الصفحة الأساسية > البديل النقابي > مؤشر على رغبة في التجاوز أم هدنة مؤقتة؟
هدوء الصراع داخل الاتحاد العام التونسي للشغل:
مؤشر على رغبة في التجاوز أم هدنة مؤقتة؟
9 نيسان (أبريل) 2007

هل هدأت الزوبعة أم هل هي مجرد هدنة وقتية لا غير؟ هذا هو السؤال الذي يتطارحه العديد من النقابيين في تونس في تعليقهم على ما يميز الوضع النقابي الداخلي هذه الأيام من هدوء نسبي للصراعات داخل القيادة وفي الاتحاد العام التونسي للشغل ككل.

الإجابة على هذا السؤال لا يمكن الجزم فيها لا بالتأكيد ولا بالنفي طالما أن الخلاف الذي كان مبعثا لهذا الصراع مازال قائما حول مسألة التوريث وطالما أن الطرفين، المصرون على مسعى مراجعة قرار جربة- المنستير بقيادة المسؤول على النظام الداخلي مدعوما بالأمين العام من جهة والمتشبثون بهذا القرار من جهة ثانية، ما يزال كل منهما متمسكا بموقفه.

ولو عدنا لاستعراض وقراءة سلسلة الأحداث الداخلية طوال الفترة القريبة الماضية أي منذ مؤتمر المنستير (ديسمبر 2006) حتى اليوم لتبين لنا أن الصراع الذي دار حول عدة ملفات نقابية داخلية كان على خلفية الصراع الدائر حول مسألة التوريث ومواصلة لذات الصراع الذي عاشه المؤتمر الماضي، ويرجّح أن يستمر لمدة أخرى وقد يكلل بانعقاد المجلس الوطني في وقت لاحق علما وأن الكثير من النقابيين يتوقع أن يتم ذلك في غضون سنة 2008 مباشرة إثر الانتهاء من حملة تجديد النقابات الأساسية وفي ضوء النتائج التي ستفرزها.

لقد تواصلت كما كان متوقعا حالة الصراع الداخلي في المركزية النقابية، الاتحاد العام التونسي للشغل، على خلفية ما شهده المؤتمر الوطني في المنستير من مواجهة بين شقّ البيرقراطية المسيطر على مصائر المنظمة ومعارضيه. ويمكن في هذا الصدد رصد سلسلة من الأحداث والتطورات النقابية البسيطة والهامة في الآن نفسه في علاقة بالديمقراطية الداخلية التي جدت منذ الإعلان عن انتهاء أشغال المؤتمر وانتخاب القيادة الجديدة.

فضمن هذه السلسلة لا بدّ من التذكير بجملة "الخطوات" التي أقدم عليها المسؤول عن النظام الداخلي والتي تؤكد ما راج عقب المؤتمر أنه جاء لهذا المنصب وفي جعبته مخطط واضح لتصفية خصومه وتعديل موازين القوى لصالحه ولصالح الشق الذي ينتمي إليه.

1 – إحالة ملف مكتب الشباب العامل على لجنة النظام الوطنية التي يحظى فيها بتأثير هام حيث استدعي كافة أعضاء المكتب للتحقيق معهم رغم المعارضة الشديدة التي أبداها مسؤول القسم الذي اعتبر ذلك تدخلا في شؤون قسمه ونية مبيتة لتعطيل نشاطه. وكان هذا الإجراء موضوع جدال ومشادات ساخنة داخل المكتب التنفيذي في عدة مناسبات الأمر الذي عطل صدور تقرير لجنة النظام في الموضوع. وليس معروفا ما إذا سيقع حل هذه التشكيلة وتعويضها بلجنة أم سيحتفظ بما تبقى من المكتب مع العلم وأن قانون المنظمة واضح في هذا الصدد. وقد حسم الأمين العام في أحد اجتماعات المكتب التنفيذي الصراع بأن أخذ على عاتقه النظر في الملف مع من سيراه صالحا وألمح إلى أنه يود لو يقع تركبز لجنة وقتية يقع إزاحة بعض الوجوه التي لا تحضى برضا المكلف بالنظام الداخلي. ومهما كان من أمر فإن معالجة هذا الملف الذي تتسبب في صراعات كثيرة داخل القيادة لم تؤدّ إلى نتائج مرضية بالنسبة للمكلف بالنظام الداخلي وفق ما كان يخطط له.

2 – ومن "الخطوات" أيضا يذكر التحضيرات التي قام بها المسؤول عن النظام الداخلي لضمان نجاح تشكيلة موالية له على رأس الاتحاد الجهوي بالكاف إثر مؤتمره الذي انعقد يوم 31 جانفي الماضي. ويؤكد الكثير من النقابيين أن المعني لم يكتف بعقد اجتماعات متتالية مع عناصر من المكتب التنفيذي الجهوي بعد أن تمكن من تصديع صفوفه، بل تنقل إلى الجهة سرا مرات متتالية لإحكام الإعداد للتخلص من الكاتب العام الجهوي القديم ومناصريه. ومن المعروف أيضا أن السيد إبراهيم القاسمي الكاتب العام للاتحاد الجهوي بالكاف كان من النقابيين الذين ساندوا عناصر من القائمة المضادة لقائمة الأمين العام والسيد علي رمضان وبذلك أدرج على لائحة المطلوب تصفيتهم وكان انعقاد المؤتمر الجهوي الفرصة المناسبة لتنفيذ هذا القرار. غير أن عامل الوقت لم يسعف الأمين العام المساعد المكلف بالنظام الداخلي - على ما يبدو - للتأثير في نواب الجهة بالاتجاه الذي يريده حيث أفضى المؤتمر المذكور إلى نجاح قائمة الكاتب العام وخسر بذلك أول معركة انتخابية هامة بعد توليه منصب النظام الداخلي.

3 – أسدل الستار إذن على هذه "المعركة" وجاء دور بعض الملفات الأخرى مثل تفرغات عدد من النقابيين وفتح ملف تحوير المسؤوليات في مكتب جامعة المناجم للتخلص من كاتبها العام واستبداله بآخر من الموالين وأثيرت ضده قضية مسك حساب جاري موازي للحساب الجاري للجامعة فيما غض الطرف على عديد الكتاب العامين الآخرين الذين يمسكون حسابات جارية موازية مثل الكاتب العام الجهوي بصفاقس والكاتب العام الجهوي بقفصة والكاتب العام لجامعة النقل وغيرهم. ولئن لم تنجح هذه المحاولة أو باتت مؤجلة لمناسبة لاحقة فقد نجحت عملية مماثلة في جامعة المعاش والسياحة أدت إلى إزاحة الكاتب العام السابق رمضان الهمامي ومجيء السيد كمال سعد مكانه. ولعله الانتصار الوحيد الذي أحرزه السيد علي رمضان حتى الآن.

4 – وفي محاولة أخرى من ذات القبيل حاول المسؤول عن النظام الداخلي افتعال قضية "تحرش جنسي" ضد الكاتب العام للاتحاد الجهوي بنابل السيد الحبيب غنام الذي استدعي للمثول أمام لجنة النظام الوطنية بعد أن التقى بالمكلف بالنظام الداخلي وحصلت بينهما مشادة عنيفة تردد صداها في ساحة الاتحاد طوال أيام. وقد نصح البعض الأمين العام بإيقاف ظاهرة فبركة القضايا الأخلاقية التي سبق وأن حيكت ضده في السابق خلال أزمة 1985. ثم وبما أن العديد من الكتاب العامين للاتحادات الجهوية ردوا بعنف على هذا المسعى فقد تقرر في المكتب التنفيذي الموسع يوم 15 مارس الماضي وفي مجلس القطاعات يوم 17 صرف النظر عن هذه التهم واستبدلت بتهمة جديدة "تسريب نسخة من محاضر جلسات المؤتمر" الذي تولى خلاله السيد الحبيب غنام مهمة مقرر ويعلم المطلعون على حقيقة الأمر أن هذا الأخير لا يتحمل مسؤولية فيما نسب إليه. لكن وبما أن الأمين العام وعضده المكلف بالنظام الداخلي مصرين على الانتقام من جهة نابل ومن كاتبها العام للموقف الذي اتخذاه خلال الانتخاب فإن كل شيء صار جائزا لإدانة الحبيب غنام وإزاحته. وللتذكير فإن الأمين العام كان خلال المؤتمر توعد الكاتب العام لجهة نابل وهو في حالة حنق هستيرية على مرأى ومسمع من عديد النواب. وكان من المنتظر أن تنعقد الهيئة الإدارية الجهوية هناك يوم الخميس 29 مارس المنصرم إلا أن إصرار النظام الداخلي على حضور بعض النقابات التي اضمحلت (ديوان الصيد البحري مثلا) حال دون ذلك. وما تزال المساعي جارية حثيثة من أجل تشكيل أغلبية داخل المكتب الجهوي من أجل إجراء تحوير في المسؤوليات في هذه الجهة.

5 - وفي صورة موازية لذلك نودي للكاتب العام لجامعة المهن المختلفة لإعلامه من قبل الأمين العام بأن النية تتجه إلى الكف عن صرف المنحة التي رصدت له منذ أن أغلقت مؤسسته (سوجمبال – قابس) أبوابها وذلك على حد قول الأمين العام تطبيقا لتوصيات المؤتمر بالتحكم في المصاريف والقضاء على مظاهر سوء التصرف. هكذا أوحي إذن للكاتب العام لجامعة المهن المختلفة السيد منجي عبد الرحيم الذي سولت له نفسه الترشح في قائمة معارضة لقائمة الأمين العام وعلي رمضان. لكن وفي المقابل ودائما ضمن سياسة ترشيد المصاريف أوصي بصرف منحة شهرية تزيد قيمتها عن الألف دينار شهريا لصحفي "متعدد المهن والاختصاصات" مكافأة له على الدور الإعلامي الذي لعبه لفائدة المسؤول عن النظام الداخلي قبل المؤتمر وبعده.

6 - وفي إطار ذات السلسلة من الإجراءات أحيل نقابيان من التعليم الأساسي من جهة منوبة على لجنة النظام لأنهما أبرقا للقيادة و"نددوا" بممارسة عضوين من المكتب التنفيذي حاولا دفع النقابات الجهوية للتعليم الثانوي للمطالبة بمؤتمر استثنائي لضمان تولي أحد الموالين للكتابة العامة في هذا القطاع بعد أن أصبح منصف الزاهي عضوا بالقيادة وترك مكانه شاغرا منذ ديسمبر الماضي. ويأتي هذا الإجراء حسب المطلعين ضمن المقدمات اللازمة لزعزعة وضع الاتحاد الجهوي بمنوبة وللانتقام من كاتبها العام الذي انحاز خلال المؤتمر الماضي للقائمة المضادة لقائمة الأمين العام وعلي رمضان. وقد راج مؤخرا خبر اعتزام المكلف بالنظام الداخلي إثارة ملف سوء تصرف مالي في هذه الجهة.

7 - وكان مؤتمر نقابة شركة الخطوط الجوية التونسية التابعة لجهة أريانة موضوع مسلسل طريف لعب فيه المكلف بالنظام الداخلي والأمين العام شخصيا ونجله وإحدى كريماته وعدد من العاملين بالمؤسسة أصيلي جزيرة قرقنة أدوارا كشفت مدى إمعان هذه المجموعة على السيطرة على النقابة بغية ترجيح موازين القوى في الجهة استعدادا لمؤتمر الاتحاد الجهوي هناك لإزاحة الكاتب العام السيد محمد الشابي الذي ترشح في قائمة مضادة لقائمة الأمين العام. انطلق المسلسل بـ"عركة " حول مكان انعقاد المؤتمر وانتهى بفتاوي حول معنى وعلاقة "مقر العمل" بـ"يوم عمل" ورغم كل الضغوط التي مورست على منخرطي هذه النقابة من أجل إفراز قائمة موالية للأمين العام وعلي رمضان أصيلي قرقنة فإن العمال أبوا إلا أن ينتخبوا القائمة المضادة لهم وبفارق زاد عن 580 صوت وطوي الملف بهزيمة نكراء.

هكذا فتحت الكتلة المتنفذة في القيادة بقيادة المسؤول عن النظام الداخلي جبهات متعددة ومتوازية في إطار حملة حثيثة ومتعجلة من أجل تعديل خريطة موازين القوى داخل المنظمة وانتقاما من كل من عارض قائمة الأمين العام ووقف ضد مسعى التوريث وصار مفهوما أن هذه الحملة في حالة ما إذا كتب لها النجاح ينبغي أن تكلل بمجلس وطني يعيد طرح المسألة مجددا لفسخ قرار تحديد الترشح لدورتين فقط بالنسبة لأعضاء القيادة حتى يتمكن علي رمضان الترشح مجددا وخلافة جراد على رأس المنظمة. وقد أثارت هذا السلوك توترات كثيرة داخل القيادة، ففي اجتماع المكتب التنفيذي الموسع المنعقد يوم 15 مارس المنصرم واجتماع مجلس القطاعات يوم 17 من نفس الشهر ظهر الانقسام الجلي الذي أضحت عليه القيادة النقابية بين أقلية مصطفة إلى جانب الأمين العام وعلي رمضان وأغلبية ضدهما. لقد تحول هذان الاجتماعان إلى عملية محاسبة علنية وصريحة لتمشي المكلف بالنظام الداخلي وما يلقاه من تزكية ودعم من قبل الأمين العام رغم ما يتظاهر به هذا الأخير من "حياد" و"موضوعية" ورغم نداءاته التمويهية بالوحدة ورص الصفوف.

وأمام النتائج السلبية المسجلة في كل هذه "المعارك" بدأت اللغة تتغير وصار لا بد من التركيز على "خطورة الوضع" وتوجيه الاهتمامات نحو "تهديدات التعددية" وحشد النقابيين ضد السلطة التي تقف وراء مشروع النقابة الجديدة التي على حد قول الأمين العام تلقى الدعم من كل أعضاء الحكومة بلا استثناء. ومفهوم أن تغيير التكتيك إنما القصد منه الإيهام بجدية مسعى الأمين العام لرأب الصدع واستعادة وحدة الصف النقابي التي تضررت أيما ضرر جراء سعيه وسعي المكلف بالنظام الداخلي لتفكيكه وتخريبه. ومفهوم أيضا أن التهدئة الحالية ليست سوى استراحة مؤقتة لمزيد تدقيق الحسابات وتحسين فصول الخطة قبل انطلاق حملة تجديد النقابات الأساسية التي ستعيد طرح الصراع في أجلى مظاهره.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني