الصفحة الأساسية > البديل النقابي > ما المراد بالضّبط من تشغيل لجنة النّظام الوطنية؟
ما المراد بالضّبط من تشغيل لجنة النّظام الوطنية؟
20 آب (أغسطس) 2007

بقلم إطار نقابي قاعدي

يلاحَظُ منذ نهاية جوان 2007 تقريبا وإلى حدود هذه السّاعة اشتغال لجنة النّظام الوطنيّة في علاقة بمناضلي قطاع التّعليم الأساسي بسرعة تكاد تكون قياسيّة، إذ ما إن يتمّ الإنتهاء من استدعاء مجموعة والتّحقيق معها حتّى يقع استدعاء مجموعة أخرى، وعلى حدّ علمنا فالقائمة مازالت تطول.

هذا دون أن ننسى طبعا المناضلين من قطاع الصحّة الذين أوقفا عن النشاط النقابي مؤخّرا والمضايقات في حقّ مناضلين من التّعليم الثانوي (سحب التفرّغ لكلّ من الطيّب بوعائشة وفرج الشبّاح).

السؤال الأوّل الذي يتبادر إلى الذهن، لماذا المضايقات تجاه هؤلاء النقابيّين ومحاولة تصفيتهم؟

السؤال الثاني، لماذا التركيز على قطاع التعليم الأساسي بصورة خاصّة؟

السؤال الثالث، لماذا التركيز على أسماء معيّنة في قائمة المدعوّين لسماع أقوالهم من طرف لجنة النظام الوطنيّة؟

السؤال الرابع، هل كلّ ما تقوم به لجنة النظام هذه الأيام هو فعلا الدفاع عن الإتحاد ومبادئه، والتصدّي للفوضى والتسيّب والمسّ بقيادات الإتحاد كما يدّعون، أم لأسباب أخرى خفيّة ومعلنة؟

أسئلة عديدة تخامر ذهن كلّ نقابي نزيه وغيور فعلا على مبادئ الإتحاد وعلى أسس العمل النقابي المستقلّ والدّيمقراطي وعلى مصالح الشغيلة التونسية المادية منها والمعنويّة، سنجتهد في الإجابة عنها في هذا المقال.

إنّ كلّ الذين وقع استدعاؤهم للمثول أمام لجنة النظام الوطنية للإتحاد العام التونسي للشغل متّهمون بصورة عامّة بالإخلال بمبادئ الإتحاد والنيل من أهدافه، وللتوضيح أكثر فقد وجّهت لهم تهم المسّ من كرامة أعضاء المكتب التنفيذي والأمين العام ووقعت مساءلة البعض حول شعار رفع أكثر من مرّة وفي مواقع مختلفة "يا حشاد أو يا تليلي شوف شوف الخيانة بالمكشوف" ومحاولة منع الأمين العام من إلقاء كلمته في قفصة – والمشاركة أو الإشراف على اجتماع عام أسيء فيه للقيادة في الإتحاد وهلمّ جرّا من سلّة التّهم التي يراد بها في الحقيقة تصفية وتجريد مناضلين نقابيّين بعينهم حتى لا يفسدوا حلم التوريث الذي يخطّط له البعض.

هل كان يقع ما وقع لو أنّ القيادة وقفت إلى جانب هياكل قطاع الأساسي ومكّنتهم من هيئة إدارية ولم تنجرّ إلى أوهام السّلطة، ولم تستبدّ بها الرّغبة الجارفة في الإنتقام من النقابيّين المعارضين لها أثناء مؤتمر المنستير الأخير؟

لنتحدّث بصراحة : ألم يصرّح "علي رمضان" في عديد المواقع أنّه لن ينسى ما وقع في مؤتمر المنستير – يعني أنّه سيتولّى بنفسه الإشراف على إعداد ملفات للنقابيّين المناوئين لحلمه طبعا، وهو قد أوكل إلى أتباعه مهمّة الإستجواب في تحدّ واضح للنظام الداخلي الذي يدّعي الإشراف على حظوظه.

إنّ مهمّة البحث وتقصّي الحقائق واستدعاء النقابيّين لسماع أقوالهم تقوم بها اللجان الجهوية أو اللجنة الوطنية كلّ حسب مجال اختصاصه، وفي قضيّة التعليم الأساسي أغلب المدعوّين إمّا مسؤولون في نقابات أساسية أو نقابات جهوية وبالتالي استدعاؤهم كان ينبغي أن يتمّ من طرف اللجنة الجهوية التابعة للإتّحاد الجهوي المعني والتبرير المقدّم الذي يقول بأنّ المسألة تتعلّق بالأمين العام والمكتب التنفيذي ينطبق عليه مثال "ربّ عذر أقبح من ذنب" إذ أنّ في المنظمات الديمقراطية الأمين العام أو أيّ عضو في المكتب التنفيذي له نفس الحقوق وله نفس الواجبات مثله مثل أيّ عضو في أيّة نقابة أساسية والإحالة على لجنة النظام تكون حسب مسؤوليّة المشتكى به وليس حسب مسؤولية الشّاكي مهما كان موقعه، وإلاّ ما الفائدة من انتخاب اللجان الجهوية طالما أنّ لجنة النظام الوطنيّة تمركز كلّ شيء بيديها؟

الواضح أنّ طرفا في القيادة يسعى إلى توظيف لجنة النظام الوطنية لبلوغ أهدافه وليست له ثقة في لجان النظام الجهوية.

إنّ الإتحاد العام التونسي للشغل يمرّ اليوم بحالة استقطاب شديدة بين تيّارين رئيسيّين :
- الطامعون في تكسير قرارات مؤتمري "جربة" و"المنستير" وذلك بإلغاء شرط الدورتين وجعل عدد الدورات لا محدودا، ويتزعّم هذا التيّار السيد "علي رمضان" الذي يستعمل موقعه كمسؤول عن قسم النظام الداخلي بمباركة أطراف داخل الإتحاد وخارجه لاسيّما السلطة التي من مصلحتها التخلص من كلّ مسؤول نقابي يروم النضال من أجل توجّه نقابي مستقلّ ديمقراطي ومناضل وبالطبع فهؤلاء يشكّلون خطرا على مصالحها.
- التيّار النقابي الديمقراطي والمناضل وهو يتكوّن من العديد من التيّارات النقابية والسياسية والمستقلّين الذين يناضلون جميعا من أجل دمقرطة الإتحاد ووضعه على سكّة النضال ورفض مفهوم النقابة المساهمة التي تخدم مصالح الأعراف والسلطة، أي مصالح رأس المال والتي تقدّم للشغيلة الفتات، وأطروحات هؤلاء معروفة : الحفاظ على السّلم الإجتماعية وعدم القفز في المجهول – الحوار الإجتماعي (اقرأ النفاق والكذب الإجتماعي) – الحفاظ على مصالح العمال والمؤسسة (أي في الحقيقة الحفاظ على مصالح الأعراف، الخ.).

لقد التقت المصالح : مصلحة السلطة ومصلحة المجموعة المتنفّذة داخل المكتب التنفيذي أو ما عبّر عنه البعض بـ"العشيرة" وكذلك مجموعات الإنتهازيّين، إذ الجميع يعرف كيف يدخل البعض منهم المسؤوليّة خالي اليدين وبتحمّله لها يصبح من أصحاب العقارات والجاه والملايين.

وحتّى الخلاف الذي حصل مؤخّرا بين المركزيّة والسلطة والذي تلته تحرّكات غاضبة بقيادة المكتب التنفيذي : ندوات "أميلكار" وجهة "نابل" والندوة الصحفيّة المشتركة لقطاعات التربية والتعليم التي انعقدت بقاعة "أحمد التليلي" تحت إشراف عضو المكتب التنفيذي للاتحاد محمّد السحيمي لاتعدو أن تكون ظرفيّة حسب بعض المراقبين الذين يرجّحون أنّ الخلاف لم يكن حول تصفية بعض المسؤولين النقابيين من عدمه فالإتفاق هنا حاصل وإنّما حول من يقدّم لصاحبه الأوّل : السلطة تطالب بضرب "المتطرّفين" من النقابيين ثمّ تنظر في ما يمكن أن تقدّمه والقيادة النقابية تطالب بإمضاء اتفاق حول مطالب الأساسي ومعالجة وضعيّة التمثيل النقابي في التعليم العالي حفظا لماء وجهها ثمّ إنها ستنفّذ مشروع تجريد بعض النقابيين الذي يصادف أيضا هوى في نفسها.

إنّ الخلاف لا يعدو سوى أن يكون أزمة ثقة بين طرفين يخاتل أحدهما الآخر، ولا علاقة له بصنف الخلافات المبدئيّة. [1].

وهانحن اليوم بعد إمضاء اتفاق الأساسي وماكينة لجنة النظام مازالت على أشدّها بل ازدادت سرعة وانتشارا، وهذا ما يدعّم الرؤية السابقة (استدعاء اثنين من القصرين هما رضا البرهومي من النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بسبيطلة، وساسي البوعلاّقي عضو اتحاد جهوي سابق بالقصرين ليوم 14 أوت الجاري، وأيضا مجموعة قفصة الأخيرة من التعليم الأساسي: النّاصر القطواني، جمال عمامي، علي عبداللّه، السّبتي الردّاوي، أحمد سليم، وحسين المبروكي من التعليم الثانوي نقابة الرديّف)، والصّمت المريب من المركزيّة إلى حدّ كتابة هذه الأسطر حول إحالة المناضل النقابي "سليم غريس" على مجلس التأديب بالوزارة ليوم 5 سبتمبر القادم.

لقد طرحنا سابقا لماذا التركيز على قطاع الأساسي وعلى أسماء معيّنة، للإجابة نقول لقد مثل قطاع الأساسي مؤخّرا مركز ثقل للعمل النقابي المناضل داخل الإتحاد وشكّل حلقة متقدّمة في التصدّي لمشاريع السلطة نحو خصخصة التعليم والهجوم على مكاسب المعلمين وأهمّها حركة النّقل وضرب الحقّ النقابي وذلك بالإنفراد بالرأي وتجاهل الهياكل النقابية في قطاع الأساسي جهوية كانت أم وطنية.

وممّا زاد الطّين بلّة أنّ جماعة التوريث داخل الإتحاد ساندوا هذا التوجّه وهو تصفية المناضلين لأنهم لم يكونوا في صفّهم، وكانت فرصتهم للتخلّص منهم وإلاّ بماذا نفسّر الهجوم المتزامن على بعض النقابيين، مساءلات من طرف الإدارة ومن الإتحاد في نفس الوقت؟ بماذا نفسّر إيقاف نقابيين في الصحّة عن المسؤوليّة النقابية؟ بماذا نفسّر شجّ رأس "خالد الدّلهومي" من قبل قوات القمع في القصرين والإتحاد لم يفعل شيئا يذكر وحتى الوفد الذي تحوّل إلى هناك تجاهله الوالي، لو "كانت الدّنيا دنيا" لأعلِنَ الإضراب الجهوي من قبل القيادة، وإنّما أحيل نقابيّون من هذه الجهة المعتدى عليها اعتداء همجيّا وبربريّا على لجنة النظام الوطنية، بماذا نفسّر سحب التفرّغ النقابي لمسؤولين من نقابة الثانوي؟

إنّ كلّ هذه الأسئلة تجد تفسيرا وحيدا وهو ضرب كلّ نفس نقابي مناضل.

ثمّ وبقراءة سريعة في الأسماء التي وقع استدعاؤها للمثول أمام لجنة النظام الوطنية نلاحظ استهدافا لطرف نقابي معيّن لا يخفى على أحد – وهذا الطرف فعل أم لم يفعل فهو مستهدف، وهو الذي يقضّ مضجع السيد "علي رمضان" الذي يقوم بحملة تحريض ضدّه ويحاول إظهاره زورا وباطلا بمظهر الخطر على الحركة النقابية والبلاد وحتى في بعض المواقع وفي بعض الأحداث التي ليست فيها لهذا الطرف لا ناقة ولا جمل فإنّ مسؤول النظام الداخلي ينسب له كلّ شيء.

بقي السؤال الأخير هل أنّ ما تقوم به لجنة النظام الوطنية ومن ورائها جماعة التوريث والسلطة هو فعلا للدفاع عن مبادئ الإتحاد وأهدافه وهيبته وهيبة قيادته أم أنّ في الأمر أشياء أخرى؟

لايخفى على أحد أنّ قوانين منظّمتنا التي ضحّى من أجلها المناضلون على اختلاف مشاربهم واضحة في هذا المجال : تقول وثيقتا القانون الأساسي والنظام الداخلي في الفصل الثاني ضمن أهداف الإتحاد : العمل من أجل الدفاع عن الحريات العامة والفردية وترسيخ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

ولكن ليس هذا هو رأي بعض العناصر في القيادة النقابية - شأنهم في ذلك شأن نظام بن علي – يعتبرون كلّ نقد لمواقفهم وممارساتهم تهجّما على مبادئ الإتحاد وأهدافه. و"بن علي" أيضا يعتبر كلّ نقد لسياسته أو لسياسة حزبه ونظامه إساءة لتونس وجب معاقبة القائم بها. بن علي ونظامه يعتبرون أنفسهم تونس وبعض العناصر في قيادتنا النقابية يعتبرون أنفسهم الإتحاد.

قوانين الإتحاد وتصريحات مسؤوليه تدافع عن حرية التعبير والنقد (انظر تصريح السيد "محمّد سعد" عضو القيادة النقابية في مؤتمر حركة التجديد الأخير في شأن دعم الإتحاد للمجتمع المدني ومطالبه من حرية التعبير والتنظّم... وقد قوبل هذا التّدخّل بالترحيب من كافة الأطراف سواء أحزاب تقدّميّة أو منظّمات المجتمع المدني المستقلّة)، انظر مقرّرات مؤتمرات الإتحاد وهيئات قراره كيف أنها مع حرية الرأي والتعبير ولكن المجموعة المتنفّذة في القيادة والتي تحتجز الإتحاد رهينة لديها تمارس العكس تماما.

نوضّح موقفنا من هذه المسألة : نحن ضدّ التجريح والثلب الشخصي ولكن نحتفظ لأنفسنا ولكلّ مكوّنات الفضاء النقابي الديمقراطي بحقّ نقد سياسات الإتحاد ومسؤوليه ومواقفهم من مختلف القضايا والمسائل.

"لاأحد يعلو فوق النّقد"

ما ضرّ القيادة النقابية لو أنها استمعت في مختلف مواقع الإحتجاج النقابية لملاحظات ومطالبات القواعد الغاضبة وأخذتها في الحسبان وعدّلت بها مواقفها في اتجاه خدمة هذه القواعد التي يتغنّى كلّ مسؤول نقابي بتمثيلها وخدمتها أم أنّ سياسة دفن الرؤوس في الرمال والتهرّب من تحمّل المسؤولية ومواجهة السلطة الهاجمة على المكاسب والتمسّح على أعتابها هو الحلّ الأسلم؟

ما ضرّ القيادة النقابية لو أنها تحلّت بقليل من الصبر والحكمة واستمعت إلى القواعد وأقلعت عن تشغيل ماكينة لجنة النظام؟

أليس هذا هو الحلّ ونحن لم نأت بالجديد لقد كان هذا هو مقترح أغلبيّة كلّ من مجلس القطاعات والمكتب التنفيذي الموسّع الأخيرين. لقد قال الجميع لا لإحالة النقابيين على لجنة النظام ولا للتجريد – انظر الشعارات التي رفعت بمناسبة إحياء ذكرى 5 أوت الأخيرة بصفاقس كلّها تصبّ في نفس المصبّ.

إنّ مصلحة الشغّالين والاتحاد تقتضي ونحن على أبواب مفاوضات اجتماعية قادمة وتحدّيات أخرى عديدة لا يتّسع المجال لذكرها:
- إغلاق ملفّات كلّ النقابيين المحالين على لجنة النظام وحفظها وإرجاع الموقوفين عن النشاط النقابي إلى سالف المسؤوليّة والدفاع باستماتة عن النقابيين الذين تضايقهم الإدارة.
- الإعداد الجيّد للمفاوضات الإجتماعية القادمة بصفوف موحّدة وبدراسات معمّقة واستشارات موسّعة، أمّا الذين يريدون تغيير موازين القوى لصالحهم فعليهم اعتماد الصراع الديمقراطي منهجا ونحن نقول لهم إنّ التعويل على سيف لجنة النظام لن يجدي نفعا.

تونس، في 18أوت 2007

هوامش

[1ملاحظة : إنّنا لمّا نتحدّث عن المركزيّة أو نستعمل عبارة المكتب التنفيذي أو القيادة النقابية لا نضع الجميع في سلّة واحدة، بل نقصد وهم يعرفون أنفسهم والجميع يعرفهم جماعة التوريث


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني