الصفحة الأساسية > صوت الشعب > العــــــدد 223
الفيضانات الأخيرة :
لا بد من فتح تحقيق، لا بد من تحديد المسؤوليات، لا بد من التعويضات
10 تشرين الأول (أكتوبر) 2003

ألحقت الفيضانات الأخيرة أضرارا فادحة بالمواطنين وممتلكاتهم وبالبنية التحتية في عديد المناطق. ولئن كانت الوطأة أشد على الأحياء السكنية الشعبية وفي ولايات تونس الكبرى فإن الأوحال والسيول لــم تستثن الأحياء "العصرية" و"المترفهة" حديثة البناء. وفي ساعات قليلة من تهاطل الأمطار فاضت المجاري وتحولت الساحات إلى برك وبحيـرات ودخلت المياه المنازل والمحلات العمومية (متاجر، مستشفيات، مدارس...) وجرفت المؤن والأثاث والتجهيزات وعطلت حركة المرور وحالت دون عودة العديد من التلاميذ والطلبة والعاملين إلى ديــارهم. وبعضهم لم ينج إلا حين تعلق بشجرة أو عمود، فضلا على وفـــاة الكثيرين ممن غمرتهم السيول أو صعقوا. وتفككت الطرقات والجسور وتكدست الأوحال والأتربة والفواضل وزحفت الحشرات في الأيــام التالية، ووجدت الأمراض الجلدية والجوفية مرتعا لها، وسمعنا وسائل الإعلام الخارجية تتحدث عن عشرات الوفيات. وفي غياب الإنارة من الخطاب الإعلامي والسياسي الرسمي بقي المجال مفتوحا للشائعات والاجتهادات.

لقد واجهت دكتاتورية السابع هذه الكارثة بسلوك لامسؤول. وعاملت مواطنيها معاملة القاصرين كعادتها، فلم تعطهم الحقيقة ولــم تساعدهم على تطويق المحنة وتخفيف وطأتها بالتوجيه المجدي والنجدة السريعة، إلا بمعزوفة الاجتماعات الوزارية والصدقات والمديح. وزاد الأمر تعقيدا تخلف مؤسسة الرصد الجوي وخضوع نشراتها هي أيضا للرقابة والتوظيف السياسي مما جعل المواطنين يشعرون بغياب الدولة وهم يواجهون الكارثة.

كما تجاهلت السلطة الأسباب الحقيقية للكارثة وحمّلت العوامــل المناخية والمواطنين مسؤوليتها. تجاهلت أن حالة الطرقات والجســور والقنوات والتهيئة العمرانية والتجهيز تعود مسؤوليتها إلى رجالها وديوان تطهيرها الذي ما انفك ينهب جيوب الناس (نصيبه من فاتورة الماء يفوق نصيب استهلاك الماء!)، وإلى بلدياتها وإدارة تجهيزها. ولو كانت هناك مراقبة لوجوه صرف المال العمومي وتطبيق حازم للمقاييس الفنيــة ومحاسبة على كل إخلال، ودور للمواطن في تعيين المسؤول من أعلى الهرم إلى أسفله وفي عزله عند الضرورة لما استخف بمصالحهم وتقاعس عن أداء الواجب. ولو كان هناك قضاء حازم وعادل وراء كل مقاول لما مد طرقات وجسورا وقنوات هشة مقابل رشاوي، ولو كان هناك بلديات منتخبة انتخابا حرا وديمقراطيا لفكرت في سلامة منظوريها وقامت بالتفقد والإصلاح اللازمين قبل فوات الأوان، ولما تكررت الكارثة، فالأضرار الناجمة عن الأمطار الأخيرة ليست الأولى والتهاون ليس وليد اليوم، وما معاناة سكان ولاية جندوبة إلا مثال.

إن التعتيم الذي رافق الفيضانات الأخيرة والذي أدى إلى تغطية الحقيقة حول المسؤوليات وحول الأضرار وعدد الأموات يقتضي مباشرة :

1 – فتح تحقيق لإجلاء الحقيقة

2 – نشر قائمة كاملة في الضحايا وتقديم التعويضات اللازمة لعائلاتهم.

3 – التعويض للمتضررين من قبل الدولة بوصفها المسؤول المباشر عن التجهيزات وتخطيط المدن والأحياء والطرق الفنية التي أُنجزت بمقتضاها.

4 – تحديد المسؤوليات ومحاسبة كل من له ضلع في الكارثة.

5 – وضع حد لإعلام الكذب والتضليل.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني