الصفحة الأساسية > البديل الوطني > خلق حركة ديمقراطية واسعة
لنضمن استمرارية التعبئة من أجل:
خلق حركة ديمقراطية واسعة
14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005

انطوت أكثر من ثلاثة أسابيع عن انطلاق إضراب الجوع الذي يخوضه ثمانية من رموز المجتمع المدني والسياسي للمطالبة بحرية التنظم الحزبي والجمعياتي وحرية التعبير والصحافـة وإطلاق سراح المساجين السياسيين وسن العفو التشريعي العام. ومع مرور كل يوم يزداد الالتفاف حول المضربين ومطالبهم وتتعدد أشكال المساندة وتتراجع التحفظات التي أبدتها بعض الأطراف في انطلاق التحرّك سواء في علاقة بالتوقيت أو بالأهداف.

وما من شك في أن أحد أهم أسباب النجاح الذي حققه الإضراب إلى حد الآن هو توقيته بالذات، إذ أنه استجاب لانتظارات العديد من المناضلات والمناضلين بل كل المتتبّعين للشأن العام في بلادنا خصوصا بعد الهجوم الذي شنته السلطة في الأشهر الأخيرة على ما تبقى من جمعيات ومنظمات مستقلّة قصد إخضاعها وتشديد القبضة على المجتمع درء لتطوّر النقمة والاحتجاج وقد جاء هذا الإضراب ليعيد الأمل ويحفز الهمم ويخلق ديناميكية سياسيّة جديدة بعد أن حصل ارتباك وساد شعور بانسداد الآفاق، ولم يمنع شهر رمضان وانصراف الناس عادة إلى الاهتمام بشؤونهم الخاصة من انطلاق المساندة بشكل ملفت للانتباه منذ اليوم الأول للإضراب.

ومن أسباب نجاح الإضراب أيضا الأرضية السياسية التي قام عليها التحرك وأهدافه وهي تتمثل في تحقيق حرية العمل الحزبي والجمعياتي وحرية التعبير والصحافة وإطلاق سراح المساجين السياسيين وسن قانون العفو التشريعي العام. وهذه المطالب الثلاثة تمثل الحد الأدنى الذي ليس تحته حدّ في الحقيقة، بل إنها تمثل، كما قال البعض "سميق الحرية" القادر على تجميع كل النزعات الفكرية والسياسية التي لها مصلحة في توفير مناخ من الحرية يمكنها من التعبير عن آرائها والدفاع عن مواقفها دون أن تخشى عقابا أو اضطهادا، وهذه النزعات تمثل في الواقع الأغلبية، لأنه عدا الحزب الحاكم وأذنابه من قيادات أحزاب ومنظمات الديكور وهم قلّة قليلة، فانّ الجميع له مصلحة متأكدة في الحرية السياسية. وقد جمّع الإضراب بالفعل حوله ولأول مرة حساسيات فكرية وسياسية وأحزاب وجمعيات مختلفة. وهذا ما يفسّر شمول حركة مساندة كل أطياف المجتمع التونسي من أحزاب وجمعيات ونقابات ومثقفين وفنانين ومبدعين بمختلف أصنافهم، فضلا على المهاجرين التونسيين بأوروبا وأمريكا الشمالية وعلى القوى الديمقراطية والتقدمية في مختلف أنحاء العالم التي لم تتردّد في التعبير عن تضامنها مع المضربين و في دعم مطالبهم المشروعة ممّا أعطى حركتهم بعدا أمميّا.

وكالمعتاد حاولت السلطة بكل الطرق تشويه الإضراب و المضربين ناعتة إيّاهم بـ "قلّة من المناوئين" و"المعادين للوطن" ولكنها فشلت فشلا ذريعا بل إن عزلتها ازدادت محليا ودوليا وبات من الواضح أنها لن تحقق ما تريد من قمة مجتمع المعلومات التي تسعى إلى استغلالها لتلميع صورتها، ولم ينفعها دعم قيادات أحزاب الديكور لأن هذه الأحزاب أصبحت عاجزة حتى عن التحكم في أوضاعها الداخلية المهترئة كما لم تنفعها أصوات بعض المأجورين الذين يظهرون من وقت إلى آخر في بعض الفضائيات.

ومهما يكن من أمر مناورات السلطة ومحاولات بعض الأطراف التشكيك في صدقية الإضراب لتبرّر مهادنتها للدكتاتوريّة وخوفها من الانخراط بصورة فعليّة في النضال ضدّها، فإن الإضراب بدأ منذ أيامه الأولى يحقق أهدافه السياسية. فالمضربون عن الطعام ليسوا سذجا حتى ينتظروا من نظام دكتاتوري بوليسي استجابة مباشرة لكافة مطالبهم. إن هدفهم الأساسي كان ولا يزال خلق ديناميكية سياسية في البلاد تمكن من تعبئة أوسع القوى حول مطلب الحرية السياسية حتى يتحول تدريجيا بل في أقرب الآجال إلى مطلب شعبي، وهو ما من شأنه أن يخلق ميزان القوى الذي يسمح بتحقيق هذا المطلب. وهذه الديناميكية بدأت تتحقق وتتحوّل إلى واقع فعلي في معظم الجهات ومن المؤكد أنها ستتعزز في القادم من الأيام مع استمرار الإضراب واتساع دائرة المساندة.

إنه لمن واجب كل الديمقراطيّين الصادقين أن يفكروا من الآن في مستقبل الحركة حتى لا تذهب تضحيات المضربين سدى وتتلاشى التعبئة التي قامت حولها. فإضراب الجوع لا بدّ أن ينتهي في تاريخ ما والمهمّ أن تستمرّ هذه التعبئة وأن تبعث الأطر الكفيلة لتحقيق هذه الاستمراريّة من أجل بعث حركة ديمقراطيّة واسعة تضع حدّا للاستبداد وترسي القواعد الضروريّة لنظام ديمقراطي.

وبشكل أوضح فإن أقل ما يمكن أن يخرج به الإضراب في رأيينا، هو الحفاظ على الحد الأدنى الحاصل اليوم سواء في جانبه المطلبي المجمع أو في صيغته التنظيمية (لجان المساندة التي يمكن أن تتحول إلى لجان المجتمع المدني من أجل الحريات أو من أجل الحرية والديمقراطية...) على أن يقع التفكير في الكيفية التي سيتم بها التنسيق وطنيا بين مختلف اللجان القائمة ومن شأن ذلك أن يضمن مواصلة التحركات الميدانية أيضا ويتيح الفرصة لخوض نقاش علني وعمومي حول مختلف القضايا المتعلقة بالمشروع الديمقراطي المنشود وهو نقاش يمكن أن يفضي إلى عقد ندوة للقوى التي تتوافق حول هذا المشروع.

إن هذا التّمشي من شأنه أن يقي الحركة من منزلقين اثنين أولهما التلاشي والتفريط في المكتسبات التي حققتها سياسيا وميدانيا وثانيهما "الفرقعة" التي قد تنجم عن القفز على واقع الخلافات التي لم تناقش إلى حد الآن وإعلان "جبهة سياسية" مازلت شروطها غير متوفرة.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني