الصفحة الأساسية > البديل النقابي > اتحاد الشغل ومعركة الحرية: أي دور؟
اتحاد الشغل ومعركة الحرية: أي دور؟
14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005

لا شكّ أن المتتبع لمجريات الأمور في الساحة النقابية يلاحظ خلال الأشهر الأخيرة أن قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل اتخذت بعض المواقف الإيجابية لعل أبرزها الموقف الرافض لدعوة شارون إلى زيارة تونس بمناسبة انعقاد قمة المعلومات وكذلك الموقف الرافض للمشاركة في مجلس المستشارين حسب الصيغة الحكومية. وقبل ذلك عبّرت بعض العناصر في الهيئة الإدارية الوطنية عن رفضها تزكية ترشيح بن علي لمدة رئاسية رابعة. ومن الواضح أن جميع هذه المواقف لها علاقة مباشرة بالسياسة التي تنتهجها المجموعة المغتصبة للحكم في بلادنا. لذلك استبشر البعض بهذه المواقف آملا في ترسخها وعاملا على دفعها حتى تتحول إلى منحى جديد يقطع مع خط التهادن والتبعية التي طبعت دعاوي "التطبيع النقابي" (قبل مؤتمر جربة وخلاله) للجماعة التي كانت ملتفة حول إسماعيل السحباني طيلة عشرية كاملة (التسعينات من القرن الماضي) وانقلبت عليه خلال صائفة 2000. إلا أن المدة الأخيرة أظهرت أن جماعة "التصحيح النقابي" بدأت "تتراجع" عن تلك المواقف وعادت إلى أحضان سلطة 7 نوفمبر مستبشرة ومشيدة بكل "التفاتة كريمة" من طرف "صانع التغيير" و"راعي مصالح الشغالين"! والخطير أن هذا "التراجع" يحدث في ظرف دقيق يتطلب وقوف كل القوى الحية المناهضة لسياسة القمع والتطبيع التي تنتهجها السلطة الغاشمة ضد مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب المستقلة المتطلعة للحرية والرافضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني.

فما الذي تغير في سياسة السلطة حتى تتراجع قيادة الاتحاد العام على سبيل المثال عن رفض زيارة شارون أو من ينوبه لبلادنا بما أن أبرز موقف سجل لها هو رفضها لتلك الزيارة ودعوة الحكومة للتراجع عنها؟ هل كانت الزيادات المترتبة عن مفاوضات اجتماعية دارت في "جو متوتر" كافية إلى الحد الذي دفع القيادة النقابية إلى إعادة الربط مع خطها العام المهادن لسياسة السلطة والمشيد بـ"إنجازاتها"؟ وما الذي جعلها لا تنبس ببنت شفة تجاه إضراب الجوع الذي حرك السواكن واستنهض الهمم؟ هل كانت تلك المواقف الإيجابية عبارة عن استثناء في مسار الخط النقابي العام المهادن والتابع لسياسة السلطة عموما وخاصة منذ قيام الانقلاب في 7 نوفمبر 1987؟ هل يحجب عنا "تراجع" القيادة النقابية المركزية رؤية المواقف الثابتة لبعض الهياكل الجهوية والقطاعية ذات الصلة بالقضايا القومية وبمعركة الحرية الداشرة منذ 18 أكتوبر 2005؟

هشاشة المواقف الإيجابية: المستندات والدوافع

إن هشاشة المواقف الإيجابية المشار إليها في مطلع هذا النص تعود إلى طبيعة الخط النقابي العام الذي تنهل منه القيادة النقابية الحالية كسابقاتها وتستند إليه في تسيير المنظمة النقابية وفي تحديد مواقف القيادة من المسائل النقابية والتحركات العمالية البارزة الشيء الذي يجعلها تتناقض مع طموحات وهموم الشغالين بصفة عامة وتتباين مع مواقف بعض الهياكل الجهوية والقطاعية التي تأبى الخضوع لسياسة المهادنة وتتمثل طموحات الشغالين وهمومهم المتفاقمة باستمرار.

إن الاستناد إلى الخط النقابي العام المهادن لسياسة السلطة في المجال الاقتصادي والاجتماعي وعلى مستوى النهج السياسي العام الذي جعل الأمين العام يتراجع خلال مؤتمر جربة عن تصريحه السابق لذلك المؤتمر والمتعلق بمساندة مطلب العفو التشريعي العام. وهو الذي يفسر محاولات القيادة النقابية الالتفاف على بعض مقررات مؤتمر جربة ومنها قرار الإضراب المساند للانتفاضة الفلسطينية، فضلا عن قرار مساندة إضراب المحامين ليوم 7 فيفري 2002 حيث استنكفت القيادة النقابية عن مساندة تحركات القطاع اللاحقة ومواقف هياكله من الهجوم الذي شنته السلطة قصد إرباكه وتطويعه وضرب استقلاليته: وهو ما يفسر أيضا صمت القبور الذي لازمته القيادة تجاه الهجوم على جمعية القضاة ونقابة الصحفيين والتخاذل الذي اقترفته نفس القيادة تجاه الهجوم الشامل والشرس ضد الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان منذ المؤتمر الخامس وخاصة منذ الإعلان عن عقد العام للاتحاد بكونه لا يملك أية صلاحية للترفيع في مؤتمرها الوطني السادس في كنف الاستقلالية ورفض الابتزاز السياسي. فقد تراجع المكتب التنفيذي عن قرار توفير مقر (نزل أميلكار) لعقد المؤتمر. وهو التراجع الذي اضطر قيادة الرابطة إلى إعلان "استحالة" عقد المؤتمر الوطني في تاريخه المحدد ليوم 9 سبتمبر الماضي. وإن استناد القيادة النقابية إلى صدور حكم "قضائي" (سياسي في الحقيقة) "يعلق أشغال المؤتمر" لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يبرر ذلك التراجع وهي تعلم حقيقة الصراع الدائر بين السلطة وقيادة الرابطة. كما أن نفس الخط التهادني العام للقيادة النقابية هو الذي يفسر تراجعها عن موقفها الرافض لزيارة الوفد الصهيوني إلى بلادنا إذ رفضت الإمضاء على برقية الإضراب الذي قررته النقابة العامة للتعليم الثانوي والنقابة العامة للتعليم الأساسي يوم 10 نوفمبر الجاري. فقد مارست ضغوطا كبيرة على النقابتين لثنيهما عن تنفيذ الإضراب مما عسّر مهمة هياكل القطاعين في تعبئة القواعد لإنجاح الإضراب وسهّل بالمقابل مهمة البوليس في محاصرة بطحاء محمد علي بتونس العاصمة ومنع عديد العمال والمناضلين من الوصول إلى تلك البطحاء لولا تضامن المتجمّعين مع من منعتهم قوات البوليس وإصرارهم على تمكينهم من حقهم في التجمع.

فكيف يمكننا والقيادة النقابية على هذه الحالة انتظار مساندتها –ولو باحتشام وبصفة شكلية- لإضراب الجوع الذي تخوضه منذ 18 أكتوبر الماضي قيادات بعض الأحزاب والجمعيات المستقلة من أجل الحرية السياسية؟ إن عزاء الحركة الديمقراطية بصفة عامة وحركة 18 أكتوبر بالخصوص يكمن – في علاقة بسند الحركة النقابية لقضية الديمقراطية – في المواقف الثابتة والجريئة لبعض الهياكل النقابية الجهوية والقطاعية المنحازة إلى معركة الحرية في بلادنا.

ضرورة الربط المتين بين قضايانا القومية ومعركة الحرية في بلادنا: الهياكل النقابية المستقلة مدعوة لمزيد تفعيل مساندتها لمعركة الحرية.

إن بعض الاتحادات الجهوية للشغل وفي مقدمتها الاتحاد الجهوي للشغل بجندوبة والاتحاد الجهوي للشغل بالقيروان ما فتئت تلعب دورا مهما في مساندة قضايا الحرية في بلادنا سواء من خلال تحمّل المسؤولية داخل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أو الانخراط فيها أو مواكبة أنشطتها ومساندة مواقفها (عبر البرقيات وبيانات المساندة) أو المشاركة في تظاهراتها وتجمعاتها، أو بفتح فضاءات الاتحادات الجهوية لبعض أنشطة فروع الرابطة. كما أن بعض القطاعات النقابية كالنقابة العامة للتعليم الثانوي والنقابة العامة للتعليم الأساسي وبعض هياكلها الجهوية بادرت بإصدار بيانات المساندة لإضراب الجوع ولحركة 18 أكتوبر وكلفت قواعدها بزيارة المضربين عن الطعام للشدّ على أياديهم بصفة مباشرة. ودعت هياكلها الأساسية لقراءة بيان المضربين عن الطعام الموجه للأساتذة والمعلمين خلال إضرابهم يوم 10 أكتوبر 2005 تنديدا واحتجاجا بزيارة الوفد الصهيوني إلى بلادنا. كما تولت قيادة التجمع ببطحاء محمد علي قراءة نفس الرسالة على المتجمعين الذين صفقوا لذلك بحرارة. والأهم من كل ذلك تأكيد الكاتب العام للتعليم الثانوي السيد الشاذلي قاري على ضرورة الربط بين قضية التطبيع –موضوع التجمع والإضراب- ومعركة الحرية، داعيا إلى واجب مؤازرة المضربين عن الطعام. وهو تصريح تجاوب معه بحرارة كل المتجمعين. وبذلك تكون مثل هذه الهياكل قد ربطت بين قضية التطبيع ومعركة الحرية في بلادنا. وهو ربط ينم عن درجة راقية من الوعي والصلة الوثيقة بين القضايا القومية ومسألة الحريات السياسية في بلادنا والتي من شأن تحقيقها دفع دورنا وتفعيله تجاه قضايانا القومية. ولا يفوتنا أن نحيي قيادات تلك الهياكل على هذا الدور الذي بعرّضها لضغوطات وانتقادات من طرف القيادة النقابية المركزية التي لا تتعدى حدود النقابوية ولا تسمح بتجاوز حدودها دون هجوم على من يتجاسر على ذلك.

والمطلوب من تلك الهياكل هو مزيد تفعيل هذا الدور البارز عبر تنويع أشكال المساندة. ولا بد من التأكيد من أن الحضور المكثف في تظاهرات الجمعيات والأحزاب المستقلة وفي التجمعات التي تدعو إليها من شأنه تدعيم مواقفها وقراراتها المستقلة خدمة ودفعا لمطالب الحرية والديمقراطية.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني