الصفحة الأساسية > البديل الوطني > التحرّكات الاحتجاجيّة بالمناطق المنجميّة تبرز التـّدهور الاجتماعي بالجهة (...)
احتجاجات العاطلين عن العمل بجهة قفصة:
التحرّكات الاحتجاجيّة بالمناطق المنجميّة تبرز التـّدهور الاجتماعي بالجهة وبالبلاد
13 كانون الثاني (يناير) 2008

تشهد المناطق المنجمية بولاية قفصة (الرديف، أم العرائس، المظيلة...) منذ أواخر الأسبوع الماضي تحركات جماهيرية احتجاجية (مسيرات، اعتصامات، إضرابات عن الطعام...). وقد انطلقت هذه التحركات إثر إعلان نتائج الانتدابات بشركة فسفاط قفصة الذي تأخر عن موعده 5 أو 6 أشهر. وتميزت هذه النتائج في نظر المحتجين أولا بهزالها إذ أن عدد المنتدبين جاء دون المأمول بكثير خصوصا بالنسبة إلى الكوادر اعتبارا لحاجات الشركة المعنية ولكثرة عدد المعطلين في الجهة. وثانيا: بالمحسوبية التي طبعت الانتدابات التي اعتبر المحتجون أنه وقع التلاعب بها وأنها لم تخضع لمعايير موضوعية بل لمعيار "الأكتاف" و"الرشوة" (اقتسام الانتدابات بين النقابة والعروش والسلطة...).

وقد سعت السلطة بكل الوسائل إلى التعتيم على هذه الأحداث والسكوت عليها بالكامل في وسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، والهدف من ذلك واضح وهو الخوف من "العدوى" أي توسّع الأحداث إلى الجهات الأخرى لأن الأسباب التي فجرت الغضب في المناطق المنجمية بقفصة أي البطالة والمحسوبية، قائمة في كامل أنحاء البلاد مما يجعل من الممكن انفجار الوضع الاجتماعي العام.

ومن المعلوم أن جهة قفصة ما انفكت تشهد منذ سنوات تحركات للمعطلين عن العمل. فهذه الجهة هي من أكثر الجهات تضررا من البطالة المتفاقمة في بلادنا، خصوصا في عهد بن علي، والتي يمثل الشباب ضحيتها الأساسية. ويعود سبب ذلك إلى إهمال السلطة لهذه الجهة ولغيرها من الجهات الفقيرة في الجنوب الغربي والوسط الغربي والشمال الغربي، وتوجيه الاستثمارات إلى المناطق الساحلية خصوصا لأسباب سياسية أو بحثا عن الأرباح السريعة في مشاريع هشة (سياحة...). كما يعود ذلك أيضا إلى تراجع الدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة التي ما انفكت ترهن مستقبل البلاد بين أيدي حفنة من السماسرة المحليين والأجانب الذين استولوا على مفاصل الاقتصاد عن طريق الخوصصة.

إن البطالة التي تضرب قفصة، وشبابها بالخصوص، كما تضرب غيرها من المناطق المتروكة بشكل خاص والبلاد بشكل عام، ليست قدرا محتوما، بل هي نتيجة منطقية لسياسة نظام بن علي الاقتصادية والاجتماعية، هذه السياسة الرأسمالية، المتوحشة والتابعة، المملاة من الخارج، من المؤسسات المالية الدولية (البنك العالمي، صندوق النقد الدولي...) والبلدان الامبريالية الكبرى، والتي لا تهدف إلى تنمية البلاد وتلبية حاجات شعبها بل إلى نهبها، وتكديس الأرباح على حساب أبنائها وبناتها، وهو ما يفسر تفاقم البطالة وهشاشة الشغل (انتشار أشكال العمل الهش كالعمل بعقود وقتية، والمناولة على حساب العمل القار...) وتحوله إلى امتياز.

في هذا الوضع لم تعد الشهادة العلمية كافية وحدها للظفر بشغل، فالشباب يواجه معضلتين: الأولى، معضلة القمع السياسي، إذ أن الانتداب لوظيفة معينة يمرّ عبر البوليس السياسي و"الشعبة"، ويكفي أن يكون طالب الشغل معارضا أو مستقلا حتى يُشطب اسمه من قائمة الفائزين في هذه المناظرة أو تلك إذ لا حق في الشغل إلا للموالين للنظام. أما المعضلة الثانية فهي معضلة الرشوة. فالقاصي والداني يعرف اليوم أن النجاح في مناظرة معينة يقتضي دفع رشوة لهذا المسؤول أو ذاك أو لأحد المقربين من أفراد العائلة الحاكمة الذين حوّلوا التوسط لقضاء "حاجات الناس" إلى وسيلة من وسائل جمع المال، وهو ما زاد في انتشار ظاهرة الفساد وتعمّقها.

وما من شك في أن معالجة البطالة التي تنخر مجتمعنا وتحكم على مئات الآلاف من الشبان والشابات باليأس والإحباط، تتطلب تغييرا جذريا في السياسة الاقتصادية والاجتماعية المتبعة حتى يتوجه الاستثمار إلى تنمية القطاعات الأساسية المنتجة وتلبية الحاجات التنموية لكل جهة وخاصة الجهات المتروكة، حسب خصائصها وإمكاناتها، وخدمة مصالح الطبقات والفئات الشعبية، وهو ما من شأنه أن يخلق فرصا كثيرة للتشغيل بل يقضي على البطالة من جذورها، وهو ما يعجز عنه نظام بن علي، بل ما لا يريده أو يرغب فيه، لأنه نظام يمثل مصالح الأقلية الثرية، لا مصالح العمال والكادحين والفقراء، كما يمثل مصالح الشركات والدول الأجنبية، لا مصالح تونس الوطنية، لذلك فإنه من الوهم تصوّر معالجة جذرية للبطالة في ظله، وفي ظل الخيارات الرأسمالية التابعة بشكل عام، وليس أدلّ على ذلك من أن البطالة ظلت على مدى عقود، ومنذ عهد بورقيبة، مرتفعة، متراوحة، حسب الأرقام الرسمية بين 14 و16 بالمائة. وإذا كان تحقيق هذا الهدف يتطلب من العمال ومن الشباب المعطل عن العمل تنظيم صفوفهم والانخراط في النضال ضد الدكتاتورية القائمة، للتخلص منها ومن الرأسمالية التابعة والمتوحشة، فإنه يطرح عليهم بصفة مباشرة التصدي لسياسة الخوصصة والطرد الجماعي واعتماد الولاء السياسي و"الأكتاف" والرشوة في الانتدابات، و"الجهويات" في توجيه الاستثمارات، كما يطرح ضرورة المطالبة بمنحة بطالة للمعطلين عن العمل وتمكينهم من الخدمات الاجتماعية مجانا (علاج، نقل...) والتدخل مباشرة في جهة قفصة لبعث مشاريع حكومية جدية ودائمة لمواجهة قضية التشغيل بالجهة واعتماد الشفافية في الانتدابات في شركة الفسفاط، ووضع حدّ لظاهرة "المحاصصة" القائمة على الولاءات السياسية والعروشية. إن حزب العمال يساند التحركات الاحتجاجية في المناطق المنجمية بقفصة والمطالب التي يرفعها المحتجون لأنها مطالب مشروعة ويحمّل نظام الحكم تردّي الأوضاع الاجتماعية بالجهة، وإمعانه في تجاهل هذا الواقع واعتماد القمع أسلوبا لرد على مطالب المعطلين والعمال والأجراء، في الوقت الذي يتراكم فيه الثراء غير المشروع في الطرف الآخر من السلم الاجتماعي، عن طريق النهب واستغلال النفوذ.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني