الصفحة الأساسية > البديل النقابي > بيان
اللجنة الوطنية لإنقاذ الاتحاد العام:
بيان
21 تشرين الأول (أكتوبر) 2010

إنّ الهيئة الإدارية للإتحاد العام التونسي للشغل، وهي كما يعلم كافة أعضائها، السلطة الثالثة بعد المؤتمر والمجلس الوطني، مثلت على الدوام، بحكم تركيبتها، الإطار الأمثل لتدارس مشاغل الشغّالين واهتمامات النقابيين.

وهي كذلك بحكم صلاحياتها القانونية، الهيكل المؤهل لاتخاذ الإجراءات والمواقف وتجسيم المتابعات التي تحتاجها المنظمة طبقا لقرّرات المؤتمر ولوائح المجلس الوطني.

وتنعقد الهيئة الإدارية المزمع عقدها أواخر أكتوبر 2010 والمنظمة الشغيلة تمرّ بأحلك الفترات التي عاشتها – منذ انبعاثها – بل أنّ الاتحاد لم يصل إلى المستوى المتدنّي الذي هو عليه الآن حتى خلال الأزمات التي مرّ بها ولا حتى وهو تحت إشراف قيادات منصبّة، وذلك بشهادة كل مهتمّ بالشأن النقابي من داخل المنظمة أو من خارجها.

إنّ مجمل العرائض، وما احتوته من أعداد هائلة من الإمضاءات، والأدبيات والتصريحات المنشورة على أعمدة الصحف أو على الإنترنت وكذلك التراشق والتناظر الذي أصبحنا نشهده عبر بعض القنوات الفضائية، وكذلك البيانات التي تصدرها باستمرار كوادر نقابية تحمّلت المسؤولية في فترة أو في أخرى على المستوى الوطني أو القطاعي أو الجهوي، لا يمكن لأحد أن يشكّك في نزاهتها وانتماءها كما ودما للمنظّمة الشغيلة ولصفوف النقابيين، البعض منهم يعتبر من رموز الحركة النقابية الوطنية ومرجع ثابت للنقابيين في المقدرة على تحمّل المسؤولية والكفاءة في التطّرق لأصعب وأدق الملفات، زيادة عمّا يتحلّون به من نظافة ومن شفافية ووطنية في التعامل مع الآخر من بين النقابيين أو من الأطراف المقابلة أو الشريكة أو الهيآت ذات الطابع التحكيمي، لتمثل كلّها أدلّة قاطعة على الإجماع الحاصل ضدّ القيادة الحالية للاتحاد وعلى صلابة هذا القاسم المشترك بين كل هؤلاء بالرغم من بعض الاختلافات في المنطلقات والآليات وربّما التباين في الأهداف أحيانا.

إنّ هذا الوصف المقتضب والمختصر للمشهد النقابي الحالي وما يتميّز به من تشتّت وتمزّق وهون وضعف تأطير ورداءة مردودية الفعل النقابي وتدنّي مستوى الإنخراطات والعزوف عن تحمّل المسؤولية، يكفي للاستدلال عن تورّط القيادة الحالية للاتحاد العام التونسي للشغل في السير بالمنظمة نحو المجهول وفي التآمر على تشريعات وترتيبات وأعراف المنظّمة قصد الاستمرار في مواقعهم في القيادة لبعض سنوات أخرى، وذلك لأغراض أصبح يفقهها العام والخاص، وهي أبعد ما تكون عن مصلحة العمّال وعن اهتمامات ومشاغل النقابيين. بل هي لا تمتّ بأية صلة للأبعاد الوطنية والمجتمعية التي كان الاتحاد منذ تأسيسه أحد الروافد الهامّة في تركيزها.

إنّ الكثير من الملفات المطروحة على الساحة الوطنية، كانت نقابية على غرار المناولة أو المقدرة الشرائية أو تشريعات العمل أو التقاعد وغيرها، أم ذات طابع عام كالتشغيل أو الصحّة أو الجباية أو التعليم وغيرها، أصبحت بالنسبة لقيادة الاتحاد مجرّد كلمة حقّ يراد بها باطلا، بمعنى أنّ الحديث عن هذه المواضيع وفقط الحديث عنها أصبح لا يتنزّل إلاّ عند الحاجة كاستعمالها للتمويه على النقابيين وغير النقابيين بضرورة الاستمرارية في المسؤولية النقابية من أجل هذه الملفات، ممّا أوحى للبعض بالتساؤل عن عدد العشريات التي وجب تمكين قيادة الاتحاد منها لحلحلة هذه المواضيع ! والحقيقة أن العديد من المسؤوليين من داخل المنظمة ومن خارجها يدركون جيّدا درجة الإهدار التي عليها هذه الملفات نتيجة تواجد العديد من المناضلين ومن الكفاءات النقابية خارج المسؤولية.

إنّ الحديث عن الاستمرارية في علاقتها بالخبرة وبالملفات لهو مغالطة كبرى ومفضوحة، لا فقط للرأي العام النقابي بل كذلك للرأي العام الوطني باعتبار أنّ الكثير من هذه الملفات، إن لم تقل كلّها، يتطلّب مساهمة ومشاركة وتدخّل أكثر من طرف، وهي كذلك مغالطة للرأي العام النقابي الإقليمي والدّولي باعتبار ما عهدته بعض الجهات النقابية والاجتماعية الأجنبية في الاتحاد العام التونسي للشغل من ملجأ يستأنسون بتجاربه وبأفكاره وبدارساته ويحاكون أساليب عمله.

إنّ المتتبّع للشأن النقابي أصبح يعلم جيّدا أنّ الاهتمام الحقيقي والأوحد للقيادة الحالية للاتحاد العام التونسي للشغل لا يعدو أن يكون غير الالتفاف على الفصل 10 الذي يقنّن الفترة القصوى للمسؤولية النقابية الوطنية صلب المكتب التنفيذي بدورتين متتاليتين وذلك بعد الفشل الذريع في التصدّي لتقنين الفصل 10 خلال مؤتمر جربة، وكذلك العجز الفادح أثناء مؤتمر المنستير عن إلغائه أو على الأقل صياغته بطريقة تمكن أي هيكل وسيط من مراجعته في الأثناء، وأيضا يعدّ السيل الهائل من العرائض المتمسكة به ولوائح المؤتمرات القطاعية أو الجهوية أو المحلية أو المقررات وتوصيات الندوات، -حتى التي وقع تنظيمها للغرض- الرافضة للالتفاف على الفصل 10 والداعية صراحة لضرورة العمل به مثله مثل بقية الفصول القانونية المؤسسة للاتحاد والترتيبات المنظمة لسير الحياة النقابية على مختلف المسارات.

وبالرغم من الهجمة الشرسة التي يتعرّض لها كل مسؤول نقابي يتمسك بالفصل العاشر وعمليات الترهيب التي تلاحقه حتى أنّ البعض أضحى يتحدّث عن وجود مرصد وطني وقطاعي لترصّد واصطياد كل من "يتنفّس فصل 10" والإطاحة به، ويبدو أن هذا المرصد أصبح يشغل بطريقة، استباقية واستشرافية عملا بالمقولة الشهيرة "الوقاية خير من العلاج" وبالرغم من كلّ ذلك فإنّ الفشل لازال يلاحق قيادة الاتحاد في مسعاها للالتفاف على الفصل العاشر وذلك بفضل المستوى الرّاقي للحسّ النقابي لدى أغلبية النقابيين ولما أنجزه العديد منهم من عمل تحسيسي ومن تجنيد للقوى النقابية الفاعلة.

إنّ التوظيف الشامل الذي أصبح يستهدف النشاط النقابي قصد الالتفاف قد تجاوز كل الحدود وانتهى به المسار إلى التخطيط للتلاعب بأهم الهياكل الدستورية بالاتحاد وهم الهيئة الإدارية والمجلس الوطني والمؤتمر، فبعد محاولة تمرير مؤامرة المؤتمر الاستثنائي قصد تجاوز عقبة الفصل 10 وما شهدته من فشل زاد في فضح مناورات القيادة الحالية، وذلك بالرغم من الاغراءات الشخصية المقدّمة لبعض النقابيين والوعود الكاذبة لبعض مراكز القوى التي يمكن بحكم موقعها، أن تأثّر في مسار الشأن النقابي فيقدّم لها الطبخة الفاسدة في علبة أنيقة وجذّابة - ينبهر لها الناظر- اسمها المؤتمر الاستثنائي.

وهذه بدعة أولى، باعتبار أنّ الكل يعلم أنّ اللجوء إلى المؤتمرات الاستثنائية له قواعده وشروطه ومستلزماته وهو مالا يتوفر في قضية الحال، إلاّ إذا أقرّت القيادة الحالية للاتحاد بأنّ المنظمة الشغيلة تمرّ بأزمة حقيقية والجميع يعلم أنّ هذه القيادة تفتقر للشجاعة اللازمة لمصارحة مسؤولي المنظمة ومنظوريها. وإنّ فاقد الشيء لا يعطيه.

أما البدعة الثانية والمنبثقة من رحم من سبقتها فتتمثل في محاولة الدعوة إلى مؤتمرين استثنائيين متلاحقين، من المحبذ أن يقع انجازهما تباعا في أواسط وأواخر 2011 أي سنة انعقاد المؤتمر القانوني العادي فتكون عندئذ مهمة المحطّة الأولى تنقيح الفصل 10 تحت غطاء إعادة هيكلة الاتحاد وتكون مهمة المحطة الثانية انتخابية بحتة تمكن القائمين عليها من مواصلة التربع على كرسي المسؤولية النقابية لمدّة خمس سنوات أخرى أي إلى حدود 2016.

وبالطبع فإنّ القيادة النّقابية تنوي إنجاز ذلك بعيدا عن أي اهتمام بمشاغل العمال وهموم النقابيين المتزايدة.

فإذا ثبتت هذه النوايا، وقصد تعبيد الطريق أمام إنجاز هذا المخطط فإنّ العمل سيكون حتما في اتجاهين متتاليين.

أوّلهما الدعوة لانعقاد المجلس الوطني وهو الهيكل الدستوري الذي يعتبر ثاني سلطات الاتحاد بعد المؤتمر والذي لم ينعقد منذ مؤتمر المنستير ولو لمرّة واحدة أي على امتداد أربع سنوات خلافا لما ينص عليه قانون المنظمة. وذلك قصد تركه للاستعمال "المفيد" عند الحاجة لأنّ دعوته في دورة أولى قانونية قد يضعف محتواه التوظيفي في دورته الثانية، وقصد ملئ الفراغ وتجنيد النقابيين للمشروع وإضفاء لمسة عملية ومستقبلية بنية تحويل تركيز النقابيين على الفصل 10 وجب استنباط جدول أعمال دسم يحتوي على مواضيع مثل التشغيل والصحة والعلاقات الشغلية والتقاعد والمناولة والجباية والتعليم وغيرها وإغراق أعضاء المجلس الوطني في سيل جارف من اللوائح تمكن غاية الالتفاف على الفصل 10 من المرور بعيدا عن الأعين.

أمّا الثاني فيتمثل في دعوة الهيئة الإدارية الوطنية للانعقاد، لا لتدارس مشاغل النقابيين وللتحضير للمحطّات النقابية المقبلة على غرار المفاوضات الاجتماعية وانعقاد المؤتمر القانوني العادي في ديسمبر 2011 وإنّما قصد إضفاء القانونية على ضربة البداية لهذه السلسلة من البدع حتى لو استلزم ذلك حقن المواضيع النقابية العادية السالفة الذكر والمزايدة بها. ويتم إضفاء القانونية هذه، لا فقط بدعوة المجلس الوطني للانعقاد وهي مهمة عادية للهيئة الإدارية – ولكن بالخصوص لتمرير مشروع لائحة توصي من خلالها المجلس الوطني بالدعوى لمؤتمر استثنائي أوّل وثاني.

وفي هذا الإطار فإنّ اللجنة الوطنية لإنقاذ الاتحاد العام التونسي للشغل، تدعو الأخوة أعضاء الهيئة الإدارية الوطنية وكل القوى الفاعلة في الشأن النقابي إلى عدم الانزلاق وراء هذه الخطط التضليلية وإلى الالتزام بالروح النقابية الفذّة التي عهدناها فيهم والقاضية برفض حشر المنظمة في مسار مخلوط، الغاية الوحيدة منه والنهائية لا تعدو أن تكون سوى التحيّل على القوانين والالتفاف على الأعراف النقابية النبيلة.

كما أنّ اللجنة تدعو كافة الإخوة أعضاء الهيئة الإدارية الوطنية لمواصلة المحافظة على مصداقية هذا الهيكل النقابي المسيّر الهام وعدم الإقدام على ممارسة تجعل منه هدفا للنقابيين القاعديين والمنخرطين والكوادر النقابية على غرار ما تعرّض له ولا يزال المكتب التنفيذي الوطني، فيحدث لا قدّر الله تصدّعا إضافيا في صفوف النقابيين، الاتحاد والبلاد في غنى عنه.

واللجنة، إذ تعبّر عن هذا بكل مسؤولية، فإنها تنبه ضدّ محاولات التوريط في اتخاذ قرارات مخلوطة وتوصيات مغشوشة وتحمل أصحابها مسؤولية كل ما قد ينتج عن ذلك من انعكاسات سلبية على وحدة طبقتنا العاملة ورصّ صفوفها وعلى التوازن الاجتماعي بالبلاد.

تونس في 21 أكتوبر 2010
عن اللجنة الوطنية لإنقاذ الاتحاد العام
المنسّق

ملاحظة

سقط هذا المقال سهوا من العدد الأخير من "البديل عاجل" الصادر مساء الجمعة الفارط. ورغم كونه موجّها إلى أعضاء الهيئة الإدارية للاتحاد التي انعقدت يوم السبت 23 أكتوبر الجاري، إلاّ أنّ محتواه يستعرض الوضع العام الذي باتت عليه المنظمة النقابية من وجهة نظر اللجنة الوطنية لإنقاذ الاتحاد العام، وهو ما يجعلنا ننشره ولو بصورة متأخرة.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني