الصفحة الأساسية > البديل الوطني > رد المضربين عن الطعام على اتهامات السلطة
رد المضربين عن الطعام على اتهامات السلطة
26 تشرين الأول (أكتوبر) 2005

عقد المضربون عن الطعام منتصف نهار هذا اليوم الأربعاء 26 أكتوبر 2005 ندوة صحفية حضرها ممثلو أهم وكالات الأنباء العالمية المعتمدة في تونس وعدد غفير من المناضلات والمناضلين من مختلف النزعات الفكرية والسياسية إضافة إلى عدد من أعضاء اللجنة الوطنية لمساندة المضربين. وقد ترأس هذه الندوة السيد لطفي الحجّي وهو أحد المضربين. وقد تناولت مواضيع ثلاثة وهي: أولا الحركة التضامنية في تونس والخارج مع المضربين، ثانيا الحالة الصحية للمضربين وفقا لتقرير اللجنة الطبية التي تتابعهم وثالثا الرد على الاتهامات الواردة في خطاب أعلى هرم السلطة بمناسبة اختتام أشغال اللجنة المركزية للحزب الحاكم يوم السبت 22 أكتوبر 2005. وكانت هذه الندوة فرصة قدمت خلالها السيدة سناء بن عاشور رئيسة اللجنة الوطنية لمساندة المضربين أهداف هذه اللجنة ومهامها وتركيبة المكتب المضيق الذي سيتولى متابعة إنجاز هذه المهام.

وفي ما يلي نص الرد على اتهامات السلطة الذي قدمه باسم المضربين السيد حمه الهمامى:

بداية أشكركم علي حضوركم وأشكر الصحفيين الحاضرين خاصة على ما يقومون به من مجهود لإعلام الرأي العام خصوصا وأنكم تعلمون أن وسائل الإعلام المحلية تجاهلت الإضراب الذي نخوضه منذ يوم 18 أكتوبر 2005.

أما في خصوص رد فعل السلطة، وهو موضوع تدخلي باسم رفقائي، فيمكن القول إنها واجهت الإضراب منذ البداية بمحاصرة المقر الذي يجري فيه. وقد منع أعوان الأمن لمدة 24 ساعة الزوار من الوصول إليه واعتدوا على الأطباء الذين جاؤوا لفحصنا وردوهم على أعقابهم. كما أنهم اعتدوا على مجموعات من الشباب الطلابي سعت إلى فك الحصار والوصول إلي مقر الإضراب. ولم يرفع الحصار إلا في اليوم الثاني من الإضراب أي يوم الأربعاء الماضي، ومع ذلك فأنتم تلاحظون أن أعوان الأمن موجودون بكثافة في محيط المقر، يتفرّسون في وجوه الزوار ويسجلون أسماءهم ويحاولون ترهيبهم لثنيهم عن الدخول. وقد عمد ليلة البارحة ثلاثة أعوان بالزي المدني إلى الاعتداء بشكل فظيع على المناضل الطلابي غسان بن خليفة بعد خروجه من مقر الإضراب مخلفين له آثارا في وجهه ورأسه.

وفي نهاية الأسبوع المنقضي، وتحديدا يوم السبت 22 أكتوبر 2005، جاء الرد على تحركنا من أعلى هرم السلطة بمناسبة اختتام أشغال اللجنة المركزية للحزب الحاكم. فمن دون ذكرنا بالاسم وُصفنا بـ"قلة من المناوئين" واُتّهمنا بـ"محاولة الإساءة" إلى البلاد بمناسبة انعقاد قمة المعلومات في منتصف نوفمبر القادم. كما اُتّهمنا باتباع طرق لا صلة لها بـ"طرق العمل السياسي السليم" الذي يقتضي، حسب الخطاب، "مقارعة البرامج وتقديم البدائل". وفي النهاية تم التذكير بأن القانون سيطال كل من "يتطاول عليه أو يتجاهله".

ويهمنا كمعنيين مباشرة بهذه الاتهامات إبداء الملاحظات التالية ردا عليهم:

1- إن الاتهامات الموجهة إلينا وردت في اختتام أشغال اللجنة المركزية للحزب الحاكم وهو ما يؤكد استمرار الخلط في أعلي هرم السلطة بين المهام في الدولة والمهام في الحزب الحاكم. ومثل هذا السلوك لا يحصل عادة في نظام ديمقراطي، وفي دولة يُحترم فيها القانون والمؤسسات، وبالتالي يلتزم فيها رئيس الدولة الحياد إزاء الأحزاب ويمتنع عن التحدث باسم حزبه، بل إن مثل هذا السلوك لا نراه إلا في أنظمة الحكم الفردي التي يُمركِز فها شخص واحد كافة السلطات ويختلط الحزب الواحد بالدولة.

2- إن المضربين عن الطعام وهم من رموز المجتمع المدني والسياسي ليسوا في حاجة إلي شهادات لإثبات وطنيتهم أو تأكيدها. لكن دعونا نقول إن الذين يضربون عن الطعام ويعرّضون صحتهم للخطر كما الذين يُعَذّبون أو يسجنون أو يشرّدون أو ينفون من وطنهم ويقدّمون التضحيات الجسام من أجل حريته واستقلاله وتقدمه وتَمتّع شعبه بالديمقراطية هم فعلا وطنيون حقيقيون وليسوا "قلة من المناوئين" كما جاء في الخطاب المذكور.

ولا ننسى أن الذين قاوموا بالأمس الاستعمار كانوا يُوصفون هم أيضا بـ"الإرهابيين" و"المخربين" ولكن الشعب التونسي كان يرى فيهم خير ما أنجب . ونحن يكفينا اليوم فخرا ما نلقاه من تعاطف ومساندة من قبل كافة القوى الديمقراطية والوطنية في بلادنا ومن قبل المواطنين والمواطنات أيضا في العاصمة وفى مختلف الجهات.

3- إن الاستبداد هو عين الإساءة للوطن، يُضعفه ويشلّ طاقاته ويهدّد مناعته. وبشكل أوضح نقول إن قمع الحريات الأساسية والممارسة المنهجية للتعذيب وتنظيم المحاكمات الجائرة والزج بالآلاف من بنات تونس وأبنائها في السجن وتزوير الانتخابات وتنصيب مؤسسات لا تمثيلية لها وممارسة الوصاية على القضاء واستشراء الفساد في غياب أي شفافية وأي محاسبة جدية هو الذي أساء ويسيء لتونس ويجعل التقارير الدولية تشير إليها بالإصبع وتصنفها ضمن الدول الأكثر تخلفا من الناحية السياسية في العالم.

وفوق ذلك ودائما في حدود التهمة الموجهة إلينا يحقّ لنا أن نتساءل: من وجّه الدعوة إلى مجرم الحرب أرييل شارون لزيارة تونس بمناسبة القمة العالمية لمجتمع المعلومات؟ ومن قرّر المشاركة في المدّة القادمة في مناورات عسكرية بالمنطقة إلى جانب إسرائيل؟ ومن يستقوي بالأجنبي على قوى المجتمع المدني في تونس لضمان بقائه؟ نحن أم نظام الحكم؟! لذلك نقول كفى مزايدة بالوطنية، وكفى خلطا بين الوطن وبين السلطة. إنّ الوطن هو وطن الجميع. أما السلطة القائمة فهي سلطة حزب ظل يحتكرها بطرق غير مشروعة منذ نصف قرن. ولا يمكن اعتبار نقدها أو معارضتها تحاملا على الوطن بل هو حق مشروع لكل مواطنة ومواطن لا يمكن انتهاكه بأي تعلّة كانت.

4- أما في خصوص تهمة عدم احترام "قواعد العمل السياسي السليم" فبودنا أن نوضح بداية أن إضراب الجوع يمثل وسيلة من وسائل النضال السياسي السلمي المعروفة، وليس بدعة ابتدعناها أو عملا خارجا عن قواعد العمل السياسي. هذا من جهة ومن جهة أخرى كيف يتهمنا أعلى هرم السلطة بأننا لا نتبع "طرق العمل السياسي السليم" والحال أن من بين دوافع إضرابنا عن الطعام هو المطالبة بتوفير شروط عمل سياسي حقيقي في تونس مؤسس على الحرية والديمقراطية التي يتمكن في ظلها كل طرف من التعبير عن آرائه وبرامجه وبدائله وعرضها على الشعب والاحتكام إليه عبر انتخابات حرة وديمقراطية ونزيهة.

نحن نتهم السلطة بضرب قواعد العمل السياسي السليم لضمان بقائها وذلك باتباع نهج أمنى قمعي في معالجة كافة القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية ومنع قيام نقاش حر وديمقراطي حولها وتنافس حقيقي لإيجاد الحلول لها وعرضها على المواطنات والمواطنين.

5- أخيرا، في خصوص التهديد بتطبيق القانون على من يتطاول عليه أو يتجاهله، يحقّ لنا مرة أخرى أن نتساءل: من يتهم من بعدم الالتزام بالقانون في هذه البلاد؟ هل التزمت السلطة بالقانون حين صادرت مقر جمعية القضاة وأطردت ممثليها الشرعيين ونصّبت محلّهم جماعة في خدمتها؟ وهل احترمت القانون حين منعت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من عقد مؤتمرها الوطني السادس ومضت تلاحق كوادرها في مختلف أنحاء البلاد وتمنعهم من الاجتماع بمقرات الفروع وتعتدي عليهم؟ وهل احترمت أيضا القانون حين منعت نقابة الصحفيين من عقد مؤتمرها والحال أن الفصل الثامن من الدستور يقر حرية التنظّم النقابي ولا يربط ممارستها بأي ترخيص؟ طبعا لا. وجميعكم يعلم أن كلمة "القانون" استبدلت في تونس بكلمة "التعليمات". فكلما وُوجه أعوان الأمن السياسي بأنهم ينتهكون القانون كان جوابهم: "نحن نطبق التعليمات" أو هذه "أوامر آتية من فوق".

نحن نعتبر أن القانون ليس سلاحا يُشهَر في وجه الخصوم حين يطالبون بحقوق أو يبادرون بممارستها وينتهك حين يتعلق الأمر بالتزام السلطة تجاه المواطنين، وإنما القانون، ونعني هنا القانون العادل، أداة لحماية الحقوق والحريات من الانتهاك مهما كان مصدره، الأفراد أو الجماعات أو مؤسسات الدولة.

إن المضربين هنا عن الطعام هم ممن يناضلون من أجل إقامة دولة قانون تضمن لكافة المواطنات والمواطنين حقوقهم وتكفل لهم حريتهم وتحميهم من الانتهاكات.

وفي الختام أجدّد لكم الشكر باسم كافة رفقائي المضربين.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني