الصفحة الأساسية > البديل العالمي > أحياء باريس الفقيرة تشتعل..!
أحياء باريس الفقيرة تشتعل..!
14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005

انفجر الوضع الاجتماعي في فرنسا فجأة وبالخصوص في الضواحي الباريسية الفقيرة والتي يسكنها المهاجرون العرب والأفارقة. وقد كان السبب المباشر لهذا الانفجار وفاة شابين بضاحية "كليشي سو بوا" كانا ملاحقين من طرف البوليس. وقد اتخذ انفجار الأحياء الفقيرة أشكالا عنيفة كالمواجهات مع البوليس وحرق مئات السيارات والحافلات والمغازات التجارية ومراكز الأمن وكل ما يرمز للثراء وللسلطة.

ومن الأسباب التي غذت هذا الانفجار وزادت في حدته التصريحات الاستفزازية التي أدلى بها وزير الداخلية اليميني المتطرف والمدافع الشرس عن النهج النيوليبرالي "نيكولا سركوزي" يومين قبل وفاة الشابين وبمناسبة زيارته لإحدى ضواحي باريس. فقد وصف الشباب المفقر والمهمش لضواحي باريس الفقيرة بـ"الحثالة" التي ينبغي التخلص منها طبعا!

وهو ما دفع إلى ردة فعل أعنف وأجج الحركة وجعلها تنتشر إلى مدن فرنسية أخرى حتى أصبحت تهدد بالتوسع لتشمل كامل التراب الفرنسي وربما كامل أوروبا (ألمانيا، بلجيكا...).

وقد بلغت قوة هذه التحركات حدا جعل الآلة القمعية البرجوازية الفرنسية عاجزة عن التصدي لها رغم استنفار كل أجهزتها القمعية. واضطرت حكومة سركوزي إلى فرض حظر التجوّل في بعض الأماكن الملتهبة ومنع التجمعات ووضع فرنسا تحت حالة طوارئ وحصار بوليسي لم تعرفه منذ نصف قرن.

إن تواصل الاضطرابات واتساعها يفنّد ادعاءات الحكومة الفرنسية وأذنابها بأن من يقف وراءها هم قلة من المجرمين (زعماء المافيا وتجار المخدرات) وبعض المهاجرين غير الشرعيين... إن الحركة أوسع من ذلك وهي تشمل الفئات المهمشة من الشعب الفرنسي وخاصة أولائك المنحدرين من أصول إفريقية وعربية والذين يعانون من الحيف الاجتماعي والميز العنصري وعدم التساوي في فرص الشغل، إلخ.

وقد حاولت الأحزاب اليمينية والعنصرية في فرنسا إعطاء طابع ديني وعرقي للاحتجاجات من خلال الادعاء بأن السبب الرئيسي لها هي "الهجرة غير الشرعية" وأن من يقف وراءها هم من "المهاجرين وخاصة من المسلمين والعرب"، وهو كلام يمكن أن يدفع بفرنسا نحو حرب أهلية وطائفية لا أحد بإمكانه توقع نتائجها الوخيمة.

ومن الواضح أن الهدف من مثل هذا الكلام هو تبرئة الحكومة الفرنسية بصفة خاصة والنظام الرأسمالي بصفة عامة من مسؤوليته الكاملة عن هذه التحركات، وتحميلها لضحايا هذا النظام. فالأسباب الحقيقية التي أدت إلى إشعال الحريق تكمن في جوهر النظام النيوليبرالي الذي يقود فرنسا حاليا، وهذه الاحتجاجات العنيفة هي النتيجة المنطقية لهذه السياسة، وهي تعتبر محاكمة لهذا النظام الاجتماعي والاقتصادي المبنيّ على الاستغلال الطبقي والتفاوت بين الجهات والميز العنصري.

إن ما يجري في فرنسا حاليا هو حلقة أخرى من حلقات أزمات النظام الرأسمالي العالمي في نسخته الأكثر وحشية. وهو تعبير على أن شعوب العالم بدأت تخرج من سباتها وغفوتها بعد الهجوم الشرس على عدو الرأسمالية والبرجوازية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي (البديل الاشتراكي). والأكيد أن دائرة الاحتجاجات ستتسع وستشمل أماكن أخرى من العالم. وما على القوى الثورية والتقدمية في العالم من نقابات ومنتديات اجتماعية وأحزابا ومنظمات سوى النزول من الربوة والالتحام بالجماهير الغاضبة وقيادتها وتوجيهها وتسليحها ببرنامج سياسي يقطع مع العفوية ويؤطر الاحتجاجات ويبعدها عن الفوضى ويصهرها في اتجاه حركة شعبية ذات مطالب اجتماعية واضحة تضع النظام الرأسمالي برمته في زاوية الإدانة تمهيدا للقضاء عليه نهائيا وإقامة البديل الاشتراكي.

إن الوقت مناسب أمام القوى الثورية والتقدمية لعكس الهجوم وإعادة الاعتبار للفكر الثوري وللثورات الاجتماعية التي كرست البرجوازية كل جهودها من أجل تشويهها والقضاء عليها والادعاء بأن عصرها قد ولى بدون رجعة.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني