الصفحة الأساسية > البديل الوطني > مأزق الاقتصاد التونسي
مأزق الاقتصاد التونسي
تشرين الأول (أكتوبر) 2005

يعيش الاقتصاد التونسي منذ فترة غير قصيرة على وقع جملة من الصعوبات الهامة من أبرز نتائجها الانخفاض الملحوظ في نسب النمو التي كانت "دليل عافية للاختيارات التنموية" لنظام بن علي فأصبح ذلك الانخفاض مصدر انزعاج له خاصة بعد أن تفاقم عجزه عن مواجهة الانعكاسات الاجتماعية لاختياراته الرجعية.. ومن أهم تلك انعكاسات تفشي البطالة بما في ذلك في صفوف أصحاب الشهادات العليا الذين خرجوا إلى الشارع بمعية جمهور العاطلين الآخرين في أكثر من معتمدية من معتمديات ولاية قفصة (الرديف، أم العرائس،…) مرددين جملة من الشعارات مثل "لا وعود ولا تضليل… التشغيل التشغيل" وهو يعكس بالتأكيد الوعي الجديد المتنامي تجاه ما يحاك من مؤامرات ومشاريع وهمية من طرف السلطة للضحك على ذقون الناس وتمرير الأوهام الجميلة عوضا عن البحث عن الحلول الحقيقية والناجعة للمآل الذي آل إليه الاقتصاد التونسي في بداية الألفية الجديدة والذي لم يشهد سوى الزيادات المتكررة في أسعار مواد عديدة خصوصا الطاقة بعد تجاوز سعر النفط حاجز 70 دولار للبرميل الواحد في الفترة الأخيرة إثر إعصار كاترينا بالولايات المتحدة الأمريكية.

كما تدهورت القدرة الشرائية للمواطنين بشكل ملحوظ ومس هذا التدهور كل الفئات الاجتماعية وخاصة الفقيرة منها.واضطرت بعض العائلات الفقيرة خصوصا في المناطق الأكثر فقرا (المناطق الغربية للبلاد) إلى البحث عن موارد عيش بأي شكل مثل العودة المكثفة إلى تشغيل البنات الصغار في المنازل مقابل أجرة زهيدة يستولي على نصفها السماسرة. والضغط على المصاريف بحرمان أبنائهم من مواصلة الدارسة لانعدام تكاليف ذلك في ظل تنصل الدولة من مسؤوليتها في تعليم بنات وأبناء الشعب. هذا إلى جانب التخلي عن بعض ضروريات الحياة مست الغذاء والدواء ...

وتفاقمت ظاهرة البغاء بشكل لم يسبق له مثيل، حتى أنه صار يشكل جزءا من النسيج الاجتماعي، إلى جانب الأمراض الاجتماعية الأخرى التي تسجل في كل سنة رقما قياسيا جديدا مثل الإجرام وخاصة السرقة والسطو المسلح والبراكاجات والاغتصاب، والكحولية والمخدرات، إلخ.

إن الظروف الاقتصادية الدقيقة التي نعيشها والناجمة عن فشل الاختيارات "التنموية" لنظام بن علي أدت إلى تفاقم حجم المديونية الخارجية حيث بلغت أكثر من 50% من الناتج الداخلي الخام. وتواصل عجز الميزان التجاري كما كان عليه الشأن دائما وتسبب فتح الأبواب على مصراعيها للسلع الأجنبية في حدة أزمة القطاعات الموجهة إلى التصدير وفي مقدمتها قطاع النسيج الذي يشهد تقهقرا غير مسبوق نجم عنه طرد آلاف العمال لم يكن بالسهولة امتصاص عددهم في دورة الإنتاج داخل قطاعات أخرى باعتبار ضعف نسبة الاستثمار ببلادنا حيث يعترف التقرير السنوي للبنك المركزي التونسي بهذا التراجع مبرزا أنه بين سنة 2001 و2004 فقدت قيمة الاستثمار 3,9 نقطة مائوية من الناتج المحلي الشيء الذي تولد عنه تضخم في حجم البطالة وما صاحبها من انعكاسات مدوية اجتماعيا.

في هذا الإطار تشير الإحصائيات الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء أن مؤشر الإنتاج الصناعي في تونس إلى غاية جويلية 2005 سجّل تراجعا بنحو 0,42% متأثرا بانخفاض مؤشر إنتاج الصناعات المعملية التي تراجعت بنسبة 2,17% نتيجة عدة أسباب من أبرزها اشتداد المنافسة العالمية على بعض المواد والمنتوجات وتراجع الاستثمارات في هذا المجال. وحسب نفس المعهد وهو مؤسسة رسمية فإن تراجع مؤشر إنتاج الصناعات المعملية التي تستقطب ما يقارب 35% من اليد العاملة التونسية النشيطة وتساهم في 90% من الصادرات التونسية يعود إلى التطور السلبي لمؤشر إنتاج النسيج والإكساء والجلود بنحو 9,47%. ويؤكد أحد خبراء البنك الدولي "أن تخفيض نسبة البطالة في تونس بـ3 نقاط يتطلب تحقيق نسبة نمو اقتصادي تقدر بـ6,5% مما يعني مجهودا استثماريا هاما جدا خاصة من قبل القطاع الخاص المطالب حسب نظره بتحقيق نسبة استثمار تقدر بـ50% لتبلغ 18 أو 20% من الناتج المحلي الإجمالي".

إن هذه الوصفات المملاة من قبل الدوائر الامبريالية والحلول الترقيعية المحلية التي تحاول تجميل المظهر الخارجي لاقتصادنا لم ولن تخرج البلاد من التخلف والتبعية اللذين يعاني منهما اقتصادنا وستتعمق أكثر مظاهر البؤس والفقر والاحتياج وسيتضاعف عدد العاطلين عن العمل الذي بلغ سنة 2000 حسب إحصائيات البنك الدولي حوالي 1.048.000 نسمة وستتدهور أكثر مما عليه الآن الخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم والنقل والسكن وسيتفاقم الاختلال بين الجهات وبين الأحياء الفقيرة والأحياء الغنية ولن يجد التونسي مخرجا للهروب من واقعه المتردي والمرشح في الأشهر القادمة إلى مزيد التعفن، سوى النهوض للنضال الواعي وبإيمان كبير في الخلاص من أدران الواقع الحالي الذي كبلته به سلطة السابع من نوفمبر الدكتاتورية والحاشية المرتبطة بها.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني