الصفحة الأساسية > البديل العربي > صناعة أمريكية فاشلة
"مجاميع الصّحوة" في العراق:
صناعة أمريكية فاشلة
كانون الثاني (يناير) 2008

ظهرت "مجاميع الصحوة" في النصف الثاني من سنة 2007. وقد وقع تداولها إعلاميا خاصة بعد "التحسن النسبي" في الوضع الأمني في العراق، وتأكيد البيت الأبيض أن سبب هذا التحسن يعود إلى ظهور هذه المجاميع الذي يزعم أنه أدى إلى انخفاض عدد القتلى في صفوف المدنيين إلى بنسبة 75 بالمائة. وتراجع عدد الهجمات التي تقوم بها المقاومة ضد المحتل مما أدى إلى انخفاض واضح في عدد القتلى من الجنود الأمريكيين مقارنة بالسنة الفارطة.

"مجاميع الصحوة" هي إنتاج أمريكي جديد، الغاية منه القضاء على المقاومة بأيادٍ عراقية بعد أن فشلت آلة الحرب الفتاكة في ذلك، مع اتباع نفس الأسلوب، أي تقسيم العراق وتفتيته إلى طوائف وشيع وملل وقبائل وعشائر... وإثارة النزاعات بينها وتأليب هذا ضد ذاك وتوفير المال والعتاد لشراء الضمائر والعقول، واستغلال الواقع العراقي المتسم بانعدام الأمن وفقدان الضروريات الأساسية للحياة من غذاء وماء ودواء... وهو ما يدفع بالمواطن العراقي المسلوب والمنهوك إلى البحث عن قشة نجاة قد يجدها لدى الطائفة أو العشيرة حتى وإن احتمت هذه الأخيرة بالاحتلال. لقد استغل الاحتلال تخبّط الغالبية العظمى من العراقيين في الفقر والاحتياج إلى جانب انعدام الأمن واتساع دائرة القتل الطائفي الممول امبرياليا وصهيونيا خاصة في المناطق المحيطة بالعاصمة بغداد، فقدّم السلاح والمال لرؤساء العشائر، الذين شكلوا ما يسمى بـ"مجاميع الصحوة"، لتتصدى للمقاومة تحت غطاء "التصدي للإرهاب" وتحديدا "تنظيم القاعدة". ويتقاضى كل منتدب لهذه المجاميع جراية شهرية مقدارها 300 دولار وهو مبلغ مغرٍ في بلد حوّله الاحتلال إلى بلد منكوب بعد أن كان مضرب الأمثال في التنمية مقارنة بدول المنطقة. وكلمــا ازداد عدد المنتمين إلى "مجموعة الصحوة" ازداد بالتالي دخل العشيرة من الدولارات الأمريكية المدفوعة من ثروات العراق النفطية المنهوبة من طرف مافيات الاحتلال. وهذا ما يفسر ارتفاع عدد المنتسبين إلى هذه المجاميع. فمع نهاية 2007 بلغ عدد هؤلاء 77 ألف نفرا موزعين على 186 جماعة تعمل بـ186 منطقة. وهكذا تـُوظف أموال العراق ليتقاتل أبناؤه في ما بينهم ضمانا لأمن المحتل الغاصب وعملائه.

وتوجد أغلب هذه المجاميع في مناطق المقاومة، أي "المحافظات" ذات الغالبية السنية، في حين لا نكاد نجد لها أثرا في المناطق التي تسيطر عليها المليشيات "الشيعية" (جنوب العراق) ولا في المناطق الخاضعة لسيطرة الأحزاب الرجعية الكردية (شمال العراق). وهذه المجاميع عشائرية، لا رابط تنظيميا بينها، بمعنى أن كل "مجموعة صحوة" تعمل بمعزل عن "الصحوة" الأخرى، ولا يتعدى مجال فعلها الجغرافي حدود منطقة العشيرة، ودورها دفاعي بالأساس، أي حراسة العشيرة ومراقبتها و"السهر على أمنها" وصد الهجمات التي تقوم بها المقاومة وخاصة تلك الهادفة إلى السيطرة الميدانية على المنطقة.

ومما ساعد على النجاح النسبي لهذه المجاميع هو السلوك الخاطئ المتبع من طرف بعض فصائل المقاومة في علاقة بسكان المحافظات، وخاصة ما يقوم به تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين" من سلوكيات طائفية شتت قوى المقاومة وخلقت شرخا بينها وبين عموم الشعب العراقي. فكما هو معلوم فقد أعلن هذا التنظيم عن قيام ما يسمى بـ"دولة العراق الإسلامية" وبدأ بإرغام المواطنين في المناطق التي سيطر عليها على اتباع سياسة معينة لا علاقة لها بالقضية الأم، أي مقاومة الاحتلال، بل بتطبيق فتاوى وشرائع تتعلق بحقوق المواطنين الأساسية مثل فرض ارتداء النقـاب وأداء الصلاة و"إقامة الحدود" والانتقام من كل من لا يؤدي "البيعة" لهذه الدولة المزعومة.

إن بعث هذه "المجاميع" من طرف الاحتلال هو دليل آخر على فشل مشروعه برمته. فقد لعب هذا الاحتلال منذ انتصابه على وتر الطائفية ومضى نحو تفتيت البلد إلى طوائف وعشائر ليخلق في نهاية المطاف بلد الميليشيات التي توسعت وتداخلت بحيث لم يعد من السهل التحكم فيها وضبط حدود تدخلها. وهذا ما نلاحظه اليوم إذ نجد صراعات دموية بين هذه "الصحوة" من جهة وبين الجيش والشرطة من جهة ثانية. وأحيانا يتم استهداف عناصر هذه "المجاميع" من طرف قوات الاحتلال وهو ما يعني أن الفوضى العارمة التي سعى الاحتلال إلى خلقها في العراق لم ترجع بالوبال على الشعب العراقي فحسب بل عليه هو أيضا.

ومع بداية العام الجديد بدأ المراقبون يتحدثون عن فشل مشروع "مجاميع الصحوة" بعد اغتيال أهم قادتها وعدم قدرة الاحتلال لا على حمايتها ولا على ضبط مهامها. وهذا ما يفسر إلى حد ما عودة الاحتلال إلى القمع الأعمى والتدمير الواسع والشامل من خلال استعمال أسلحة إستراتيجية مثل القاذفات العملاقة "ب وان" B1 التي بإمكانها إلقاء آلاف الأطنان من المتفجرات في وقت قياسي وخلق زلزال حقيقي في المناطق السكنية، بعد أن أصبحت المروحيات وقاذفات الـF16 هدفا في متناول صواريخ المقاومة.
ولا خيار أمام المقاومة العراقية سوى توحيد الصفوف وجعل القضية الأم، أي مقاومة الاحتلال وطرده من العراق، في صدارة الأولويات، والابتعاد عن النزعات الطائفية والقرارات الأحادية الجانب التي تفرّق ولا توحّد ولا تخدم في نهاية المطاف سوى أهداف المحتل. وتحقيق هذا الهدف ليس أمرا سهلا بالنظر إلى واقع المقاومة في العراق الذي تسيطر عليه الحركات الأصولية التي أثبت الواقع أنها وإن نجحت في تحقيق انتصارات عسكرية ميدانية فإنها فشلت في توحيد صفوف المقاومة ولفّ الشعب العراقي بكل طوائفه وأطيافه حولها. وهو ما يطرح على القوى التقدمية العراقية الانخراط بشكل أكثر فعالية في المقاومة المسلحة و افتكاك المبادرة وقيادة الشعب العراقي نحو دحر الاحتلال وإقامة مجتمع ديمقراطي على أنقاضه.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني