الصفحة الأساسية > البديل النقابي > "الأساتذة المطرودون عمدا" يعلـّقون إضرابهم
بعد 40 يوما من الإضراب عن الطعام:
"الأساتذة المطرودون عمدا" يعلـّقون إضرابهم
كانون الثاني (يناير) 2008

علّق الأساتذة علي الجلولي ومحمد المومني ومعز الزغلامي يوم 28 ديسمبر 2007 إضرابهم عن الطعام الذي كانوا بدأوه قبل 39 يوما، احتجاجا على طردهم التعسفي من العمل. وجاء هذا التعليق بناء على طلب النقابة العامة للتعليم الثانوي وقيادة المركزية النقابية اللتين تعهدتا بمواصلة التحرك من أجل تحقيق مطلبهم في العودة إلى سالف عملهم. وفي هذا الشأن فإن الهيئة الإدارية للتعليم الثانوي التي كانت مجتمعة يوم تعليق الإضراب عن الطعام قررت إضرابا عن العمل طيلة يومي 16و17 جانفي لحمل وزارة الإشراف على التراجع عن قراراتها المتعلقة بهؤلاء الأساتذة المطرودين وبـ97 أستاذا نقلوا من مراكز عملهم لأسباب نقابية إلخ.

نظام استبدادي

وما من شك في أن هذا الإضراب عن الطعام الذي لقي تضامنا هاما في الأوساط النقابية وخارجها، ساهم مرة أخرى في كشف مساوئ نظام بن علي السياسي والاجتماعي. فالشغل في عرف هذا النظام ليس حقـّا وإنما هو امتياز يتمتع به الموالون للسلطة ولـ"التجمّع"، أو من يقدر على تقديم رشوة لهذا المسؤول أو ذاك أو لفرد من افراد العائلة الحاكمة أو المقربين إليها. وأما من كان مستقلا أو معارضا فهو محكوم عليه بالبطالة والجوع، مهما كانت كفاءته العلمية والمهنية. فعلى الجلولي ومحمد المومني ومعز الزغلامي، لا تنقصهم لا الكفاءة العلمية ولا المقدرة المهنية، وإنما ذنبهم الوحيد أنهم ساهموا في إضراب القطاع في السنة الدراسية الماضية. كما أن من بينهم من حوكم سابقا من أجل آرائه السياسية أو من هو معروف في تقارير البوليس السياسي بانتمائه لهذا التيار المعارض أو ذاك.

ومن جهة أخرى فقد بين تجاهل السلطة للمضربين طوال 39 يوما، وصلت فيها حالتهم الصحية إلى درجة خطيرة، بشهادة الأطباء، مدى صلف القائمين على هذه السلطة من رئيس ووزراء. فقد أظهروا احتقارا شديدا لحياة ثلاثة من أبناء هذه البلاد، وتصرفوا ولسان حالهم يقول: " فليموتوا..". وهذا السلوك يؤكد الطابع الفاشستي واللاإنساني، لنظام بن علي. ففي أي بلد من بلدان العالم التي توجد بها سلطة ديمقراطية، منتخبة انتخابا حرا ويحاسب فيها المسؤولون، رئيسا ووزراء، عن أعمالهم، لا مكان لمثل هذا السلوك. فالحكومات تبادر مباشرة بالتفاوض مع المعنيين وتنظر في مطالبهم، والصحافة تنقل وجهة نظرهم إلى الرأي العام، وإذا لزم الأمر فإن القضاء ينظر بسرعة في مشروعية تلك المطالب ويتخذ فيها القرار اللازم ويلزم السلطة التنفيذية بتطبيقه. أما في بلادنا حيث نظام الحكم لا علاقة له بالشعب، وحيث هو مفروض عليه عن طريق التزوير الانتخابي وبقوة البوليس الغاشمة، فإن اللامبالاة ولاستهتار بحياة المواطنين والقمع البوليسي هي الرد الوحيد لهذا النظام على المطالب المشروعة للمواطنين. ولا يمكن للمرء أن ينسى كيف حاصر البوليس السياسي طيلة أيام الإضراب ساحة محمد علي بالعاصمة واعتدى أكثر من مرة على النقابيين وكيف أطلقت السلطة ّكلاب حراستها" من الصحفيين المأجورين العاملين في بعض صحف العار أمثال "الصريح" كي يسبوا ويشتموا المضربين عن الطعام ويستهتروا بصحتهم وحياتهم ويكذبوا على الرأي العام.

أما الجانب الآخر الذي أظهره هذا الإضراب فهو استفحال عجز نظام بن علي عن إيجاد الحلول لمعضلة بطالة أصحاب الشهائد العليا خاصة والبطالة عامة. فوضعية علي الجلولي ومحمد المومني ومعز الزغلامي ما هي إلا عينة من وضع عام. في كل سنة يتخرج من الجامعات التونسية عشرات الآلاف من الطلبة حاملين شهادات عليا ليجد معظمهم أنفسهم في حالة بطالة يبحثون عن شغل يعسر الحصول عليه، فتتبخر آمالهم في الاستقرار الاجتماعي وفي بناء المستقبل، فلا يجدون مفرّا من البحث عن أعمال هامشية أو محاولة الهروب من البلاد خلسة، معرضين حياتهم للخطر (الحرقان) أو قضاء أوقاتهم في التسكع مثقلين كاهل عائلاتهم المحتاجة إلى العون، وهو ما يفند الدعاية الرسمية حول "المعجزة الاقتصادية التونسية" و"إنجازات بن علي" إذ لا معنى لمعجزة أو إنجاز لا يوفـّر أوّلا وقبل كل شيء الشـّغل والخبز لكل مواطن.

حركة نقابية محدودة

ولكن الإضراب عن الطعام الذي خاضه الجلولي والمومني والزغلامي، لم يُعَرِّ مساوئ نظام بن علي فحسب، لكنه بين من جهة أخرى حدود الحركة النقابية في تونس. فقد تساءل العديد من النقابيين الذين كانوا يزورون المضربين، ويجتمعون بجوارهم في حلقات نقاش: كيف تعجز منظمة نقابية بحجم الاتحاد العام التونسي للشغل عن إرجاع ثلاثة أساتذة مطرودين تعسفا، إلى شغلهم فيضطرون إلى الإضراب عن الطعام ووضع حياتهم في الميزان؟ وأجاب النقابيون أنفسهم عن هذا السؤال. فالمشكل يكمن في القيادات النقابية التي لم تجعل من مسألة الشغل (الطرد الجماعي للعمال، ضرب مبدأ الشغل القار، تشجيع أشكال العمل الهشة...) قضية وطنية ولم تعبئ حولها جماهير العمال، بل على العكس من ذلك انخرطت في مشاريع السلطة الاقتصادية والاجتماعية المخرّبة للنسيج الاقتصادي (خوصصة...) والمولّدة للبطالة وتصدت لنضالات العمال والأجراء، وهو ما أدى شيئا فشيئا إلى تراجع النضال النقابي ولجوء العمال والأجراء إلى الحلول الفردية بما فيها الإضراب عن الطعام (عمال "إيكاب" بالمكنين وغيرهم) للدفاع عن حقوقهم دون أن يجدوا السند اللازم من المركزية النقابية.

ولقد وجدت النقابة العامة للتعليم الثانوي نفسها خلال الإضراب الأخير عن الطعام الأخير بين سندان السلطة ومطرقة المكتب التنفيذي. الأولى تتجاهل وتشوه وتهدد والثاني يضغط من أجل ثني المضربين عن المواصلة، ناهيك أن المسؤول عن النظام الداخلي، في القيادة النقابية، السيد علي رمضان وجه مكتوبا إلى النقابة العامة يشترط فيه الترخيص بعقد الهيئة الإدارية للقطاع بإيقاف الإضراب عن الطعام، وبعد أخذ وردّ قبـِل المكتب التنفيذي السماح بانعقادها على أن تكون النقطة الأولى في جدول أعمالها وقف الإضراب وتبليغ ذلك للمضربين قبل مواصلة الأشغال.

ولقد مر الآن ما يزيد عن الأسبوع عن تعليق الإضراب عن الطعام ولا وجود لمؤشرات لمفاوضات جدية حول إرجاع الأساتذة الثلاثة. وستتولى الأيام القادمة الكشف عن مدى جدية تعهدات المكتب التنفيذي، فالإضراب الوطني يومي 16و17 جانفي لا يفصلنا عنه سوى أيام معدودات، فهل سيسند المكتب التنفيذي القطاع ويتحمل مسؤوليته في الدفاع عن منظوريه أم أنه سيلجأ كالمعتاد إلى المناورة مطالبا النقابة العامة بـ"التأجيل" بدعوى أنه ثمة "بوادر تفاوض"؟



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني