الصفحة الأساسية > البديل النقابي > لماذا هدد الأمين العام للاتحاد بالاستقالة ؟
لماذا هدد الأمين العام للاتحاد بالاستقالة ؟
21 أيلول (سبتمبر) 2006

فوجئ الرأي العام النقابي مساء يوم الأربعاء 13 سبتمبر الجاري بإعلان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل السيد عبد السلام جراد اعتزامه تقديم استقالته وتنحيه من على قيادة المنظمة الشغيلة التونسية. سرى الخبر في النقابيين سريان النار في الهشيم كما يقال وكثرت التساؤلات والافتراضات والتأويلات ولم يجد أحد الجواب على ذلك.

وكان لا بد من انتظار الغد الخميس لمعرفة الدوافع والأسباب التي جعلت الأمين العام يعلن قراره هذا. فمنذ صبيحة الخميس 14 سبتمبر تزاحمت وفود النقابيين، من العاصمة ومن داخل البلاد، بمكتب الأمين العام للإطلاع على جلية الأمر ومحاولة إثنائه عن قراره والحال أن الاتحاد مقدم على مؤتمر وطني تقرر منذ أيام فقط أن يقع تقديم موعده لأيام 14-16 ديسمبر المقبل عوضا عن شهر فيفري 2007.

لكن ورغم التفسيرات التي قدمها الأمين العام فقد واصل الخيال النقابي في البحث عن الأسباب الحقيقية. الأمين العام برّره بالتنبيه الذي تلقاه من أطبائه الذين أشاروا عليه بضرورة "الابتعاد" عن الاتحاد وعن إرهاق النشاط النقابي، ثم بغضبه من تجاوز قطاع التعليم الثانوي وإعلان هيئته الإدارية الدخول في إضراب يوم 19 أكتوبر المقبل من أجل مطالب الأساتذة.

البعض رأى في ذلك نوعا من التحريض على قطاع التعليم الثانوي فبادرت بعض الوجوه النقابية (الكتاب العامون للاتحادات الجهوية بزغوان والمنستير وسليانة...) بتحرير عريضة تنادي بانعقاد هيئة إدارية وطنية استثنائية لاتخاذ ما تراه صالحا "لتأديب" هذا القطاع المتنطع. ولو لم تتدخل بعض الوجوه النقابية ذات الوزن الجهوي والقطاعي لآلت مثل هذه المبادرة بالفعل إلى ما يشبه الأزمة مع قطاع الأساتذة.

لكن وكما قلنا فإن التفسيرات التي قدمها السيد عبد السلام جراد لم تقنع أحدا تقريبا. البعض اعتبرها مسرحية وشيئا مما يصطلح عليه بالعامية التونسية "حبّ عزيز" ليجس نبض النقابيين ويقيس درجة شعبيته ربما لمشاريع مستقبلية من قبيل ترشيح نفسه للأمانة العامة عبر التزكية المباشرة لا الانتخاب مثلما كان يعمل سلفه السحباني. والبعض رأى في ذلك ضغطا من الأمين العام على النقابيين ليصطفوا وراءه في أي إجراء ينوي اتخاذه ضد التعليم الثانوي الذي تمرد عليه وشق عصا الطاعة وبالتالي أضر بمصداقيته أمام السلطة.

ولا يستبعد الكثير أن يكون السيد عبد السلام جراد قد أعطى لرئيس الدولة ولوزرائه قبل أيام تطمينات ووعود بمنع الأساتذة والمعلمين من تقرير الإضراب وبالتالي منعهم من تهديد "سلامة المناخ الاجتماعي واستقراره" التي تحرص عليها السلطة أقصى درجات الحرص بمناسبة انطلاق الموسم السياسي والاجتماعي الجديد واقترانه بالعودة المدرسية وحلول شهر رمضان.

وقد يكون السيد عبد السلام جراد تلقى بالفعل توبيخا –حسب البعض- أو ضغطا –حسب البعض الآخر- من طرف السلطة ما أن أنهت الهيئة الإدراية للتعليم الثانوي أشغالها وقررت إضراب يوم 19 أكتوبر المقبل.

ومن جهة أخرى، أن يلجأ السيد جراد إلى التهديد بالاستقالة –ولا إلى شيء آخر– فهو في حد ذاته سابقة لم يعهدها النقابيون ولها دلالات مهمة. فقد يكون قصد من ورائها أيضا تحذير السلطة من مغبة التفكير في بديل عنه وتبيان مدى تمسك النقابيين به أي بلغة أخرى تبيان مدى الدعم الذي يمكن أن يلقاه إذا ما فكرت السلطة بمناسبة المؤتمر أو قبله تكرار مسرحية إزاحة السحباني التي يعلم السيد عبد السلام جراد خفاياها أكثر من أي كان.

كل هذه التفسيرات وغيرها راجت ولا يزال صداها في الساحة النقابية لأن الرأي النقابي لم يستسغ هذه الحركة من قبل الأمين العام كما لم يكتف بالظاهر من التفسيرات التي قدمها لها خصوصا وأنه -أي الأمين العام- مازال يعيش على طعم الانتصار الذي أحرزه داخل الهيئة الإدارية الوطنية (4 و5 سبتمبر) لتقديم موعد المؤتمر الوطني القادم. وهو انتصار أدرك من خلاله تماما كما أدركت السلطة حجم النفوذ الذي لا يزال يتمتع به المسؤول الأول في الاتحاد حتى وإن بدا وأن علاقة الهيئة الإدارية الوطنية بالمكتب التنفيذي الوطني وبالأمين العام قد تغيرت ملامحها نسبيا.

لكن هذه الزوبعة التي هدأت سويعات بعد هبوبها كشفت مرة أخرى مدى تأصل الكثير من العادات والتقاليد النقابية الراسخة في الاتحاد العام التونسي للشغل ومدى "حيوية" الجهاز البيروقراطي. من أبرز هذه التقاليد تسابق النقابيين في التزلف والتظاهر بالولاء للأمين العام وتشكيل الوفود لدعوته للتراجع في قراره والحال أن غالبيتهم العظمى كانت تعتبر –حالما تغادر مكتب الأمين العام– أن الأمر لا يعدو أن يكون مسرحية وتطلق عنان خيالها لبلورة التأويلات التي ذكرنا بعضا منها. ومن هذه المظاهر أيضا التكالب على قطاع التعليم الثانوي بل ومبادرة البعض كما أسلفنا بعريضة الهيئة الإدارية الوطنية الاستثنائية الموجهة ضد التعليم الثانوي بشكل أبرز للعيان أن أيّ قطاع يعارض أو حتى يختلف مع القيادة والأمين العام في منهج العمل من أجل الدفاع عن مطالبه ويتمسك بحقه في اتباع الطريقة التي يراها صالحة تسلّط عليه كل الضغوط لا فقط من قبل القيادة والأمين العام بل ومن بقية القطاعات وقياداتها المتزلفة. وتبعا لهذا فإن تساؤلات كثيرة باتت تطرح. لمن أولوية التقدير في الملفات القطاعية؟ للهياكل المعنية أم للقيادة؟ وبلغة أخرى ما جدوى هذه الهياكل القطاعية إذا كان الأمر يتعلق بأولوية تقدير الأمين على تقديرات هيكل القرار القطاعي أي الهيئة الإدارية القطاعية؟ وأين تقف صلاحيات الهيكل القطاعي لتبدأ صلاحيات القيادة المركزية؟ وأين يقع الحد الفاصل بين "التنسيق" وبين تبعية الهياكل القطاعية للمركز؟

وفي كلمة فإن قضية الديمقراطية النقابية طرحت نفسها وفي أبعادها الجوهرية هذه المرة وأن الخطاب المعتاد حول "شفافية الانتخابات" و"التشاور" بين الهياكل و"العودة لهياكل القرار مثل الهيئة الإدارية والمجلس الوطني" للتدليل على ديمقراطية الاتحاد ليس غير كلام لا يصمد كثيرا أمام الوقائع من قبيل ما حدث مؤخرا بصدد غضب الأمين العام من قرار الإضراب في التعليم الثانوي.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني