الصفحة الأساسية > البديل النقابي > إضرابات الجوع العمالية والقيادة البيروقراطية
إضرابات الجوع العمالية والقيادة البيروقراطية
10 تشرين الأول (أكتوبر) 2003

بعد أن تابعت صوت الشعب إضرابات الجوع العمالية وكتبت عنها ثم سجلت بعض الملاحظات في شأنها، يهمنا اليوم أن نقف على أسباب بروز ظاهرة إضرابات الجوع العمالية ومعانيها، وذلك في علاقة بسلوك وتوجه القيادة البيروقراطية للاتحاد العام التونسي للشغل.

1 – أسباب بروز إضرابات الجوع العمالية:

يعود بروز إضرابات الجوع العمالية إلى عدة أسباب، نذكر من أهمها :
-  تخلي القيادة النقابية عن مهامها الأصلية المتمثلة في الدفاع عن مطالب الشغيلة في مختلف القطاعات والجهات بصفة نضالية.
-  الوهن الذي أصاب القيادة البيروقراطية حتى أنها أصبحت غير قادرة على تأطير الحركة العمالية بل أصبحت معرقلا رئيسيا لتطورها. فقد لعبت دوما دور المخرب للنضالات والمنفذ لسياسات الحزب الحاكم الذي يمثل مصالح رأس المال بصفة عامة. فالبيروقراطية النقابية هي أداة رأس المال والبورجوازية عموما في صفوف الطبقة العاملة: تمارس الدمغجة تجاه العمال والوشاية بالمناضلين النقابيين، للإدارة والبوليس، وتتعاون بالكامل معهما "للقضاء" على كل مناضل يرفض سياستها أو كل هيكل "متنطع" يبرز في هذه المؤسسة أو تلك أو في هذا القطاع أو ذاك.
-  معاداة القيادة النقابية للإضراب: إن معاداة البيروقراطية النقابية للاضرابات ملازمة دوما لخطها النقابي الذي يعكس طبيعة علاقتها بالسلطة السياسية. ولذلك غابت سمة النضالية عن ممارستها "النقابية" منذ اغتيال حشاد وخاصة منذ انبعاث دولة الاستعمار الجديد في بلادنا سنة 1956.

ولذلك ظلت الحركة الاضرابية ضعيفة في تاريخ الحركة النقابية في تونس التي هيمنت عليها منظمة وحيدة (الاتحاد العام التونسي للشغل)، تلك المنظمة التي يعتبرها الحزب الدستوري منظمته، أي أداته في علاقة بالحركة العمالية. فلم يتردد في احتواء تنطعها بعنف كلما حاولت الخروج عن قبضته الحديدية (مثلما حدث في الستينات) أو كلما بدأت قاعدتها تتجذر (مثلما حدث في السبعينات والثمانينات) فيعيدها إلى حضيرته عبر بوابـة "المصالحة النقابية". وبذلك ظلت القيادات البيروقراطية المتعاقبة وفية لخطها المعادي للإضرابات، وفاء لارتباطاتها بخيارات السلطة وخاصة لما تبنت مفهوم النقابة المساهمة في بداية التسعينات. وقد وعى العمال هذه الحقيقة من خلال ممارستهم واختبارهم للقادة البيروقراطيين وطنيا وجهويا في الشغل والحياة، فنظموا المسيرات والتجمعات التي زادتهم وعيا بمدى تواطئ تلك القيادات البيروقراطية البعيدة كل البعد عن همومهم ولم يجدوا في آخر المطاف سوى سلاح الإضراب عن الطعام لكنهم فوجئوا بأحد زعماء البيروقراطية يتوجه إليهم، كاشفا عما تبقى لديه ولدى أترابه من سخط على الاضرابات بمختلف أشكالها، قائلا: "إضرابات الجوع ليست من تقاليد الاتحاد العام التونسي للشغل". نعم، هكذا، الاتحاد لا يوافق على الإضراب عن الانتاج ويرفض إضراب الجوع. فهو معادي للإضراب مهما كان شكله. تلك هي الحقيقة!

وهكذا رفضت القيادة البيروقراطية تأطير إضرابات الجوع التي وقعت مؤخرا، سواء في مؤسسة "إيكاب" بالمكنين أو في مؤسسة "كوفرتاكس-صوطاباكس" بسوسة، بل حاولت احتواءها مبكرا عبر وعود كاذبة لم تنطل على العمال المضربين الذين عولوا على صمودهم المعنوي والجسدي. فطال إضراب الجوع في المؤسستين واكتفت بعض هياكل الاتحاد العام، عند فشل مناورتها بحل الإضراب بالتفاوض البطيئ ولا شيء غير التفاوض. وقد كان من المفروض أن ينظم الاتحاد حركة تضامنية واسعة وقوية وفورية مع المضربين، عبر التهديد ببعض الإضرابات التضامنية في بعض المؤسسات "الحساسة". لكن أنى لعدو الاضرابات بصفى خاصة وعدو النضال عموما أن يلجأ إلى مثل هذا الشكل الراقي من الإضراب والتضامن العمالي؟

2 – معاني إضرابات الجوع العمالية وواجبات القوى الثورية والتقدمية:

إن المتمعن في إضرابات الجوع التي حصلت يستخلص منها معاني عديدة لعل اهمها:
-  درجة من الخبرة والوعي لدى العمال المضربين ولدى رفاقهم داخل المؤسسة المعنية: خبرة بحقيقة الأوضاع النقابية المتردية داخل الاتحاد العام وبدور القيادة النقابية المتواطئة على طول الخط وعلى المكشوف... وعيهم بجدوى إضرابات الجوع قياسا بالإضرابات السياسية التي اطلعوا عليها أو بلغهم صداها ونتئجها الإيجابية بفضل وقوف القوى الديمقراطية في الداخل والخارج إلى جانب المضربين... وعيهم بما يكمن في ذواتهم من قدرة على تحدي العراقيل وفتح الأبواب الموصدة في وجوههم من قبل أكثر من طرف (عرف، سلطة، اتحاد عام...)... وعيهم بوجود قوى أخرى، غير الاتحاد العام، يمكن أن تؤازرهم إن هم صمموا على النضال ومجابهة أعدائهم: الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، الأحزاب والجمعيات المناضلة... وفعلا فقد لعبت الأولى دورا محوريا في تأطير الاضرابات بمساندة وتشجيع المضربين والرفع من معنوياتهم والعناية الطبية...
-  لقد سجلت الرابطة أولى خطواتها بنجاح على طريق تجسيد دفاعها عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. بداية ناجحة وواعدة. وما على فروع الرابطة إلا ربطها بالجماهير الكادحة حتى تصبح الرابطة قوة فاعلة، يمكنها أن تلعب دورا مهما في النضال ضد الدكتاتورية، من أجل إرساء دعائم نظام ديمقراطي تحترم فيه جميع الحريات الأساسية بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
-  وفي الختام نؤكد على أن تصريح علي رمضان في بداية إضراب عمال "إيكاب" وكذلك تصريح عبد السلام جراد بعد انتهاء إضراب عمال "كوفرتاكس-صوطابكس" يبرهنان على مدى انزعاج البيروقراطية النقابية من بروز معطيات جديدة على الساحة الاجتماعية (إضرابات الجوع العمالية والدور الجديد للرابطة في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كإجابة موحدة على الوهن الذي أصاب الاتحاد العام). إن هذا الانزعاج يذكرنا بذاك الذي أبداه بعض رموز القيادة البيروقراطية غداة تأسيس "الكنفدرالية الديمقراطية للشغل" في أواخر 2001 كإجابة على نفس المرض الذي أصاب نفس المنظمة.

إن القوى الثورية والتقدمية مدعوة إلى الانتباه إلى هذه التطورات المهمة الحاصلة على الساحة الاجتماعية من أجل إدراجها ضمن أجندتها السياسية ولعب الدور الموكوزل لها بهدف توحيد الصفوف وتكتيل الجهود ضد الدكتاتورية النوفمبرية المارقة عن القانون والفاقدة لأي شرعية.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني