الصفحة الأساسية > البديل العربي > حكومة الطوارئ الفلسطينية ومخاطرها غير المعلنة
حكومة الطوارئ الفلسطينية ومخاطرها غير المعلنة
10 تشرين الأول (أكتوبر) 2003

أعلن الرئيس الفلسطيني "أبو عمار" وبصورة مفاجئة وبعد طول تردد وانتظار حالة الطوارئ على الأراضي المحتلة والواقعة تحت السلطة الفلسطينية وعن تشكيل حكومة طوارئ مضيقة تتألف من ثمانية وزراء كلهم من فصيل " فتح". وقد استعمل عرفات صلاحياته الدستورية لاتخاذ مثل هذا القرار الذي سيعرض بمقتضاه على المجلس التشريعي الفلسطيني التصديق على الحكومة الجديدة برئاسة "أبو العلا" أحمد قريع وحسب ما يبدو في الايام القليلة القادمة رغم أنه يمكن لها حسب الدستور الفلسطيني مباشرة مهامها لمدة شهر قابل للتجديد مرة واحدة قبل نيل ثقة البرلمان.

غير أنه وبالتعمق مليا في أبعاد هذا القرار المفاجئ يتضح أنه يستند إلى خلفية ويتضمن معاني أخرى غير المعلن عنها من طرف عرفات وأحمد قريع الوزير الأول المعين بدل "أبو مازن". فالمبرر الأمني وخاصة في ظل تهديد الكيان الصهيوني باستبعاد عرفات خارج فلسطين هو في الحقيقة الغرض الأساسي من مفاجئة الحركة الوطنية الفلسطينية بحالة وبحكومة الطوارئ بدلا عن حكومة الوحدة الوطنية الموسعة التي سعى قريع في البداية إلى تشكيلها. ومن غير المستبعد أن تكون الضغوط الدولية وخاصة الأمريكية والإسرائيلية الممارسة في هذا الاتجاه هي التي جعلت عرفات يتخذ قراره بمثل هذه العجلة.

فحكومة الطوارئ ستتيح لعرفات تسيير الأراضي الفلسطينية استثنائيا بالمراسيم ويخشى أن تجد الحكومة الجديدة في ذلك الفرصة لإطلاق يدها في ملاحقة النشيطين من مختلف مجموعات المقاومة المسلّحة. ويذهب التفكير عند العديد من فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية إلى أن المقصود بالمبرر الأمني هو في الحقيقة تسبيق المدخل الأمني على المدخل السياسي لاستئناف التفاوض مع حكومة شارون.

والمقصود بالمدخل الأمني هو الاستجابة للشروط الأمنية التي وضعتها "إسرائيل " وتبنّتها خارطة الطريق ولم تفلح حكومة أبو مازن في توفيرها. وما يفيد هذا الاعتقاد تصريح عرفات بأن الحاجة " لتكريس الوحدة الوطنية ووقف الفوضى ولتطبيق النظام وحكم القانون" هي التي بررت قراره. ويستشف ذلك أيضا من تأكيدات أحمد قريع المتكررة بأن أولويات الحكومة الجديدة هي "نشر الطمأنينة في صفوف المواطنين ومواصلة الحوار مع جميع القوى والفصائل الوطنية والإسلامية وتشكيل قواسم ما بين الفلسطينيين للالتقاء عليها " كل ذلك من أجل التوصل إلى " وقف إطلاق نار متبادل على أسس واضحة مع الجانب الإسرائيلي" حسب تعبير السيد قريع.

إن الإعلان على حكومة الطوارئ في ظل تواصل العدوان الصهيوني على الأراضي وعلى الشعب الفلسطيني وفي ظل تصعيد أشكال التقتيل والاغتيالات والاعتقال وهدم المنازل ومصادرة الأراضي وجميع أشكال التخريب الأخرى يعكس استعداد القيادة الفلسطينية للرضوخ للضغوط الخارجية ويؤكد مرة أخرى أنها ما تزال تراهن على خارطة الطريق وعلى إمكانية التوصل لاتفاق مع الكيان الصهيوني للانسحاب من الأراضي التي تم اجتياحها بعيد انتفاضة أكتوبر 2000 ، وأنها ستستمر بالتالي في جهودها من أجل تلبية الشروط التي رفعتها "إسرائيل" مطالبة بالقضاء على الانتفاضة وعلى فعالياتها النشيطة وخاصة المسلحة منها. كما أن الإعلان عن هذه الحكومة وعن حالة الطوارئ الرمزية دون العودة لمؤسسات منظمة التحرير وللقوى الوطنية ينطوي على مخاطر كبيرة بإمكانية نقل التناقضات إلى داخل الصف الفلسطيني فضلا عن أنه يحمل مخاطر توظيف الوضع أمنيا وتهديد الحريات العامة والفردية ومستقبل الانتفاضة ككل وأهدافها. لذلك فإن شبح الحرب الأهلية الفلسطينية سيبقى يخيم طالما أن الحكومة الحالية مصرّة على ضرورة تجريد المنظمات المسلّحة من أسلحتها " غير الشرعية " كما سمّاها أبو مازن من قبل.

إن نتائج المفاوضات السابقة واستغلال الكيان الصهيوني لذلك الحوار ولقرار الهدنة التي أعلنته بعض الفصائل من جانب واحد لمزيد تصعيد جرائمه ضد الشعب الفلسطيني أمر كاف لكي تهتدي القيادة الفلسطينية للحلول المناسبة للظرف. وكان حري بها أن تبدأ بتنفيذ قرارات المجلس المركزي الذي أوصى من جملة ما أوصى به بتشكيل قيادة وطنية موحدة تضم كل الفصائل الوطنية والمناضلة.

إن إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على " أساس ديمقراطي انتخابي وفق مبدأ التمثيل النسبي "كما تطالب به عديد الفصائل الوطنية هو المدخل الحقيقي لتقوية الصف الفلسطيني وتعديل موازين القوى مع العدو الصهيوني المدعوم بأعتى القوى الإمبريالية وبالرجعيات العربية المتواطئة والمتهافتة على التطبيع معه. دون هذا ستبقى كل المحاولات التوفيقية الأخرى مآلها الفشل وعوامل مشجعة لمزيد اسشراس العدو الصهيوني ولتوسع أطماعه لا في فلسطين فقط بل وفي كامل المنطقة. ولعل الضربة الجوية في أعماق سوريا الأخيرة إلى جانب تغلغل الاستخبارات والمؤسسات والرساميل الصهيونية في العراق تحت الاحتلال من البراهين الأكيدة على ذلك.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني