلت ثراء وإيجابية تلك الجرائد على "النات" مثل "الديمقراطية النقابية والسياسية" و"ضد التجريد" و"بطحاء محمد علي" و"البديل عاجل"... وغيرها، وهو ما لا توفره لا جريدة الشعب لقرائها المحدودين جدا، ولا ندوات الإطارات التي تضيق ذرعا بمثل تلك التحاليل الجريئة وتتبرّم بالمقالات النقدية، إذ بمجرد أن عبّر النقابيون في قطاعات التعليم عما يخالج صدورهم حتى انتصبت لجان التجريد والتجميد لتعيدنا لفترة اسماعيل السحباني السوداء في أتعس مظاهرها.

تلك هي بعض الدفوعات الشكلية حول المقال أما على مستوى المضمون والرؤية النقابية التي تقود صديقنا النقابي، فقد ساد مقاله الإضطراب والإرتباك إذ تاه بين الأهداف المختلفة التي رسمها لمقاله، وظل ينطّ ويركض بين الرغبة في نقد اليسار النقابي ككل وبين ضرورة التركيز على بعض "المهووسين منه بالظلامية وبالسيستاني"، بين تجاذبات الدفاع عن العمل النقابي عموما وبين الحاجة الماسة للدفاع الأعمى عن الأمين العام والمسؤول عن النظام الداخلي"تحديدا"، بين التجلبب بالموضوعية الظاهرية وبين السقوط في التجريح والتخوين، بين ما يجري اليوم حول تداعيات مؤتمر المنستير وصراع البرامج النقابية المتمحورة حول الديمقراطية النقابية والإستقلالية من جهة، وصرف النقاش بالنبش في إلتقاءات انتخابية لها خصوصياتها وظرفيتها في مؤتمر سوسة 1989.

للتذكير فقط، فإن اليسار النقابي في مؤتمر 89 لم تكن له خيارات متعددة أمام صعود الإسلاميين الطامحين لأسلمة المجتمع والتمكن من الإتحاد، ولم يكن قادرا على تغيير موازين القوى لفائدته، فاضطرت بعض فصائله لسد الباب أمام صعود "الظلاميين" في ذاك الوقت وكان لها التقاء انتخابيا مع السحباني، لكنها لم تبن معه تحالفا برنامجيا بالمرة كما يزعم مشوهو اليسار، وعارضته بشدة ثم ساهمت في فشل سياسته النقابية المعادية للشغالين خلال التسعينات. لكن ما تعمد عدم ذكره صديقنا الموضوعي هو أن اليسار النقابي الديمقراطي قد تعرض للتصفية على يد السحباني وعبدالسلام جراد عضده الأيمن أنذاك، وقاد كلاهما هجوما شرسا على قطاعات التعليم الثانوي والبريد (حل جامعة البريد) لما كان علي رمضان منسحبا من الساحة التي لم يعد إليها إلا ليقطف ثمارها باسم "الأرضية" قبيل مؤتمر "التصحيح" المزعوم.

إن اليسارالنقابي لن يتوانى اليوم لحظة واحدة في مواجهة كل من تحدثه نفسه بالإعتداء عليه من جديد أو إعادة اللعب بفصائله أواستعمالها ضد بعضها البعض، أو " كبش نطيح " في سياسة التسخين والتبريد. ومجادلنا لا ينكر أن صديقه علي رمضان، قد تحالف مع الإسلاميين وترأس قائمتهم، ويراوده اليوم حلم كبير في الهيمنة على المنظمة و" تجفيف منابع اليساريين" مثلما فعل غيره. ونحيل الصديق المنجي على البحث في توجهات المحالين على لجان النظام إذ سوف يكتشف أن جلهم يساريين وتاريخهم النضالي ينأى عن "الخطية" و"بث الفرقة بين النقابيين" ولم ينسحبوا مرة واحدة من المعركة التي هي ليست شخصية كما يعتقد، بل هي معركة فعلية يشقها خطان متوازيان للعمل النقابي : خط النضال الفعلي الديمقراطي الحر والمستقل والملتزم حتى النخاع بالملفات النقابية (التأمين على المرض، الخوصصة، الحق النقابي، المقدرة الشرائية، البطالة، القطاع العام...) وخط التسوية والتعاون الطبقي والتبعية للسلطة والبيرقراطية (الفساد المالي والرشوة، العقلية الوظيفية والعشائرية والزبائنية، تنفيذ برامج السلطة وتشليك الإتحاد، الخيانة الوطنية والقومية...).

مرة أخرى إن تعبير مجموعة من النقابيين على آرائهم واحتجاجهم في وجه القيادة النقابية ليست فوضى وغوغائية كما ذهبت إليه في مقالك الأول وها أنت تعود إليه ثانية في مقالك اليوم يا صديقي، وهو لا يربك الإتحاد الذي تحرص على انضباطه، ولا يضعف أعرق منظمة نقابية عربية وافريقية. إن ما يربك المنظمة هو استبداد السلطة والرغبة الجامحة في تدجينها عبر ضرب عناصرها النقابية النشيطة والسعي لتهميشها مثلها مثل بقية الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، وهو ما لم تتصدى له القيادة " المنتخبة ديمقراطيا " في مؤتمر المنستير.

إن كون قيادة نقابية منتخبة لا يعفيها ذلك من النقد والتقويم والتصدي لإخلالاتها البرنامجية، إذ هي ليست فوق القانون النقابي ولا فوق الصراع الطبقي وأي مسؤول نقابي مهما بلغت درجته هو تحت طائلة القانون الأساسي ويطبق عليه النظام الداخلي. ثم إن قيادة منتخبة على قاعدة قرارات ولوائح الإستقلالية والديمقراطية لا تفرط في أبنائها جهارا نهارا كي تنفرد بهم السلطة. هل من مفهوم آخر للخيانة بعد هذا ؟ من هو البوليس والمخابراتي ؟ من يجوع ويعرى دفاعا عن استقلالية المنظمة أم من يشترك مع البوليس في رسم القوائم الإسمية من اليساريين وغير اليساريين لتتبعهم داخل الإتحاد وخارجه ؟ لقد سقط القناع أيها النقابي المتصف بعدم الإنحياز !! دعنا من العموميات والتضليل واللف والدوران وتعالى نتحاكم في الهياكل وأمام بطحاء محمد علي على مرآى ومسمع من النقابيين كي يحكموا فينا !

إني أطمئنك أني شديد الدفاع عن حقك الكامل غير القابل للتصرف في التعبيرعن رأيك – على عكس ما تمارسه أنت بالذات تجاه المنتقدين من اليسار للبيروقراطية النقابية وأداء القيادة الحالية بالخصوص – ولكني أحتفظ بحقي الكامل في نقد تحاملك على اليسار النقابي وتقويم ما جانب الموضوعية من مقالك. إن شعار "ياحشاد شوف شوف الخيانة بالمكشوف" قد رفع أيضا في وجه المرحوم الحبيب عاشور (ولا مجال هنا للمقارنة !) في انتفاضة 26 جانفي، وللتاريخ رفع أيضا شعار "يا عاشور يا دجال يا خاين العمال" واضطر هذا الأخير لمجاراة تطلعات القواعد آنذاك والدفاع عن الإستقلالية النقابية وانسلخ من حزب الدستور، وهو الدرس الذي لم تدركه القيادة الحالية "المنتخبة" التي تسمسر في الواقع بإرث الزعماء وتتلاعب بماضيهم. إننا مع عدم التعرض لأعراض النقابيين والتجريح نعتقد أن رفع هذا الشعار كان تفجيرا لغصة في حلق كل نقابي نزيه وصادق أحس بالإهانة والغبن في أحداث قفصة والقصرين والإعتداءات على النقابيين في عقر دارهم، ولا علاقة لذلك بسقوط أو نجاح هذه القائمة أو تلك في مؤتمر المنستير، ولم يدفعهم لا طرف سياسي ولا نقابي ولا يتطلب " النفخ في صورة واحد من آل السحباني " كما تفضلت في مقالك الموضوعي جدا جدا!! بل يتطلب الصدق مع الذات لرؤية هذا الواقع النقابي المرير والدفاع عن الكرامة المداسة في الإتحاد وخارجه.

كان أولى وأحرى بالقيادة أن تقف مرة في العمر لحظة صدق مع منخرطيها وتعترف بتضحيات اليسارالنقابي بصفة خاصة. كيف لا وقد ارتبط تاريخه بالدفاع عن الإتحاد ورد الإعتداءات والهجومات على المنظمة على امتداد أكثر من ثلاثة عقود، ثم تكفّ عن الإلتجاء له في المحن، وتقيم ما حدث بصورة موضوعية دون نفخ أو تصيّد للفرص حتى غير المناسبة منها، ثم تدعو لإجتماعات جماهيرية حاشدة للإعتبار من الحدث واستخلاص الدرس والدعوة للإلتزام فقط بقرارات المنستير لإعادة الإتحاد على سكة النضال والإنصراف للملفات الإجتماعية الكبرى التي تنتظرنا جميعا. لكن مع الأسف لا ينفع العقار فيما أفسده الدهر!!

إن قيادة من هذا القبيل هي قيادة بيرقراطية في مجملها ملتزمة التزاما كاملا بتطبيق برنامج الإصلاح الهيكلي وليس برنامج النقابيين، وهي لا تستحق منك كل هذا التحبير والإنحياز الأعمى الذي نبّهتنا إليه في بداية مقالك، والذي مع الأسف سقطت فيه عن وعي أو لا وعي. إن صداقتك بعلي رمضان قد حجبت عنك الخروقات اللاقانونية التي تمارسها البيرقراطية مثل التجميد النقابي وسحب التفرغات وعرقلة القطاعات والبحث عن ثقب الإبرة من أجل التحوير في المسؤوليات وخلق التوترات وافتعال القضايا الجانبية (جامعة المعاش والسياحة، جامعة المهن المختلفة،الشباب العامل،جامعة المناجم، الإتحاد الجهوي بنابل، نقابة الصحة بباجة، النقابة العامة للتعليم الأساسي وغيرها...) بغاية خلق موازين قوى جديدة ومريحة لفائدة المؤتمر الإستثنائي، وكسب ما يعرف عند النقابيين بمعركة التوريث، التي تخطو هذه " القيادة المنتخبة " خطوات حثيثة في الوصول إليها، وقد تتخذ هذه المعركة شكل "المناشدات" - على السنة الحميدة - بهدف الإنقلاب على قرارات المنستير. وبالمناسبة لماذا لم تطلق عنان قلمك للكتابة حول الدورتين النيابيتين المحددتين للمكتب التنفيذي في مؤتمري جربة والمنستير، كي تبدد الغموض وتدفع عنك الشبهة التي اتهمت بها غيرك من النقابيين. كان أولى وأحرى بك أن تقف ضد هذا التمشي أو في أسوإ الحالات أن تلوذ بالصمت وتتجنب مخاطر الإنتقائية والتذييت وتحبير المقالات للدفاع عن المواقع، ثم السكوت على الإنتهاكات والمظالم ضد النقابيين في مثل هذا الهجوم المزدوج والشرس على النقابيين.

إن اليسار النقابي مصمم اليوم على الدفاع عن الضيعة ولن يترك المناورات تمرّ، وآخرها ما بدأت تفوح رائحته من الإتحاد الجهوي بصفاقس، ومن أجل ذلك سوف يعمل بكل حرص شديد على لملمة جراحه والتعاطي الإيجابي مع خلافاته الثانوية وتوحيد صفوفه على أرضية نقابية صلبة، محورها التصدي للهجوم المزدوج للسلطة والبيرقراطية والدفاع عن الملفات الإجتماعية الملتهبة، متوخيّا في ذلك الأعمال الميدانية والأساليب الديمقراطية المناضلة دون السقوط في التهميش وصرف أنظار الشغالين عن اهتماماتهم الحقيقية، إذ مسألة الديمقراطية النقابية مرتبطة جدليا ومتلازمة مع مسألة استقلالية القرار النقابي ولا تمارس إلا بالأشكال النضالية، بعيدا عن عشق المواقع والحيازة العقارية.ومن مصلحة الإتحاد في مثل هذا الظرف أن يراجع صديقنا المنجي مواقفه المناوءة لليسار النقابي ويتحلّى بالنظرة الموضوعية والشمولية بعيدا عن خدمة البيرقراطية النقابية والإصطفاف وراء الكتل والأشخاص.

نقابي يساري من التعليم الثانوي


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني