الصفحة الأساسية > البديل النقابي > محضر الاتفاق بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل حول ممارسة الحق النقابي، "تمخّض (...)
قراءة في وثيقة:
محضر الاتفاق بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل حول ممارسة الحق النقابي، "تمخّض الجبل فولد..."
16 أيار (مايو) 2009

انتظر النقابيون طويلا ولعدّة جولات تفاوضيّة ثلاثية [أي مفاوضات اجتماعيّة كلّ 3 سنوات] بين الاتحاد العام التونسي للشغل من جهة والحكومة التونسية ومنظمة الأعراف من جهة ثانية. وكان في كلّ مرّة ترفع فيها قيادة الاتحاد مطلب التفاوض حول الحق النقابي في القطاعين العام والخاصّ والوظيفة العموميّة، ولكنّها تعدل عنه في النهاية لصالح زيادات هزيلة في الأجور طيلة 3 سنوات متتالية يطبّل لها تطبيلا، تمتصّها سريعا الارتفاعات الصاروخيّة للأسعار.

لكنّ هذه المرّة خلافا لسابقاتها من الجولات التفاوضيّة، وقعت مثلما تقول الوثيقة المشار إليها في العنوان "سلسلة من الاجتماعات بين الطّرفين الحكومي والنقابي حول ممارسة الحقّ النقابي في الوظيفة العموميّة، وقد أفضت هذه الاجتماعات إلى الاتفاق على ... "جملة من النقاط حول: الانخراط، التفرّغ النقابي، الإعلام النقابي، الرّخص النقابيّة، التفاوض، حقّ الاجتماع داخل المؤسّسات، حقّ المشاركة في الاختيارات العامّة، حقّ الإضراب، مع الإشارة إلى الاتفاق على مواصلة التفاوض في النقاط المتبقية وذلك بهدف الوصول إلى "الحلول الملائمة!!!"، وذيّلت هذه الاتفاقيّة بإمضاء كلّ من الوزير المعتمد لدى الوزير الأوّل المكلّف بالوظيفة العموميّة والتنمية الإداريّة من جهة والأمين العام المساعد للإتحاد العام التونسي للشغل المسؤول عن الوظيفة العموميّة من جهة أخرى.

النقاط التي وقع الاتفاق عليها تبدو مغرية في عناوينها ولكنها في الحقيقة أفرغت من محتوياتها.

إنّ كلّ النقاط الهامّة إمّا جاءت مبتورة ووقع التلاعب بها والرّجوع بنا كموظّفين عموميين إلى الوراء أو أجّل التفاوض فيها إلى أجل غير مسمّى يعني أسدل عليها الستار، كيف ذلك؟

1 – حقّ الانخراط:

نلاحظ أنّه لم يؤت بالجديد في هذه النقطة إذ أنها موجودة ضمن الاتفاقات ومحاضر الجلسات السابقة بين الحكومة والاتحاد العام، وحتى التعديل المشار إليه حول انتقال الخصم إلى المؤسّسة الجديدة عند نقلة العون العمومي من إدارة إلى أخرى معمول به قبل صدور هذا الاتفاق، مثلا معلّم أو أستاذ كان يعمل بإحدى ولايات الجنوب التونسي وهو منخرط بالاتحاد العام ويخصم له ديناران من مرتبه شهريّا ينتقل معه هذا الخصم عند انتقاله للعمل بإحدى مدارس أو معاهد جهة تونس الكبرى مثلا، أين الجديد إذا؟

2 – الوضع على الذمّة: أو ما يسمّى اصطلاحا لدى النقابيين التفرّغ النقابي:

لاجديد يذكر أيضا في هذا الموضوع، يعرف الجميع أنّ هناك من هو متفرّغ على ذمّة الاتحاد العام ولا يتحمّل أيّة مسؤوليّة نقابيّة لأنّه من الموالين الأوفياء للمركزيّة النقابيّة بعد أن كان من محترفي الجملة الثوريّة فوقع ترويضه بالعطاءات السخيّة!!!

ويعلم الجميع أيضا أنّ بعض النقابيين ومن قطاعات مختلفة سحب منهم التفرّغ، وهناك منهم من يتحمّل مسؤوليّات نقابيّة قطاعيّة وطنيّة.

إنّ هذا الصنف مغضوب عليه لمواقفه النقابيّة المشرّفة والمستقلّة، وبطبيعة الحال من المفيد للمركزيّة النقابيّة تعطيل الفعل النقابي لهؤلاء ولم لا شلّه بما أنهم يعتبرون من المعارضين لهم ولنهجهم الاستسلامي الذي يبحث عن المواقع لخدمة المصالح الخاصة، أمّا مصالح القاعدة العمّاليّة فهي آخر شيء تفكّر فيه قيادة الاتحاد الحاليّة، ولا أدلّ على ذلك من موقفها المتخاذل في حركة المعلّمين إبّان وزارة الغير مأسوف عليه "الصادق القربي" إذ عوض أن تقف القيادة النقابيّة مع قطاع التعليم الأساسي وتؤازره ضدّ عنجهيّة الوزارة بادرت إلى تجميد وتجريد عدد من مناضليه النقابيين بدعوى التطاول على القيادة!!

وبطبيعة الحال فإنّ من مصلحة الحكومة أيضا مواصلة العمل بنفس الآليّة ما دامت المركزيّة النقابيّة قد أخذت على عاتقها تصفية العناصر النقابيّة الرافضة للسّمسرة وتجريدها وسحب التفرّغات منها بمجرّد مكتوب توجّهه ذات القيادة النقابيّة إلى الوزارة المعنيّة!!

3 – الإعلام النقابي:

لم يؤت في هذه النقطة أيضا بالجديد إذ أنّ تعليق الوثائق النقابيّة في مكان بارز عوّضت بـ"... يختلف إليها الأعوان أكثر من غيرها" وبقي مفهوم التأشيرة السّابق موجودا – بقي أنّ الذي سيؤشر سيتغيّر من المسؤول الإداري الجهوي إلى المسؤول الإداري المشرف عليها أو من ينوبه.

انتقلت مسؤوليّة التأشيرة للمنشورات النقابيّة التي ستعلّق من الإدارات الجهويّة إلى الإدارات المحلّية حسب ما يفهم من الوثيقة الجديدة، يعني وهذا هو المهمّ: التأشيرة لم تلغ!!

طالما أنّ هناك تأشيرة طالما أنّ هناك منع وعسف إذ أنّ الغبيّ وحده سيصدّق أنّ الإدارة ستؤشر على منشورات تختلف معها في الموقف، هذا في المسائل العاديّة فما بالك إذا تعلّقت المسألة بإضراب فإنّها ستعتبره لاشرعيّا ولاقانونيّا مهما كانت الهياكل النقابيّة التي أمضت عليه وختمته، ولنا في تجاربنا مع الإدارة دروس!!

ثمّ ماذا تقصد الوثيقة بعبارة "الوثائق النقابيّة ذات العلاقة بالمصالح الاجتماعيّة والاقتصاديّة للمنخرطين"؟ هل أنّ الوثائق من بيانات ولوائح والتي تعبّر عن مواقف الأعوان من مسائل وطنيّة وقوميّة لايسمح بتعليقها أو توزيعها؟

هل أنّ نصّا نقابيّا حول الموقف من أحداث الحوض المنجمي مثلا وهي في صلب اهتمام النقابة والنقابيين أو الموقف من قدوم الصّهاينة إلى بلادنا أو الموقف من الاعتداءات على فلسطين والعراق أو نقد الأنظمة العربيّة المتخاذلة من قضايانا القوميّة ومن بينها نظام الحكم عندنا، وقد تعوّدت هياكل الاتحاد العام التونسي للشغل على الإصداع به في بياناتها ولوائحها النقابيّة ستمنع مستقبلا من التعليق والتوزيع؟!!

إذا كان المقصود بالوثيقة مثلما ذكرنا وهذا هو الأرجح، فبئس الوثيقة هي لأنّ الاتحاد منظّمة وطنيّة ساهمت منذ نشأتها في النضال الوطني والاجتماعي أيّام الاستعمار الفرنسي المباشر لبلادنا، وهي ليست منظّمة حرفيّة مثلما يراد لها في هذه الوثيقة المسمومة بالعبارات المدسوسة فيها!!

بصراحة كيف يسمح عضو المكتب التنفيذي الممضي على هذه الوثيقة لنفسه أن تمرّر عليه عبارات من النوع الذي تناولناه؟ أين كان أثناء التفاوض والإمضاء؟!!

4 – حقّ الاجتماع داخل المؤسّسات:

من بين النقاط الهامّة هي حقّ الاجتماع داخل المؤسّسات وقع فيها استثناء المؤسّسات التربويّة بدعوى تعميق النظر في المسألة لإيجاد الحلول المناسبة.

ألا يمكن أيضا لهذه المؤسّسات أن تقام فيها اجتماعات نقابيّة خارج أوقات العمل؟ نحن نعرف أنّه ممكن وهي مسألة بسيطة إجرائيّا، لكنّ الواضح أنّ هناك قرار سياسي بمنعها في قطاعات التربية والتعليم!!

5 – حقّ الإضراب:

فقرة طويلة نسبيّا لإثبات حقّ الإضراب، يعني لن يعاقب المضرب مستقبلا، لكن هل ستواصل الإدارة خصم أيّام الإضراب من الأجر؟ هذا ما لم تجب عليه الوثيقة بوضوح، ويبدو أنّ الغموض مقصود وهو في صالح الإدارة تؤوّله كما تشاء!!

يتّضح جليّا ممّا سبق تبيانه أنّ المفاوضات حول الحقّ النقابي والتي ناضلنا من أجلها سنين طويلة جاءت نتائجها هزيلة جدّا ووقع التراجع في بعض الأشياء، ودسّت فيها بعض العبارات المسمومة، وقد صحّ فيها المثل "تمخّض الجبل فولد فأرا"!!!

نقابي قاعدي جهة تونس
تونس في 6 ماي 2009


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني