بلغ مهرجان المدينة هذه السنة دورته 23. ورغم تجربته الطويلة مع الاختيارات والبرامج المختلفة التي قُدمت على مدار ربع قرن تقريبا فإن أغلب المتابعين لفعالياته يجمعون على ضبابيّة ملامحه وعدم قدرته على التفرّد بخصوصية فنية تكسبه بعدا ثقافيا حقيقيا يساهم في تقديم إضافة نوعية وجادة للمتقبّل التونسي.

فبعد العروض الأرستقراطية، التركية خاصة، والعروض الإيطالية والموسيقى التونسية التي تذكّر بعصور البايات... بعد هذه العروض خلنا أن إدارة المهرجان تجاوزتها في الدورات السابقة بإدراج عروض محترمة للفنان مرسيل خليفة وميّادة بسيليس ومجموعة حنين وعدة عروض أخرى، وأنها قطعت مع الانخراط في عموم الثقافة التي تدعّم وتنتج من طرف "العصابات الفنية" المبثوثة في المسارح ودور السينما والمعاهد الموسيقية...

السيد مختار الرصّاع أكد في هذه الدورة الأخيرة أن مهرجان المدينة لا يزال يتعثّر خاصة في تكرار العروض التي لم تلق نجاحا جماهيريا في دورات سابقة مثل عرض المالوف. كما أن هذه الدورة تراكمت فيها عدة نقاط سلبية كان يمكن تفاديها، لعلّ أبرزها وأخطرها في نفس الوقت هو منع عرض الأفلام القصيرة في إطار برنامج ليالي السينما وسينما المدينة بكل من نادي الطاهر الحدّاد وساحة الحلفاوين، أو تكرار عرض صباح فخري ثلاث ليالٍ واستقبال نفس الجمهور!! باعتبار وأن تذكرة الدخول لا يقدر عليها إلا نوعية معينة من الجمهور. وحتى "الأسعار المدروسة" والمخصصة للطلبة فقد اقتصرت على العروض الهزيلة لملء المدارج البعيدة عن الرّكح!

مهرجان هذه السنة، ورغم بعض العروض المحترمة فنيا، مثل حفل مجموعة "رم" الأردنية، فإنه أكد مرة أخرى أنه صار يسجل حضوره فقط في المشهد الثقافي عموما، إذ بات يوهم المتقبل بضخامة العروض المبرمجة من خلال الهالة الإشهارية والصحف النافخة في الأبواق والعروض المدفوعة الأجر مسبقا.

ومن طرائف هذه الدورة أن إدارة المهرجان خصصت –ككل سنة- كراسي خاصة بالصحفيين إلا أن أغلبهم اصطدم بالسيد مدير المهرجان يقول لهم بالحرف الواحد: "تذكرة بثلاثين دينار أهم من صحفي يدخل مجانا"!!

إن إصرار وزارة الثقافة والمحافظة على التراث و"استسلام" الإداريين للمخططات المرسومة سلفا هي التي تنعرج بالثقافي إلى الإداري وهي التي تحوّل الإبداعات الفنية إلى موارد استثمار تجاري يحكمه منطق الربح والربح فقط على حساب الذائقة الفنية.