الصفحة الأساسية > البديل العربي > مصالحة من مع من؟
الاستفتاء حول "ميثاق السلم والمصالحة" في الجزائر:
مصالحة من مع من؟
تشرين الأول (أكتوبر) 2005

دعا النظام الجزائري يوم 29 سبتمبر المنقضي الجزائريين إلى الاستفتاء حول ما أسماه بـ"ميثاق السلم والمصالحة الوطنية". وحسب تصريحات وزير الداخلية فقد بلغت نسبة المشاركة في هذا الاستفتاء حوالي 80% من إجمالي عدد الناخبين الذين فاق عددهم الـ18 مليون ناخبا. وقد صوت 97,36% بـ"نعم" لـ"ميثاق السلم والمصالحة الوطنية" من إجمالي الذين شاركوا في الاستفتاء. وقد اعتبر وزير الداخلية هذه النتائج "نجاحا كبيرا وتاريخيا للرئيس عبد العزيز بوتفليقة".

وقد انتقدت القوى السياسية التي قاطعت هذا الاستفتاء تصريحات وزير الداخلية واعتبرتها "كذبة كبيرة" لا تعكس في شيء حقيقة ما جرى بل اعتبرتها حلقة من حلقات المهزلة التي أقدم على تنظيمها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تمهيدا لتنصيب نفسه رئيسا مدى الحياة. وقد استدل منتقدو النتائج المعلنة بنسبة المقاطعة الكبيرة للاستفتاء في عدد من مناطق البلاد منها خاصة منطقة القبائل واعتبر بعضهم أن نسبة المشاركة وقعت مضاعفتها أربع مرات عن طريق التزوير.

وقد اشار هؤلاء إلى الظروف التي جرب فيها "الحملة الانتخابية" والتي تميزت بإقصاء كل الذين دعوا إلى مقاطعة الاستفتاء وحرمانهم من التعبير عن رأيهم حول المصالحة الوطنية بل إن السلطات حولت الاستفتاء إلى مجرد مبايعة لبوتفليقة على الطريقة التونسية، وهو ما دفع الصحافية الفرنسية "قلورانس بوجي" إلى الحديث عن "بنعلنة الجزائر" La benalisation de l’Algérie (لوموند – 28 سبتمبر 2005).

لقد طغى على الحملة الرأي الواحد بشكل سخيف. وامتنعت وسائل الإعلام المختلفة، وخاصة منها العمومية من جرائد وإذاعة وتلفزة، عن إجراء نقاشات وسجالات حول موضوع "المصالحة". وقد لاحظ عديد المراقبين أن موضوع الاستفتاء لم يحظ بالاهتمام إلا في الفضائيات الأجنبية بينما تعمدت إهماله التلفزة الجزائرية التي ركزت على تقديم برامج تافهة تمجد بوتفليقة وتؤلهه وكأنه هو موضوع الاستفتاء.

أما في خصوص مضمون "الميثاق" فقد اعتبرته القوى المعارضة من أحزاب ونشطاء حقوقيين ومثقفين أنه "لا يهدف إلى إجراء مصالحة حقيقية قائمة على أولا: إبراز الحقيقة حتى يعرف الشعب الجزائري ما جرى خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة. وثانيا: العدالة بما تعنيه من تحديد للمسؤوليات ومحاسبة كل مجرم فردا أو مؤسسة، على جريمته، وثانيا: تجاوز حقيقي على أساس مقرطة حقيقية للحياة السياسية في البلاد تمكن الشعب الجزائري من مسك مصيره بيده.

ولكن نص "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية" أخل بكافة هذه الشروط إخلالا تاما. فهو يدعو إلى "طي الصفحة" دون قراءتها كما يقال وبالتالي يتعمد طمس الحقيقة. كما أنه يبرئ الدولة وخاصة أجهزتها العسكرية والأمنية من الجرائم التي ارتكبتها من تعذيب وتقتيل واختطاف ويحصر المسؤولية أساسا في الطرف المقابل أي الجماعات الإسلامية المسلحة.

ومن جهة أخرى يحصر الميثاق "المصالحة في جملة من إجراءات العفو عن المسلحين الذين القوا السلاح أو المورطين في تمويل الإرهاب وأعلنوا "توبتهم" والمحكومين غيابيا وغيرهم ممّن تعرضوا لإجراءات إدارية وفصل عن العمل ولم يستثن من هذا العفو سوى الضالعين في المجازر الجماعية وانتهاك الحرمات واستعمال المتفجرات في الاعتداءات على الأماكن العمومية. كما يحظر الميثاق كل نشاط سياسي على القياديين الإسلاميين السابقين الرافضين للاعتراف بمسؤوليتهم. ويتراجع الميثاق عن الاعترافات الرسمية السابقة بمسؤولية الدولة في قضية الآلاف من المفقودين ويرفض أي ادعاء يهدف إلى تحميل الدولة مسؤولية عملية اختفاء متعمدة. ويفوض الميثاق "رئيس الجمهورية ليطلب باسم الأمة الصفح من كافة ضحايا المأساة الوطنية وإرساء السلم والمصالحة الوطنية".

تلك هي إذن الخطوط الأساسية لـ"الميثاق" وهي كما ذكرنا تفرض الصمت على الماضي وتبرئ الدولة من مسؤولياتها في الأزمة وتلقي بتبعية ما جرى على طرف واحد وتطلق أيدي بوتفليقة ليتصرف كحاكم فردي مطلق لـ"إرساء السلم والمصالحة الوطنية". وهو ما جعل معارضي الميثاق يعتبرون أن الأمر يتعلق بمصالحة بين المسؤولين عن الأزمة أي الدولة والجماعات الإسلامية المسلحة لكن بشروط الدولة، وكلا هذين الطرفين لا يرغب حقا في إبراز الحقيقة وفي المحاسبة الواضحة والشفافة. وعلى هذا الأساس اعتبروا أن الهدف الحقيقي من الميثاق هو العفو عن كل الجرائم.

فهل بمثل هذه "المصالحة" ستخرج الجزائر من النفق؟ لا أحد يشك في أن الشعب الجزائري في حاجة إلى الأمن والاستقرار حتى ينهض بأوضاعه ويواجه المشاكل التي تنخر مجتمعه وهي كثيرة ومتعددة، ولكن الأمن والاستقرار لا يمكن أن يتحققا دون إرساء ديمقراطية حقيقية. ولا يمكن للديمقراطية أن ترسى دون إماطة اللثام عن الماضي ومحاسبة المسؤولين عنه وإحداث تغييرات جوهرية في الواقع السياسي تطول نظام الحكم وأسسه الدكتاتورية.

وإذا تمكن بوتفليقة اليوم من تمرير "الميثاق" على النحو المذكور، فذلك لا يعني أن الحقيقة قبرت نهائيا وأن نظام الحكم خرج من أزمته وضمن لنفسه البقاء. إن الشعب الجزائري سيعرف في يوم من الأيام الحقيقة ويفرض إرادته على الذين حرموه من أبسط حقوقه وحكموه بواسطة العسف.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني