الصفحة الأساسية > بديل الشباب > أسباب التراجع وتأثيرها في مسار التوحيد
الاتحاد يتراجع في انتخابات المجالس العلمية:
أسباب التراجع وتأثيرها في مسار التوحيد
كانون الثاني (يناير) 2008

لم تكن مشاركة الاتحاد العام لطلبة تونس، وخاصة مناضلو المؤتمر الموحد وأنصاره، في معركة انتخابات ممثلي الطلبة في المجالس العلمية بنفس الحماسة والروح الانتصارية والعقلية التوحيدية التي قادته في السنة الفارطة، والتي مكنته من مضاعفة عدد المقاعد المتحصل عليها (107 مقعد) مقارنة بالسنوات الفارطة (34 سنة 2004 و57 سنة 2005) ناهيك عن الفوز لأول مرة في تاريخ هذه الانتخابات بمقاعد المجلس العلمي للجامعات، وهو ما أدى إلى تقلص عدد المقاعد المتحصل عليها وإلى مزيد تراجع نسبة المشاركة الطلابية في هذه الانتخابات. ويعود ذلك إلى عدة عوامل:

فعلى الصعيد الموضوعي، واصلت السلطة سياسة التفرد بالقرار في علاقة بتحديد موعد الانتخابات، حيث اختارت تعيينه مرة أخرى في آخر أسبوع قبل العطلة (13 ديسمبر) وهو ما قلص من نسبة مشاركة الطلاب، خاصة طلبة المرحلة الثالثة، بما أن هذه الانتخابات تزامنت مع موعد مناظرة الكاباس وعودة الطلاب إلى مقرات سكناهم بمناسبة العطلة وعيد الأضحى.

كما أن تكثيف الحصار المضروب على الاتحاد في الفترة الأخيرة، والذي عرف تصعيدا خطيرا، جعل مشاركة الاتحاد في بعض الجهات يكون شبه منعدم، وذلك نتيجة التضييقات الأمنية المفروضة على المناضلين. حيث يعد الاتحاد خلال السنة الجامعية 2006/2007 عشرات الإيقافات الوقتية و5 محاكمات وأكثر من 25 قرار طرد من مقاعد الدراسة لمناضليه بقرارات مجالس/محاكم التأديب، كل هذا دون اعتبار المناضلين المحالين على هذه المجالس والموقوفين بمناسبة مشاركتهم باسم الاتحاد في هذه الانتخابات، مما أدى إلى انعدام مشاركة الاتحاد في جهة المهدية ونابل وبعض كليات قابس وقفصة وهي مواقع تمكّن الاتحاد من الفوز فيها في السنة الفارطة. كل هذا ينضاف إليه اختلال موازين القوى المادية بين الاتحاد والطرف الرئيسي المتصارع معه ألا وهو طلبة الحزب الحاكم. ففي حين أسندت كل إمكانيات الدعم المادي والإداري والإعلامي لهؤلاء، كانت الحملة الدعائية للاتحاد ممولة من مساهمات مناضليه وأنصاره، بعد امتناع الوزارة عن تمكين الاتحاد من مستحقاته المادية.

وما زاد الوضع تأزما مواصلة طلبة الفاشية حملة الاعتداءات والترهيب المعنوي والمادي على مناضلي الاتحاد، خاصة بالجهات، فبعد أحداث كلية الآداب بصفاقس وأحداث المركب الجامعي بنابل (والتي قام فيها طلبة الحزب الحاكم، مدعومين بميليشيات مسلحة بالهراوات والسلاسل، بمحاصرة مناضلي الاتحاد والاعتداء عليهم في مرة أولى بالمطعم الجامعي ثم أمام كليات المركب الجامعي بنابل) قام هؤلاء يوم الانتخابات داخل كلية الحقوق بالمركب الجامعي بتونس بتعنيف مناضلي الاتحاد مستعملين السكاكين والغاز المشل للحركة، قبل أن ينسحبوا في اتجاه المعهد العالي للإنسانيات "ابن شرف" ليرابطوا هناك محاصرين مناضلي الاتحاد طيلة اليوم. هذا إضافة للمواجهات الدامية خاصة بكلية العلوم بقفصة.

أما على المستوى الذاتي: فقد طرحت بعض المكونات المشاركة في مشروع المؤتمر الموحد جدلا ونقاشا مفاجئا خلال أيام تقديم الترشحات تمحور حول كيفية التعامل مع هذه المحطة. حيث اقترحت مقاطعة الانتخابات كرد سياسي على انفراد الوزارة بالقرار واحتجاجا على الحصار المضروب على الاتحاد وعلى مناضليه واحتجاجا على مزيد تهميش دور المجالس العلمية، في حين تمسكت باقي المكونات بموقف المشاركة رافعة شعار "لا للمقاطعة، لا لإهداء مقاعد المجالس العلمية لطلبة الحزب الحاكم" باعتبار وأن إخلاء مقاعد المجالس العلمية هو تنازل عنها للحزب الحاكم وأن كل مقعد مفرغ هو بالضرورة مقعد "تجمعي دستوري". ودعت هذه المكونات إلى استغلال هذه المحطة للتشهير بالبرامــــج المسقطة للوزارة على الجامعة والطلبــة بالقرارات الارتجالية والمنفردة التي لازالت تتبعها سلط الإشراف.

وعموما، ورغم ثراء هذا النقاش، إلا أن توقيت طرحه أحدث بلبلة في صفوف مناضلي الاتحاد مما جعل بعض المناضلين يمتنعون عن تقديم ترشحاتهم قبل توحيد الموقف من المشاركة أو المقاطعة داخل "اللجنة الوطنية من أجل المؤتمر الموحد". وهو ما أدى إلى تجاوز الآجال القانونية لتقديم ترشحات ممثلي الاتحاد في بعض الكليات.

ورغم صدور موقف موحد بالمشاركة في الانتخابات، إلا أن أداء مناضلي الأطراف التي دعت إلى المقاطعة أو المشاركة الاحتجاجية كان باهتا ودون المطلوب، حيث لم يقم بعضهم بالتصويت أصلا واكتفى أغلبهم بالدعم اللفظي لقائمات الاتحاد، وقام البعض الآخر بتهشيم صناديق الاقتراع وإيقاف العملية الانتخابية في بعض الكليات، حتى التي تعوّد الاتحاد الفوز فيها (الحقوق والاقتصاد والعلوم بالمركب الجامعي بتونس والعلوم والاقتصاد ببنزرت)، مبررين ذلك بالاحتجاج على تعنت الوزارة ولا مبالاتها بقضايا الطلاب واحتجاجا على العنف الذي مارسه طلبة الحزب الحاكم.

وإذا ما بحثنا في الاختلافات الحاصلة حول المشاركة في الانتخابات مع المكونات التي مازالت تسبح خارج المشروع التوحيدي للاتحاد، فإننا نجد إصرار معظم هذه المكونات على عدم توحيد القائمات في مواجهة العدو الرئيسي (ألا وهو طلبة الحزب الحاكم) وانطبعت مواقفها إما بالازدواجية في الممارسة أو بالانفعال واللامسؤولية والإصرار على تصفية الخلافات الداخلية بين "الرفاق الأعداء" في هذه المحطة. كل هذا أدى إلى خسارة بعض المواقع التي تعوّد الاتحاد على الفوز فيها. فقد أدى مثلا استنزاف المناضلين وإلهائهم بالنقاشات المتعلقة بتوحيد القائمات في كل من آداب القيروان وحقوق أريانة ولغات تونس إلى عدم التركيز على الحملة الدعائية والتفرغ لمواجهة الخصم الرئيسي في هذه الانتخابات. كما أدى إصرار بعض المكونات في معهد الصحافة مثلا ولغات تونس وآداب صفاقس أيضا على تقديم قائمات موازية، سواء باسم الاتحاد أو في شكل ترشحات فردية أو بقائمات مستقلة، على فقدان مواقع تقليدية فيها. ورغم تقديم كل التنازلات الممكنة والموجعة أحيانا لهؤلاء على حساب المشروع التوحيدي كي يقع توحيد القائمات، فإن بعض هذه المكونات تميزت ممارستها بالانتهازية والازدواجية المفضوحة من جزء إلى جزء، ففي آداب سوسة وحّد أنصار المؤتمر الاستثنائي القائمات مع أنصار المؤتمر الموحد، في حين رفضوا ذلك في كل من آداب منوبة ولغات وحقوق تونس. كما رفض مناضلو الشباب البعثي توحيد القائمات في معهد الصحافة، رغم القائمات الموحدة في كل من آداب صفاقس (قبل أن يتبرؤوا من انتمائهم لقائمة الاتحاد والميل لقائمة "المناضلين القاعديين" المستقلة بعد صدور نتائج الانتخابات) وآداب منوبة ولغات تونس. ولم يشذ عن هذه القاعدة إلا مناضلو الحزب الاشتراكي اليساري حيث قبلوا بتوحيد القائمات رغم الخلاف الحاصل معهم حول المؤتمر الموحد.

ورغم التراجع الواضح في عدد المقاعد المتحصل عليها في هذه الانتخابات، إلا أن هذا التراجع لم يصل أبدا إلى المستوى الذي كانت عليه الأرقام والإحصائيات زمن ما قبل انبعاث المشروع التوحيدي. فرغم أن هذا المشروع مازال في بداية خطواته الأولى ورغم التعثر الذي يطبع تجسيد الخطوات الحاسمة فيه ورغم تصاعد القمع والتضييق الأمني الذي رافق المشروع التوحيدي لهياكل ومناضلي وبرنامج عمل الاتحاد، فإن كل ذلك لم يمكن من إيقاف أو تعطيل مواصلة النقاش حول مداخل توحيد المنظمة. بل أثبت قدرة ونضج الأطراف المهندسة للمشروع في التعامل مع الاختلافات، من أجل فضها بعقلية موحدة.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني