الصفحة الأساسية > البديل النقابي > المفاوضات الاجتماعية والنوايا المبيتة
المفاوضات الاجتماعية والنوايا المبيتة
تشرين الأول (أكتوبر) 2005

تنصب اهتمامات الرأي العام النقابي والشعب عامة هذه الأيام على المفاوضات الاجتماعية وأصداء الجلسات التي تعقد بصددها بين الحكومة والأعراف من جهة والاتحاد العام التونسي للشغل من جهة أخرى. وهو أمر مفهوم بالنظر إلى التدهور الخطير الذي لحق بالمقدرة الشرائية للعمال وكافة أفراد الشعب وبالنظر إلى الزيادات الكبيرة التي عرفتها عديد مواد الاستهلاك مؤخرا (المحروقات والغاز والماء وغيرها) وكذلك بالنظر إلى الأهمية التي يعلقها الجميع على هذه المفاوضات آملين أن ترقع العجز الذي لحق مقدرتهم الشرائية.

لكن النتائج المعلنة والتي تشكل نقاط خلاف واضحة بين الاتحاد والحكومة مخيبة للآمال بل وباعثة على الغضب ومشجعة على الاحتجاج.

فالجلسات الماراطونية للتفاوض حول الزيادة في أجور الوظيفة العمومية توقفت على خلاف حول البون الشاسع بين ما يطالب به الوفد النقابي والمقترح الذي تتمسك به الحكومة أي بين الزيادة بنسبة 5 بالمائة على الأقل يطالب بها الاتحاد ونصفها فقط أي 2.5 بالمائة الذي تقترحه الحكومة كأقصى ما يمكن أن توافق عليه.

ومعروف أن النسبة التي سيحصل بشأنها الاتفاق في الوظيفة العمومية ستكون بمثابة المرجع للمفاوضات في القطاع العمومي (الشركات والدواوين) وكذاك في القطاع الخاص. لذلك تعمل الحكومة على فرض رؤيتها ويعمل النقابيون على تحقيق أفضل النسب الممكنة.

لكن الجولات الأخيرة لم تفض إلى حل وما تزال الحكومة تصر على مقترحها وهو ما جعل الاتحاد يدعو إلى "التعبئة العامة". فبعد تجمع أساتذة التعليم الثانوي يوم السبت 1 أكتوبر الماضي قرر اجتماع مجمع الوظيفة العمومية الدعوة إلى تجمع عام يوم 14 أكتوبر لأعوان الوظيفة العمومية في تونس الكبرى لإطلاعهم على نتائج المفاوضات ومن الممكن حسب الأخبار المتوفرة أن تنعقد تجمعات مماثلة في كل من صفاقس والقيروان.

وعلى خلفية هذه المستجدات جرت لقاءات جمعت الأمين العام للاتحاد بالوزير الأول وبوزير الشؤون الاجتماعية خلال الأسبوع الأول من هذا الشهر وينتظر أن يلتقي الوزير الأول وفدا مــن المكتب التنفيذي أو ربما بكامل المكتب التنفيذي للاتحاد بغاية تهدئة الأوضاع والبحث عن "حل" لتجاوز الخلاف وتلافي أزمة جديدة في الوضع الاجتماعي.

وبالطبع سيحاول الوزير الأول إقناع قيادة الاتحاد بـ" صعوبة الظرف الاقتصادي" نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات واشتداد وتائر المزاحمة في قطاع النسيج وما إلى ذلك من الأسباب التي تركز عليها الحكومة في كل مرة لتحمل تبعات "الصعوبات الاقتصادية" للشغالين متخلية عن الخطاب الذي تسوقه للرأي العام المحلي والجولي والذي تفاخر فيه "بالمعجزة الاقتصادية" و"النموذج التنموي التونسي". لكن السؤال المطروح هو إلى أي مدى سيقبل المكتب التنفيذي للاتحاد بمثل هذه "الأغنية" القديمة الجديدة؟

إنّ الزيادات الهزيلة التي تقترحها الحكومة لن ترضي عموم النقابيين والقواعد العمالية والقبول بها من شأنه أن يوتر الجو النقابي الداخلي ويخلق للقيادة مصاعب هي الآن في غنى عنها خاصة وهي مقدمة على مؤتمر وطني بعد بضعة أشهر من الآن. إلى جانب ذلك ليس خافيا على القيادة مساعي السلطة في المدة الأخيرة لزعزعة الوضع النقابي الداخلي جراء " تساهل " القيادة حيال جملة المواقف التي اتخذها الاتحاد من عدة قضايا بصورة مناوئة للسلطة آخرها رفض الدخول في مجلس المستشارين.

لكن رغم هذه المعطيات فإنه من غير المستبعد أن تكون الدعوة " للتعبئة العامة " مجرد عملية تسخين دأبت عليها البيرقراطية النقابية في تونس حتى في عهد السحباني رغم موالاته غير المشروطة للنظام. ونتذكر جميعا دعوة السحباني لتجمعات الوظيفة العمومية أو القطاع الخاص للضغط على الطرف الحكومي والأعراف لتحسين شروط التفاوض ثم سرعان ما ينقلب على تلك التجمعات ويعقد صفقة الزيادات بصورة فوقية وحتى بصورة مفاجئة للقطاعات وللهياكل النقابية مقدما ذلك على أنها " لفتة كريمة " من سيادته لفائدة الشغالين الذين يكن لهم "حبا خاصا".

لقد كانت المفاوضات حول الزيادة في الأجور مناسبة لمثل هذه المسرحيات والمناورات وكثيرا ما كانت نتائجها حصيلة مفاهمات فوقية لا تعكس حاجيات وانتظارات القواعد لذلك أطلق عليها العمال اسم "زيادة الحاكم".

وكي لا تكون هذه الزيادات مرة أخرى " زيادة الحاكم " سيكون من مصلحة القيادة النقابية تشريك القواعد العمالية في هذه المفاوضات واستشارتها دوريا حول النتائج التي تتوصل إليها الوفود التفاوضية وعدم الاكتفاء بندوات الإطارات والوفود التفاوضية لأن ذلك وحده من شأنه أن يعيد للاتحاد وللمفاوضات الاجتماعية المصداقية المفقودة ويفشل مناورات السلطة على مطالب العمال وعلى المنظمة النقابية.

وفوق ذلك كله أفلم يحن الوقت بالنسبة إلى القواعد النقابية والنقابيين والقواعد العمالية أن يفكوا أغلالهم ويتحرروا من هذه المفاوضات الاجتماعية الدورية التي تحدد شروطها الحكومة وتحرم الشغالين والأجراء من الدفاع عن حقوقهم المادية والمعنوية متى شعروا بضرورة لذلك ووفقا لشروطهم هم.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني