الصفحة الأساسية > البديل النقابي > مطلوب موقف شجاع
مطلوب موقف شجاع
16 أيلول (سبتمبر) 2009

مرة أخرى يحال عدد من النقابيين على لجنة النظام ويضرب سيف التعسف هذه المرة في جهة صفاقس ليطال ثلاثة نقابيين من قطاع التعليم الثانوي هم الإخوة منصف بن حامد ونبيل الحمروني ومحمد البكوش بعد أن كان قد طال عددا من نقابيي تونس والقصرين وقفصة.

ومرة أخرى يحصل مثل هذا التطور الخطير في دلالاته وأبعاده بمبرر التصدي "لتجاوزات" صدرت عن نقابيي الجهة بمناسبة إحياء ذكرى أحداث 5 أوت. والحقيقة أن إقدام الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس وإصراره على المضيّ قدما في معاقبة الإخوة المذكورين لا يفسره سوى الإمعان في منع حرية التعبير داخل الاتحاد لأن الأفعال المنسوبة للمحالين الثلاثة تتعلق في عمومها بما يتصل بحق التعبير بهذا الشكل أو ذاك ومنها رفع شعارات نقابية تعبر عن وجهة نظر تختلف عما يعتقد فيه الكاتب العام للاتحاد الجهوي ومن لف لفه.

إن الشعارات التي رفعت أثناء مسرة وتجمع أوت بصفاقس، مهما كانت حدّة لهجتها، كالقول مثلا "يا حشاد شوف شوف الخيانة بالمكشوف" هي في صلب موضوع حق التعبير وحق الاختلاف في التقييم لأداء المنظمة والقيادة وهذا الهيكل أو ذاك.

لذلك فإن التعاطي معها على سبيل اعتبارها من الكبائر التي وجب القصاص منها بأشد ضروب العقاب يعني أن الرأي المخالف في الاتحاد أصبح من الممنوعات وأن كل من تحدثه نفسه التعبير عن رأي مخالف لرأي من هو في موقع المسؤولية جهويا أو وطنيا في الاتحاد إنما يأتي بأفضع درجات التطاول والاستهتار والتعدي على المنظمة لذلك حق بل وجب إحالته على لجنة النظام لمساءلته أو تجميده أو تجريده.

والخطر كل الخطر أن يتحول هذا المنطق إلى مرجعية عمل وتنظيم وعلاقات داخل الاتحاد إذ لن يجني منه إلا التراجع والانقسام والضعف. وحري بالقيادة التي لازمت الصمت حتى الآن حيال ما يجري في صفاقس أن تعي أن المضي في هذا الاتجاه خطر على الاتحاد وعليها هي بالذات. وحري بها أن تتذكر أن حملات التعسف الداخلي التي شهدها الاتحاد منذ حملة طرد نقابيي الثانوي على يد الزعيم النقابي الراحل الحبيب عاشور في السبعينات مرورا بحملة التجريد شهر ماي 1984 على يد الأخ عبد السلام جراد وخلال التسعينات على يد السحباني وثلة من أعضاء القيادة الحالية وصولا إلى حملة التعسف خلال الصائفة قبل الماضية على يد الأخ علي رمضان لم تتوصل إلى "تطهير" الاتحاد من أصحاب الرأي المخالف ولن يتسنى لها ذلك أبدا مهما فعلت القيادة.

على القيادة أن تذعن للحقيقة بأن الاتحاد هو فعلا إطار للتنوع والاختلاف والاجتهاد والصراع الديمقراطي بين الآراء والمقاربات وكلما أحكم الاستفادة من هذه العوامل ازداد قوة وتصلبت وحدته أكثر وكلما حاولت قيادته الارتداد عن ذلك إلا وضعفت صفوفه وتحول إلى طاحونة تتآكل مكوناتها الداخلية وأصبح مهددا بالانقسام وبالهجوم عليه من الخارج.

ما من شك أن الصراع لا يعني الثلب والتهجم وهتك الأعراض ولكن سلوكات الغطرسة التي توحي بأن النافذين في القيادة يتصرّفون خارج القانون والمنطق وكأنهم يتصرّفون في ضيعة خاصة هي التي تتسبب في الانفلاتات والتجاوزات.

ففي قضية الحال بادر السيد محمد شعبان الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل باستعمال العنف وبتنظيمه والإشراف عليه والأمر بتنفيذه ضاربا عرض الحائط أساليب الصراع الديمقراطي.

لذلك كان على القيادة لا فقط منعه من إحالة النقابيين على لجنة النظام بل إحالته هو لما قام به من تجاوزات لقانون المنظمة ومن تعديات على الحق النقابي (تعنيف نقابيين، طرد نقابيين من التواجد بدار الاتحاد وبالمقهى المجاور، مضايقة نقابيين في الشارع وتهديدهم بالعنف...). أفلا تكفي هذه الأفعال ليحال الكاتب العام للاتحاد الجهوي على لجنة النظام؟ ثم ألم تسارع القيادة في إحالة نقابيين من جهات أخرى لمجرد أن بلغتها شكاوى تتهمهم باستعمال العنف لتتخذ فيهم قرارات التجميد كما جرى في سليانة مثلا؟

لا معنى للقانون إذا لم يسر على الجميع.

لذلك فإن التغاضي على مثل هذا الوضع، وغض النظر عمّا يقوم به الكاتب العام الجهوي هو تشجيع على خرق القانون وتشريع لدوس الحقوق النقابية وهذا من شأنه أن يبرر لضحايا هذا المنطق أن يدافعوا عن أنفسهم بشتى الطرق المتاحة.

وإني شخصيا إذ أضم صوتي لكل الذين هبوا للاحتجاج على مثل هذه الطرق لأعبّر عن مساندتي التامة لضحايا التعسف في صفاقس وفي مقدمتهم الإخوة الثلاثة بن حامد والحمروني والبكوش، فإني أرى أنه من واجب المكتب التنفيذي الوطني أن يتحمّل مسؤولياته في وضع حد لتجاوزات الكاتب العام الجهوي واتخاذ الإجراءات القانونية تجاهه بما في ذلك إحالته على لجنة النظام لمساءلته واتخاذ القرارات اللازمة ضده.

إن الكلام الكثير والكبير الذي سمعناه وقرأنا عنه في خطب الإخوة أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد بمناسبة المؤتمرات الأخيرة حول الديمقراطية وان "الاتحاد منظمة الجميع ومفتوحة للجميع" وما إلى ذلك من الآيات البيّنات ليس لها من معنى إذا لم يترجمها المكتب التنفييذي اليوم في موقف شجاع وإلا فإن هذا الكلام سيكون صورة من الديماغوجيا المفتضحة التي تقنع أحدا ولا تستر حقيقة الممارسات الخرقاء.


جيلاني الهمامي
نقابي – جامعة البريد سابقا


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني