الصفحة الأساسية > البديل النقابي > قراءة في واقع قطاع التّعليم الأساسي
قراءة في واقع قطاع التّعليم الأساسي
9 حزيران (يونيو) 2007

بقلم : معلّم نقابي قاعدي

تونس في 09 جوان 2007

1 – تذكير بالمطالب ومواقف مختلف الأطراف

منذ ما يقارب الشهرين، أي منذ إضراب 11 أفريل 2007 لقطاع التعليم الأساسي حول مطالبه المعروفة : احترام الحق النقابي – منحة تقدّر براتب شهري للعودة المدرسية تصرف نقدا في مفتتح كلّ سنة دراسية – تحديد ساعات عمل معلمي التطبيق والتطبيق الأول بـ20 ساعة أسبوعيا- إنجاز حركتي المعلمين والمديرين لهذه السنة مثلما هو معمول به سابقا مع تشريك الطرف النقابي في كل مراحلها جهويا ووطنيا – احترام ما وقع الاتفاق بشأنه في خصوص المدارس الريفية – تسوية وضعية كافة النواب الذين تتوفر فيهم شروط اتفاقية 01 نوفمبر 2006 – احترام القانون الأساسي عند الانتداب وإعطاء الأولوية لبقية النواب – إلغاء مجالس المؤسسة الحالية وفتح تفاوض جدّي حولها مع الطرف النقابي، تمّت إثر هذا الإضراب الموافقة على منحة العودة المدرسيّة بتدخّل من الأمين العام لإتحاد الشّغل في علاقة بأعلى هرم السّلطة لقطاعي الثانوي والابتدائي، وقدّرت هذه المنحة بـ180د تصرف على 3 دفعات مرّة كلّ بداية سنة دراسيّة ابتداء من سبتمبر 2007 : 60د – 120د – 180د وتستقرّ في هذه القيمة.

أمّا فيما يخصّ حركة نقل مدرّسي التعليم الأساسي فقد وقع الاتفاق بتاريخ 01 نوفمبر 2006 على التفاوض بين الطّرفين الوزاري والنّقابي على مقاييس تراعي مصلحة المدرّس والتوازنات البيداغوجية والتلميذ، وغنيّ عن البيان أنّ مصلحة المدرسة والتلميذ تمرّ حتما عبر مصلحة المعلّم.

الوزارة والحكومة (تدخّل كلّ من وزارة التربية، ووزارة الشؤون الاجتماعية، والرئاسة في التفاوض) وافقتا على منحة العودة المدرسية مع محاولة الالتفاف على حركة المعلمين وإفراغها من محتواها، وقدّمت وزارة التربية تصوّرات تقصي الطرف النقابي من المشاركة الفعّالة في مختلف مراحل الحركة مثلما كان معمولا به في الحركات السّابقة (إحصاء المراكز الشاغرة – إخراجها في كتيّب للتناظر حولها – إنجاز الحركة – مراقبة نتائجها وإصلاح الأخطاء إن وجدت كلّ ذلك في نطاق الشفافية والوضوح)، وغيّرت المقاييس المتعارف عليها من جانب واحد بحيث أنّ عدد المراكز التي سيقع حولها التناظر يصبح ضئيلا جدّا (مفهوم المركز الشاغر حسب تعريف الوزارة : مركز المتقاعد والمتوفي ومن بعد أضيف مركز العازب الذي تحصّل عليه خارج حركة نظامية).

إنّ الوزارة تدّعي أنّها تحافظ على مراكز المعلّمين الوقتيّين حتى تحقق الاستقرار البيداغوجي للمدارس، والعائلي للمعلمين وتتجنب ظاهرة الزائدين عن النصاب.

هذا كلام للتسويق أما الحقيقة فهي مغايرة :

إنّ الوزارة بإخراجها لهذا العدد القليل جدّا من المراكز تقضي على حركة المعلمين التي تعتبر مكسبا وطنيا، شفافا، عادلا وديمقراطيا يتحصل المعلم بموجب الحركة النظامية على مركزه باستحقاق ويكون ساعتها في مأمن من تقلبات الإدارة، عام هنا وآخر هناك.

إنّ الوزارة بتحكّمها في الحركة وإقصاء نقابة المعلمين منها (دور النقابة بالنسبة لوزارة التربية هو التثبت في نتائج الحركة وليس الشراكة الفعلية في مختلف مراحلها) تهدف إلى ضرب النقابة وعزلها عن المعلمين، وجعل سيف الحركة مسلطا على رقابهم مثلما يحصل للسادة القضاة بغية تمرير مشاريعها اللاشعبية واللاوطنية : تثبيت مجالس المؤسسة سيئة الذكر – ضرب ما تبقى من التعليم العمومي – بيع المدرسة العمومية والتفويت فيها للخواص تطبيقا لملاءات الدوائر المالية العالمية التي ارتهنت إليها بلادنا تحت القيادة الرشيدة لنظام السابع، والقاضية بالتخلص من الأعباء الاجتماعية للدّولة... ويا ويل من يرفع رأسه.

كلمة حول الزائدين عن النصاب :

هذه كذبة كبرى لعدّة أسباب نذكر منها عل سبيل المثال لا الحصر:
- كلّ مفتتح سنة دراسيّة يكثر الضّجيج حول ما يسمّى بالزّائدين عن النّصاب، ولكن فيما بعد نسمع بأنّ الوزارة انتدبت معلّمين جددا مثلما يحصل في تونس الكبرى.
لنسأل السيد وزير التربية والتكوين كم انتدب من معلم من قريته "خنيس"؟ (وهذا ملف آخر ملف المحاباة والرّشوة وكل ما هو قذر، مع أننا نؤيّد حق كل التونسيين في الشغل والحرية والكرامة الوطنية).
أيجوز أن يكون لدى الوزارة زائدون عن النصاب وتنتدب في نفس الوقت؟
إنّ المسألة وما فيها هي تعمّد وزارة التربية والتكوين الضغط على قانون الإطار في بداية كلّ سنة دراسيّة فيكثر الحديث عن المئات من الزائدين عن النصاب ثمّ تفتح الأقسام وتسوّى الوضعيات باتفاق مع النقابات.
- تقول الوزارة بأنّ عدد الأطفال الذين هم في سنّ التمدرس في تناقص وهذا طبيعي باعتباره ناتجا عن سياسة التنظيم العائلي التي اتبعتها الدولة التونسية منذ 56 إلى يومنا هذا، نسمع الخطب، ونقرأ التنظيرات حول المقاربة بالكفايات وضرورة ألا يتجاوز عدد التلاميذ بالفصل الواحد 25، "تسمع جعجعة ولا ترى طحينا".
لنفرض جدلا أنّ ما تروّجه الوزارة حول الزّائدين عن النصاب صحيح، ألا يمكن توظيف العامل الديمغرافي في تجويد عملية التعلّم والالتزام بالمقاربة بالكفايات فعلا لا قولا، وبالتالي التخفيف من الاكتظاظ أينما وجد واستيعاب الزائدين عن النصاب إن كانوا موجودين حقيقة لا خيالا.
لا يستغرب أيّ عاقل هذا الكلام من وزارة كوزارتنا تعوّدت على الكذب (تصريح الوزير لوسائل الإعلام بأنه مكّن المعلمين من كلّ الوسائل التي يستحقونها منذ بداية السنة) والارتجال (المناشير الثلاثة بخصوص السنة الرابعة أساسي خير دليل على ما نقول).
- عدم إصدار القائمة النهائية للنواب الذين سيقع انتدابهم (قدّمت نقابتنا العامة قائمة في الاعتراضات استنادا إلى اتفاق 01 نوفمبر 2006 وتمّ الوعد بدراستها في لجنة مشتركة حالة بحالة، ولكن لم يقع شيء من هذا).
- أمّا الحقّ النقابي فلا حديث عنه إنه من المحرّمات في ظلّ دولة القانون والمؤسّسات.
* ولمّا تعنتت الوزارة وتمسّكت برؤيتها حول الحركة، قام قطاع التعليم الأساسي بتنفيذ إضراب ثان بتاريخ 29 ماي 2007 للدّفاع عن حركة المعلمين كمكسب تاريخي (قبل وبعد 56)، ورفضت سلطات القرار في قطاع الأساسي (النقابة العامة والهيئة الإدارية) الإمضاء على اتفاق هزيل تكون حركة المدرّسين مستثناة منه.

هذه بسطة لفهم ماهية مطالب قطاع التعليم الأساسي ومواقف مختلف الأطراف منها، لكن هات نلق نظرة حول خلفيّات أطراف الصراع : (الوزارة – المكتب التنفيذي لإتحاد الشغل – النقابة العامة للتعليم الأساسي - ممثلو الجهات في الهيئة الإدارية – المعلمون).


2 - خلفيّات أطراف الصّراع :

أ – الوزارة : توخّت سياسة التمطيط في التفاوض والمماطلة والانقلاب حتى على مواقفها ووعودها :
- موافقتها قبل إضراب 11 / 04 / 2007 على المطالب المتفق عليها بما فيها الحركة (تركها كما هي هذه السنة والتفاوض فيها لاحقا)، وطلبها الإمضاء على اتفاق في الغرض باستثناء منحة العودة المدرسية.
- بعد إضراب 11 / 04 / 2007 تراجعت الوزارة وطلبت الإمضاء على اتفاق يمكّن المعلمين من منحة عودة مدرسية مقدّرة بـ180د على 3 دفعات في بداية كلّ سنة دراسية (60 – 120 – 180) مع استثناء حركة المعلمين بمقاييسها المعتادة.
- ممارسة سلوكات غريبة على قطاع التعليم الأساسي: برقيّات تهنئة لغير المضربين – منطق تخوين المعلمين المضربين في بعض الجهات والحملات المقرفة التي تشنها صحافة العار – غلق الإدارات الجهوية أمام المعلمين وطلب الاستظهار ببطاقة التعريف عند الدخول – التهجّم على بعض أعضاء النقابة العامّة واستهدافهم – تقديم بعض المقترحات حول الحركة أثناء جلسة تفاوض ليقع التنصّل منها والتراجع عنها في جلسة لاحقة.

ب – المكتب التّنفيذي : المشاركون في عمليّة التفاوض في علاقة بقطاع التعليم الأساسي هم 3 أعضاء على رأسهم المسؤول على النظام الداخلي.
- التخلي عن تشريك النقابة العامّة في بعض المحطات التفاوضية وذهاب بعض أعضاء المكتب التنفيذي عوضا عنها – عدم مشاركة من يمثل النقابة العامة للتعليم الأساسي في الملفّ التلفزيوني أثناء المناظرة مع الوزير إذ كان بالإمكان فرض هذا الأمر أو رفض الدّعوة، هذا لا يعدّ استنقاصا من السيد "المنصف الزّاهي" ولكنها مسألة اعتبارية في علاقة بقطاعنا، إذ أننا نعلم مسبقا أنّ مناظرات آخر لحظة رتبها الوزير كما شاء ظنا منه – وهو خاطئ – أنه بإمكانه التأثير على درجة التعبئة في صفوف المعلمين، ولعب فيها المقصّ بحرّية لن تزيد مدرّسي الأساسي إلا إصرارا على إنجاح إضرابهم والتمسّك بمطالبهم حتى تحقيقها.
إنّ النقابة العامة للتعليم الأساسي هي الناطق الرسمي باسم كافة المعلمين، وهي منتخبة في مؤتمر ديمقراطي، وهي التي تقرّر من ترسل من أعضائها لمناظرة الوزير وليس هو أو غيره من يحدّد الأمر.
- رفض عقد الهيئات الإدارية إلاّ بعد صراع مرير سواء إثر إضراب 11 / 04 / 2007 أو 29 ماي 2007.
- الهيئة الإدارية السابقة لإضراب 29 ماي أقرّت عقد هيئة إدارية تقييمية بعد تنفيذه لكن هذا لم يتمّ رغم النجاحات الباهرة للإضرابين هذه السنة.
* لا ننسى أن نثمّن موقف الهيئة الإدارية الوطنية الأخيرة لإتحاد الشغل التي وقفت بكلّ وضوح وقوّة مع قطاع التعليم الأساسي .لكن ليس هذا رأي السيد "علي رمضان"، لكي لا نتجنى على الرجل لنرى ما يقول ويفعل.
السيد "علي رمضان" يعلن عن موافقته عقد هيئة إدارية وذلك إثر جلسة في وزارة التربية والتكوين يوم الأربعاء 5 جوان 2007 بعد سخطه من تعامل الوزارة مع مطالب قطاع التعليم الأساسي وقد عاين ذلك بنفسه لمّا تركهم المسؤول الوزاري منهيا الجلسة من جانب واحد. يحصل الارتياح هنا لمّا يقتنع المسؤول عن النظام الداخلي بأنّ الوزارة هي التي تريد التصعيد وليس قطاع التعليم الأساسي أو نقابته العامة.
- ينقلب السيد "علي رمضان" على وعده ولا يسمح بعقد هيئة إدارية رغم إرادة كلّ الجهات بدون استثناء، وتعوّض الهيئة الإدارية بلقاء جهات ذي طابع استشاري وغير إلزامي.
- يعلم ممثلو الجهات أنّ الإدارات الجهوية على علم مسبق بأنه لن تعقد هيئة إدارية وما عليهم إلاّ أن يشربوا البحر. من سرّب لهم الخبر؟

ج – النقابة العامة والجهات والمعلمون : صامدون ومتمسّكون بمطالبهم حتى النهاية ، وخير دليل ما تمّ في لقاء الجهات.

استخلاصات:

1 – الوزارة : تهدف إلى ضرب مكاسب قطاع التعليم الأساسي أوّلا والمكتب التنفيذي للنقابة العامة ثانيا ثمّ تمرير مشاريعها بطبيعة الحال، وهذا ليس بغريب عنها.
2 – المكتب التنفيذي : جزء منه حليف موضوعي للسلطة من خلال مواقفه وممارساته يريد تهميش النقابة العامة للتعليم الأساسي وضربها (إمّا أن تمضي النقابة العامة على اتفاق هزيل وقتها تكون قد باعت القطاع، وإمّا وهي الحالة الراهنة التمسّك بمطالب القطاع ويروّج وقتها أنّها متطرّفة لا تحسن إلاّ لغة التصعيد وهي عاجزة على التفاوض) وذلك إرضاء للوزارة من أجل حسابات المستقبل" التوريث لا يتمّ إلاّ برضاء السلطة – التحكّم في قطاع الأساسي من أجل المناورة وهو قطاع جماهيري يمكن الحساب به – الأمانة العامة المقبلة لإتحاد الشغل خطّابها كثيرون..." أمّا مصالح قطاع التعليم الأساسي فهي آخر ما يفكّرون فيه. وما الإشاعات التي تروّج حول عقد مجلس وطني قطاعي، وفكرة المؤتمر الاستثنائي التي تدغدغ البعض إلاّ خير دليل على ما نقول.
3 - السيد "علي رمضان" :المسؤول عن النظام الداخلي يتبنّى وبشكل علني وأمام ممثلي كلّ الجهات (لقاء جهات عقد يومي 8 و9 جوان 2007 عوضا عن هيئة إدارية) مشروع الوزارة كاملا قائلا : "هذا ما أمكن التوصّل إليه" ويدّعي أنّ النقابة العامة للتعليم الأساسي موافقة على 90 في المائة منه.
نهمس للسيد "علي رمضان" : لقد فعل "السحباني" ما فعل لكنّها لم تدم له بماذا كافأته السلطة؟
بالإقالة والسجن والفضيحة.
ماذا بعد ذلك؟


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني