الصفحة الأساسية > البديل العربي > عصابة بوش تبحث عن مخرج !
عصابة بوش تبحث عن مخرج !
10 تشرين الأول (أكتوبر) 2003

بات واضحا أن عصابة بوش تبحث عن مخرج من المأزق الذي أوقعتها فيه المقاومة العراقية الباسلة والمتصاعدة، وهي الآن بصدد السعي إلى محاولة توريط دول أخرى في المستنقع العراقي كي تساعدها على قمع المقاومة و"فرض الأمن" حتى يتسنى لها نهب ثروات العراق واسترجاع خسائرها في الحرب وتمويل الاحتلال وجني الغنائم عامة.

وكان الكنغرس قد وافق، في نهاية شهر سبتمبر الفارط، على تخصيص 87 مليار دولار لمواجهة تكاليف الحرب في العراق وأفغانستان، على أن يتم استرجاع هذا المبلغ من عائدات النفط العراقي في شكل "قرض طويل الأمد". وينضاف هذا المبلغ إلى المبالغ الطائلة الأخرى التي صُرفت من أجل احتلال العراق. وتقدر إدارة بوش مصاريف الحرب في العراق فقط بحوالي 400 مليار دولار. وكل هذه المبالغ الخيالية هي بمثابة ديون متخلدة بذمة العراق تنضاف إلى ديونه قبل الاحتلال والمقدرة بعشرات المليارات من الدولارات. فكم يلزم الشعب العراقي من سنة كي يتمكن من "تسديد ديونه"؟

وبما أن المقاومة العراقية نجحت في الحد من تصدير النفط من خلال استهدافها للمنشآت النفطية وخلق مناخ أمني لا يساعد على استغلال النفط، فإن الإدارة الأمريكية تجد نفسها في مأزق حقيقي. فخروجها من العراق سيكلفها خسائر جسيمة تعمق أزمتها الداخلية، وبقاؤها يتطلب المزيد من المصاريف. وحتى الدول الامبريالية التي تحاول الإدارة الأمريكية إقناعها بضرورة تحمل العبء معها ماديا وعسكريا لا تبدو متحمسة للموضوع وهي ترى ما آل إليه حال واشنطن ولندن. إلا أن هذه الدول من مصلحتها "استتباب الأمن" وتوفر المناخ الملائم لجني غنائم الحرب حتى تتمكن على الأقل من استرجاع ديونها المتخلدة بعراق ما قبل الاحتلال. والضجيج الدائر حاليا في الأمم المتحدة بين الامبريالية الأمريكية وحليفتها الوفية البريطانية من ناحية، وبين امبرياليات أوروبا وآسيا الرافضة للحرب (فرنسا، روسيا، ألمانيا...) من ناحية أخرى، حول (إعطاء دور أكبر للأمم المتحدة في العراق والإسراع بنقل السيادة إلى العراقيين...)، كل هذا الضجيج لا هدف من ورائه سوى إخضاع الشعب العراقي عسكريا وسياسيا وفرض الظروف الملائمة لنهب الثروات واقتسام الغنائم. والاختلاف الحقيقي بين هذه الامبرياليات هو حول الطريقة التي يجب اتباعها لتحقيق هذا الهدف. فالامبرياليات المعارضة للحرب تريد احتلالا جماعيا (متعدد الجنسيات) تحت غطاء "أممي"، يكون مدخلا للاسراع بتنصيب حكومة عراقية عميلة وهذا هو المقصود "بنقل السيادة إلى العراقيين في أسرع وقت". أما الامبريالية الأمريكية فلا تريد التفريط فيما اغتصبته ودفعت في سبيله المال والعباد، هكذا بسهولة وبدون مقابل. فهي لا تريد من الأمم المتحدة سوى أن تواصل لعب نفس الدور الذي لعبته قبل شن الحرب، أي التجسس على العراقيين وتغطية الاحتلال وتشريعه، ولا تريد من الدول الأخرى سوى أن تكون ذيلا لها في هذه الحرب القذرة مقابل بعض الدولارات والامتيازات الاقتصادية والتجارية فيما يسمى بعملية إعادة الإعمار.

وإذا كانت الدول الامبريالية التي لها خلاف مع واشنطن حول كيفية احتلال العراق لها القدرة على قول لا لواشنطن، فإن التوابع المغلوبة على أمرها لا قدرة لها على رفض أوامر بوش وهي التي تعيش بفضل مساعداته وحمايته لها. ولهذا فإن إدارة بوش تولي أهمية بالغة للضغط على هذه التوابع كي تساعدها على قمع مقاومة الشعب العراقي. وفي هذا الإطار نجحت في دفع الحكومة التركية إلى التصديق على ضرورة إرسال جنود إلى العراق للمساعدة في قمع المقاومة والتصدي لكل محاولة لإقامة كيان كردي على عراق الاحتلال وملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني وكل المعارضين للنظام التركي.. وتأمل الحكومة التركية العميلة في الحصول على المساعدات الأمريكية لمواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها منذ سنوات.
أما إيران فإنها تحاول استغلال الوضع فـي العراق لصالحها من خلال "الاندساس" في "مجلس الحكم الانتقالي" وتحريك الفصائل التابعة لها في العراق في اتجاه قمع المقاومة والاقتراب أكثر من المحتل ظنا منها أن ذلك سيجنبها غضب صقور البيت الأبيض من ناحية، ويمكنها من موقع قدم في العراق بعد انتقال "السيادة" إلى الحكومة العميلة التي تسعى الامبريالية إلى تنصيبها من ناحية أخرى.

وبالتوازي مع ذلك يتواصل الضغط على الحكومات العربية العميلة لإجبارها على إرسال جنود إلى العراق كي يكونوا أحزمة واقية للجنود الأمريكيين الذين أصبحوا صيدا سهلا للمقاومة. وفي هذا الإطار جاءت الضربة الصهيونية لسوريا بعد أن تلقت الضوء الأخضر من واشنطن. وعوض أن ينضم النظام السوري للمقاومة العراقية قولا وفعلا، فإنه اختار طريق الرضوخ للضغوط والاستجابة لطلبات بوش وشارون. فسد الباب أمام المتسللين من وإلى العراق وأغلق مكاتب المقاومة الفلسطينية التي تتهمها واشنطن بالارهاب ورفض منح اللجوء لرموز النظام العراقي السابق... ويعتقد النظام السوري أن هذا الطريق سيجنبه الاعتداء. لكن ما حصل هو العكس فالاعتداء حصل والضغوط متواصلة والتهديدات بشن الحرب وفرض العقوبات الاقتصادية متواصلة أيضا. وستواصل عصابة كل من بوش وشارون ضغطها على الأسد إلى حين إضعافه تماما وعزله عن محيطه الشعبي والإقليمي ثم الاجهاز عليه نهائيا. فعصابة بوش لم تعد ترضى بأنظمة محايدة ومطيعة فحسب بل تريدها خاضعة تماما وقابلة لأن تكون مجرد توابع تنفذ الاملاءات بسرعة وبدون تردد.

إلا أن الأمور لا تسير مثلما تشتهي أمريكا وحلفاؤها وتوابعها. والفضل في ذلك يعود إلى المقاومة العراقية التي أفسدت العرس وحولت الكعكة العراقية التي كان المحتفلون يعتقدون أنها من المرطبات اللذيذة إلى اسمنت مسلح يصعب تقسيمها أو اقتسامها! وقد عكس وزير المالية العراقي، الذي نصبه الاحتلال، كامل كيلاني هذه المصاعب حيث صرح يوم 15 سبتمبر الفارط بأن ميزانية العراق سنة 2004 ستتراوح بين 13و14 مليار دولار وتعتمد أساسا على التمويل الخارجي والمساعدات (أمريكا والدول المانحة والمؤسسات المالية والمنظمات غير الحكومية) بسبب توقف تصدير النفط وانخفاض الرسوم الجمركية. وأكد أن احتساب عائدات النفط في الميزانية لن يبدأ قبل استئناف التصدير الذي قدّر أنه يتطلب سنتين على الأقل.

ولمواجهة هذا الوضع تحاول واشنطن مضاعفة إنتاج النفط العراقي قبل موفى مارس من العام المقبل والذي يبلغ حاليا مليون و800 ألف برميل يوميا، مع تشجيع المستثمرين على الاستثمار في العراق من خلال التخفيض في الرسوم الجمركية بنسبة 5% ووضع كل القطاعات للبيع في المزاد العلني في السوق الامبريالية العالمية. وفي هذا الإطار ضغطت واشنطن على "اوبك" من أجل قبول عراق الاحتلال في هذه المنظمة. علما وأن الرئيس الحالي لـ"أوبك" هو عبد الله العطية وزير النفط القطري التي عمل بالتعاون مع الأنظمة العميلة لواشنطن على فرض تواجد العراق في المنظمة رغم معارضة بعض الدول مثل فنزويلا.

مصاعب أمريكا في العراق انعكست سلبا على أوضاعها الداخلية. فعصابة بوش التي سارعت إلى احتلال العراق لتصدير أزمتها الداخلية الآخذة في التصاعد، وجدت نفسها اليوم تواجه وضعا أصعب داخليا وخارجيا. ففي آخر تقرير للحكومة الأمريكية صدر يوم الجمعة 26 سبتمبر 2003 ارتفع عدد الفقراء من 32,9 مليون سنة 2001 إلى 34,6 مليون سنة 2002، لترتفع بذلك نسبة الأمريكيين الذين يعيشون دون حد الفقر (الأسر التي تتكون من أب وأم وطفلين ولا يتجاوز دخلها السنوي 18244 دولار) من 11,7% إلى 12,1% في نفس الفترة أي بزيادة 1,7 مليون فقير في سنة واحدة، مع العلم أن نسبة البطالة تدور الآن حول 6,1% من السكان النشيطين.

وخير شهادة على ما وصلت إليه الولايات المتحدة في عهد البوشية المتطرفة ما قاله الجنرال المتقاعد "ويسلي كلارك" الذي يستعــد لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية:" سياسة بوش الاقتصادية كلفت الولايات المتحدة الأمريكية 2,7 مليون وظيفة وأدت إلى أكبر خسارة منذ رئاسة "هوفر" في مرحلة الركود الكبيرة..."، وأضاف كلارك الذي كان يتحدث إلى جمع من أنصاره:" لماذا فقدنا الشعور بالأمن على أرضنا... واحترام الكثير من الناس في العالم..؟!".

هذه المصاعب الاقتصادية تنضاف إلى تزايد عدد الضحايا من الجنود الأمريكيين في العراق. فقد اعترفت الإدراة الأمريكية بمقتل أكثر من 300 جندي أمريكي وبجرح حوالي 700 آخرين منذ بدء الحرب على العراق. كما أن المقاومة الأفغانية عادت لتسدد ضربات موجعة للأمريكان. دون أن ننسى الفضائح التي تواجهها حكومة بوش وحكومة بلير بسبب العدوان على العراق وآخرها تسريب اسم عميلة للمخابرات الأمريكية انتقاما من زوجها الذي كشف أن عصابة بوش زوّرت المعلومات بخصوص "حصول صدام حسين على اليورانيوم من النيجر". وكذلك اعتراف وزير خارجية لندن السابق في مذكراته بأن بلير كان يعرف جيدا أن العراق لا يمتلك أسلحة دمار شامل ورغم ذلك كذب على الشعب البريطاني لتبرير العدوان على العراق.

وإلى جانب كل هذا فإن الامبريالية الأمريكية باتت تواجه عزلة عالمية بسبب سياستها الموغلة في التطرف والغرور ولم تتمكن حتى من اقناع أصدقائها بـ"مشروع أممي جديد حول العراق". ولم يعد بمستطاعها تمرير اي مشروع في "مجلس الأمن"، أو معارضته دون الالتجاء "لحق الفيتو".

إن أزمة الامبريالية الأمريكية آخذة في التفاقم داخليا وخارجيا وإن من شأن تصاعد المقاومة المعادية للاستعمار في العراق وفلسطين وأفغانستان وكل الدول المستعمرة الأخرى تعميق هذه الأزمة. كما أن التحركات الجماهيرية المساندة لتحرر الشعوب والمعادية للامبريالية والعولمة من شأنها أن تدفع في اتجاه انتفاضة عالمية عارمة تهد أركان الامبريالية، العدو اللدود للشعوب.

وإن ما نراه اليوم من تصاعد للمقاومة في العراق يبشر بأن جيشا عراقيا جديدا بصدد التشكل، جيش تحرير وطني وشعبي. خاصة بعد أن اعترفت إدارة الاحتلال بأن هناك قيادة مركزية تنظم الهجمات على القوات الأمريكية في العراق، في وقت وقع الإعلان فيه عن تشكيل "الجبهة الوطنية لتحرير العراق" والتي تتكون حاليا من عشرة تنظيمات سياسية.

كما أن المظاهرات التي تشهدها المدن والقرى العراقية تبشر بانتفاضة شعبية عارمة بدأت تكتسح الواقع العراقي. وإذا ربطنا نضال الشعب العراقي ببوادر نهوض شعبي في أمريكا ولندن بسبب تزايد الفقر والبطالة وارتفاع الأصوات المنادية بمحاكمة المعتدين على العراق وبتخصيص الأموال الموجهة للحرب لحل مشاكل الشعبين الأمريكي والبريطاني، ندرك أن المستقبل لن يكون لصالح البوشية الجديدة. وقد بدأت بالفعل تحركات جماهيرية معادية لبوش وبلير شهدتها عديد العواصم والمدن الأروبية في نهاية الشهر الفارط.

والأكيد أن الشارع العربي المبهور بنجاحات المقاومة العراقية والمقهور من سياسة الامبريالية والصهيونية والمقموع من الأنظمة العميلة والجبانة، الأكيد أن هذا الشارع سيخرج من وسباته خاصة إذا تحملت قواه الثورية مسؤولياتها التاريخية.
لا بد أن تلتحم نضالات الشعبين العراقي والفلسطيني بتحركات جماهيرية عربية وعالمية في جبهة عالمية موحدة ضد الامبريالية والصهيونية والفاشية.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني