الصفحة الأساسية > البديل النقابي > معركة التوريث ومخاطرها
الاتحاد العام التونسي للشغل:
معركة التوريث ومخاطرها
27 كانون الأول (ديسمبر) 2006

كان متوقعا أياما قبل المؤتمر أن يتولى السيد علي رمضان الإشراف على قسم النظام الداخلي وقد صرح نقابي من جهة صفاقس في اليوم الأول من أيام المؤتمر أنه قد تم إعداد سيناريو كامل للمستقبل سيتولى بمقتضاه عبد السلام جراد الأمانة العامة للاتحاد لبضعة أشهر فقط أو على الأكثر لسنة وسيتولى علي رمضان قسم النظام الداخلي ثم يتخلى جراد عن الأمانة العامة لعلي بن رمضان طواعية بدعوى المرض أو أية تعلّة أخرى في ما أسماه البعض توريثا للقيادة النقابية بين أصيلي قرقنة. وبغض النظر عن صحة هذه المعلومات أو خطئها فإن إحساس عام ساد لدى النقابيين بأن أمرا ما يجري فعلا "لتوريث" القيادة في"القراقنة" لذلك رفع شعار "لا توريث ولا تمديد والعزيمة من حديد" بكثافة داخل قاعة المؤتمر وخارجه وخاصة عند نقاش نقطة دورتي المسؤولية في المكتب التنفيذي.

وقد تبين بعد الإعلان عن نتائج التصويت وفوز علي رمضان بمقعد في القيادة الجديدة وتوليه مسؤولية النظام الداخلي أن ما تداولته الأخبار حول مشروع توريث الأمانة العامة ليس مجرد تخمين بل هو احتمال قريب جدا من الصحة وما إصرار علي رمضان على "افتكاك" قسم النظام الداخلي إلا مقدمة لوضع هذا الاحتمال موضع تنفيذ حالما يحين أجله. هذا هو الاستنتاج الذي انتهى إليه الكثير من النقابيين خاصة في أوساط الذين وقفوا ضد الحلف الذي ألّفه علي رمضان طوال الفترة التي سبقت المؤتمر.

واليوم وقد بات الأمر على ما هو عليه، يتلقى العديد من النقابيين هذه التطورات بكثير من الخشية والتوجس على خلفية ما راج حول مشروع التوريث، لذلك بدأت بعض القراءات تظهر بين النقابيين حول معارك الغد واتجاهات تطور الصراعات النقابية المقبلة.

يذهب البعض إلى الجزم بأن علي رمضان سيشن حملة تصفية ضد كل الذين وقفوا في وجهه قبل مؤتمر المنستير ليتخلص منهم ترتيبا للأمور في أفق تمرير الأمانة العامة لصالحه دون متاعب. ومن المرشح أن تطال هذه العملية ما يسمى بكتلة الشمال أي الاتحادات الجهوية بتونس واريانة ومنوبة وبنزرت والكاف إضافة إلى جهة قابس وبعض الهياكل القطاعية مثل المالية والصناديق الاجتماعية. وسيتحتم على مسؤول النظام الداخلي الجديد الانتظار لبضعة أسابيع وحتى أشهر قبل الشروع في حملة تصفية خصومه ولكي لا تفتضح نواياه بسرعة ومبكرا عسى أن "تتلاشى" بفعل الزمن رهانات المؤتمر والأحقاد التي خلفتها وينفرط صف القطب الذي تشكل ضده وبذلك تسهل عملية القضاء على خصومه. أما الأمر الثاني الذي قد يتعين عليه التزامه هو اختيار الحلقة الأضعف للبدء في حملته أي سيتعين عليه ترتيب أولوياته حسب قوة وتماسك الهياكل المقصودة بالهجوم والتصفية. فمن غير المجدي مثلا البدء بالاتحاد الجهوي بتونس أو الاتحاد الجهوي ببنزرت نظرا لحجم كل منهما حتى وإن كانا يعتبران رأس الحربة. فالخطة قد تتطلب حنكة "عسكرية" حقيقية تضمن عزل الحلقات الضعيفة وقطع كل طرق الدعم عنها وتحييد الحلقات القوية ريثما تحين ساعة الهجوم عليها بعد أن تكون قد فقدت قواعدها الخلفية وصارت معزولة وقابلة للتفكيك.

قد يتطلب منه ذلك وقتا طويلا وصبرا كبيرا. لذلك يعتقد البعض الآخر أن السيد علي رمضان ربما لن يتوانى عن شن حملته التصفوية بعد أسابيع فقط أو بعد بضعة أشهر على أقصى تقدير خصوصا وأنه سيتعين عليه صرف اهتمامات كبيرة للمؤتمرات القاعدية والجهوية التي ستنطلق ابتداء من مستهل العام الجديد (2007) أي بعد أيام فقط ثم ستتلوها حملة تجديد الجامعات والنقابات العامة والاتحادات الجهوية.

ويعتبر الذين يذهبون إلى تبني هذا التحليل أن صعود بعض العناصر المعروفة بولائها إلى السيد علي رمضان إلى لجنة النظام الداخلي مثل نورالدين الطبوبي الذي انتخب منسقا لهذه اللجنة من المؤشرات الدالة على أن حملة التصفية آتية لا ريب بعدما توفرت كل مستلزماتها.

لكن وبصرف النظر عن صحة هذه المبررات هل سيكون بمقدور السيد علي رمضان – حتى وإن دعمه الأمين العام في ذلك - أن يقدم على هذا المخطط الذي قد يوفر لخصومه دوافع إضافية لمزيد التكاتف والتضامن ويزيد في تمتين أواصر وحدتهم ويقوي جانبهم أكثر ما يضعفه ويعسر عليه بالتالي المهمة أكثر مما ييسرها. ويبدو أن أطراف التحالف المناوئ للسيد علي رمضان على وعي تام برهانات المرحلة القادمة بل أنهم بدؤوا بالاستعداد من الآن لمواجهة الحملة المتوقعة ويجد البعض في ما يحصل داخل المكتب التنفيذي الجديد المنتخب مؤشرات صريحة على نية الشروع بالهجوم المضاد للإعلان على بدء المعركة بصورة مبكرة.

وريثما يتضح اتجاه تطور الأوضاع وحقيقة موازين القوى ولمن ستكون الغلبة يبدو أن مسألة توريث القيادة والتشبث بقرار مؤتمر جربة الذي أيده وثبته مؤتمر المنستير محور الصراع الداخلي في المنظمة النقابية لتعود المسألة الديمقراطية الداخلية إلى صدارة الاهتمامات النقابية تماما كما كانت خلال فترة الثمانينات من القرن الماضي.

وبرغم الأهمية التي تكتسيها هذه الواجهة من النضال النقابي في تونس فإن احتدام الصراع حولها وعلى هذه الخلفية، خلفية رغبة التوريث ورفضها، من الممكن أن يحوّل الصراع حول الديمقراطية النقابية وحول هذه المسألة بالذات إلى مجرد تلهية للنقابيين واستنزافا لجهودهم على حساب العناية بالملفات النقابية الأخرى، هذه الجهود التي ينبغي أن تعبّأ وتصرف لمواجهة تحديات الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المتردي الذي يحيط بالنشاط النقابي وبالمنظمة. فالأجدر بالاتحاد وبقيادته الجديدة أن تنصرف لإعداد العدة لمواجهة انعكاسات العولمة الليبرالية المتبعة في بلادنا على مؤسسة الإنتاج وعلى واقع الشغل والمقدرة الشرائية للعمال وعلى واقع الخدمات العمومية وتردي جميع ظروف المعيشة.

إن إهمال كل هذه القضايا وما سيترتب عنه من مآسي جديدة لمنخرطي المنظمة ولعموم الشغالين لفائدة قضايا أخرى داخلية مثل توريث القيادة يعد في حد ذاته جريمة في حق الشغالين والمنظمة لن يغفرها التاريخ للذين سيكونون سببا في إذكاء نار الصراع حولها. وعلاوة على ذلك فإن الإصرار على إشعال فتيل هذا الصراع من شأنه أن يعرض المنظمة الشغيلة التونسية لكل مخاطر التصدع والانقسام.

لذلك فإن القبول بمقررات المؤتمر الأخير الخاصة بتحديد حق لترشح للمكتب التنفيذي بمرتين فقط، فضلا عن كونه ينمّ عن احترام قانون اللعبة الديمقراطية، فإنه سيمكن الاتحاد من الاستفادة من جهد النقابيين لمواجهة المخاطر القادمة ولتحصين الحركة النقابية ضد التشتت والانخرام. فهل يدرك السيد علي رمضان هذه الحقيقة أم يستمر على نواياه’؟

ملاحظة

تركيبة المكتب التنفيذي المنبثق عن مؤتمر المنستير حسب عدد الأصوات التي تحصلوا عليها:

- محمد سعد: 303 صوتا

- منصف الزاهي: 269 صوتا

- عبد السلام جراد: 243 صوتا

- حسين العباسي: 232 صوتا

- محمد السحيمي: 225 صوتا

- رضا بوزريبة: 224 صوتا

- مولدي الجندوبي: 222 صوتا

- علي بن رمضان: 217 صوتا

- عبيد البريكي: 202 صوتا

- منصف اليعقوبي: 200 صوتا

- محمد الطرابلسي: 194 صوتا

- بلقاسم العياري: 192 صوتا

- محمد شندول: 191 صوتا


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني