الصفحة الأساسية > البديل الوطني > التعليم الأساسي : من مظاهر تخلي الدولة عن قطاع التعليم
التعليم الأساسي : من مظاهر تخلي الدولة عن قطاع التعليم
21 أيلول (سبتمبر) 2003

ليس غريبا أن تطلق مؤسسات النهب الدولية (BM+FMI) على تونس اسم "التلميذ النجيب" لأن السلطة لا تتوانى عن تنفيذ التعليمات ولا يهمها إن مست نتائجها المدمرة الصحة أو البيئة أو مستقبل الأجيال وهذا ما يفسر نظرتها إلى قطاع التعليم الأساسي على أنه "قطاع غير منتج" أو بعبارة أخرى لا يدر الأرباح على أصحاب رأس المال المحليين والأجانب، لذلك فهي تكاد تتخلى نهائيا عن واجب الانفاق على المدارس الابتدائية والاهتمام بها. وفيما يلي ذكر لمظاهر يتجلى فيها هذا التراجع والمبررات التي تقدمها السلطة ومقترحات للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة.

البطالة وتخلي الدولة عن بناء المدارس وصينتها

تراجعت الانتدابات في قطاع التعليم الأساسي منذ نهاية الثمانينات، إذ فرضت تجربة التعاقد على حاملي شهادة الباكالوريا الراغبين في التدريس. ثم لم تلبث أن مست البطالة خريجي المعاهد العليا لتكوين المعلمين حيث مست بعض المعلمين لمدة سنتين أو أكثر. وفي السنوات الأخيرة أجبر عديد المتخرجين على الخضوع لسنة تأهيل بعنوان "الإعداد للحياة المهنية" (تدريس 30 ساعة أسبوعيا بأقل من نصف مرتب المعلم العادي).

وقد تخلت وزارة التربية أو تكاد عن واجب بناء المدارس وأصبحت تشترط على سكان المناطق الريفية والقرى حين يرغبون في بناء مدرسة "التبرع" بالأرض أو بناء قسم أو المساهمة بمواد البناء وفي أقل الأحوال العمل مجانا. كما أن الوزارة أوكلت بناء المدارس إلى الصندوق 2626 عملا بالمثل "من لحيتو افتلو شكال". ثم إن الإدارات الجهوية للتعليم تتفصى من مسؤولية صيانة المدارس (دهن، بلور، أقفال، طاولات وكراسي، سابورات...) وتركت المديرين والعملة يتدبرون حالهم.

عدم توفير مستلزمات النظافة والمواد الزائلة

تتفنن التفقديات ومصالح التجهيز بالإدارات الجهوية للتعليم في "تقطير" توزيع المواد والأدوات المستعلمة في تنظيف القاعات والمجموعات الصحية (مكتنس، حاويات، سطول، جفال،...). وفي نفس الوقت يتشدد المتفقدون في محاسبة المعلمين على نظافة الأقسام وتهويتها. أما الطباشير فهو غالبا من النوع الرديء الذي لا يصلح للكتابة.

المعينات ووسائل الإيضاح

تشكو أغلب المدارس وخصوصا العتيقة منها من قدم وتآكل وسائل الايضاح (خرائط، أشرطة مصورة، رسوم توضيحية، كرة أرضية...) كما تشكو قلة الوسائل التعليمية أو عدم صلاحيتها (أدوات قيس، أنابيب الاختبار والتجارب، أدوات الهندسة...) حتى أن بعض المدارس لا تجد فيها أية أدوات لتدريس التربية الموسيقية والقيام بالأنشطة اليدوية وبعضها الآخر ليس بها ملعب للتربية البدنية، رغم أن هذه المادة ضرورية لنمو التلميذ عقليا وبدنيا.

"تسول" الكتب المدرسية عوض أن توفرها الدولة

يتحسر عديد المعلمين على الأيام الخوالي حين كانت الدولة توفر لمحدودي الدخل ما يحتاجونه من كتب مدرسية وأدوات وميدعات وحتى الأكلة المجانية. أما الآن فقد عوضتها الوزارة بحملات تسول علنية تقودها هياكل الحزب الحاكم وتقوم بالدعاية لها الإذاعة والتلفزة مطالبة عائلات التلاميذ بإعطاء أدواتهم القديمة حتى تقدم لـ"مستحقيها" من أبناء "العائلات المعوزة والفقيرة"، دون مراعاة للانعكاسات النفسية لهذه العملية وما تولده من ميز بين التلاميذ.

الاكتظاظ

رغم تراجع الولادات تتواصل ظاهرة الأقسام المكتظة خاصة في الأحياء الشعبية حيث يتجاوز عدد التلاميذ في القسم أحيانا 42 تلميذا أما في الأرياف فلا تزال ظاهرة "أقسام الفرق" تسجل حضورها بعد 15 سنة من "التحول المبارك" (معلم يدرس قسمين مختلفين في قسم واحد وداخل نفس القاعة وخلال نفس الحصة).

إلى هنا قد تبدو الأمور "مفهومة" وقد يجد البعض "ما يبررها" أما أن يصل "الضغط على المصاريف" إلى حد عدم انتداب منظفين ببعض المدارس فهذا لا يقبله عاقل لأن عون الخدمات -وهوالاسم الحقيقي لهؤلاء- عنصر أساسي في المدرسة. إلا أن الوزارة "الموقرة" لها رأي آخر لذلك لم تنتدب منظفين في 17 مدرسة ابتدائية رغم تشكيات الأولياء واحتجاج النقابات.

مبررات الوزارة وبدائلها

لا تجد الوزارة صعوبة في تبرير سياسة التهرب من المسؤولية بل إنها تحاول تشريع هذه السياسة عن طريق الاكثار من اللجان والمنظمات التي تحل محلها في المدارس الابتدائية. فبعد جمعية العمل التنموي ومنظمة التربية والأسرة طلعت علينا خلال الحملة الرئاسية الفارطة بلجان "صيانة المؤسسات التربوية". وهي تكثر اليوم الحديث عن "مشروع المؤسسة"، وكلها لجان ذات أهداف متعددة فهي إضافة إلى دورها الآنف الذكر تؤطر التلاميذ وتراقب المعلمين وتساهم في توجيه برقيات المساندة "للجنرال" و"التضرع" له حتى يترشح لانتخابات 2004 كما فعلت في السنة الدراسية قبل الفارطة.

كيف نتصدى لهذه المشاكل

يشكو قطاع التعليم الأساسي من مشاكل مزمنة ذكرنا أعلاه بعضها ومن المؤكد أن هذه المشاكل ستتفاقم بالنظر إلى إصرار السلطة على مزيد التخلي عن واجب الانفاق على المدارس الابتدائية بمسميات مختلفة (الاصلاح التربوي، مدرسة الغد، مشروع المؤسسة،...) خاصة في ظل صمت ومباركة اللجان المذكورة. أمام هذا الوضع نعتقد أن المسؤولية الكبرى تلقى على الهياكل النقابية للتصدي لهذه الظاهرة والتنبيه إلى خطورتها، مثلما حاولت النقابة العامة للتعليم الأساسي القيام به في بعض الندوات أو في ردودها على مشروع مدرسة الغد أو في ما تضمنه بعض فصول القانونن الأساسي المقترح من طرفها. لكن في المقابل نعتقد أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق المباشرين للقطاع وخصوصا المعلمين الذين يجب عليهم مقاطعة هذه اللجان التي تنشط في المدارس الابتدائية وفضح مشاريع الشعب المهنية والتصدي لـ"مشروع المؤسسة"، البوابة التي سيدخل منها الرأسمال الخاص ليفتك بما تبقى في القطاع. على المعلمين رفض العمل في أقسام مكتظة أو قاعات وسخة وعدم تدريس الساعات الزائدة وحصص الدعم. كما عليهم الضغط على الإدارة لتوفر المعينات ووسائل الايضاح وأدوات الطبع والطباشير الجيد. كما أنهم مطالبون بالانحياز إلى التلاميذ والأخذ بأيديهم وتهذيب أذواقهم وتعويدهم على قيم البذل والنجاح واحترام المعرفة.

أما نقابيا فعلى المعلمين الضغط على الطرف النقابي حتى يخصص حيزا هاما من نشاطه للعناية بالبنية الأساسية وذلك بإدراجها في لوائح الاضرابات وجلسات التفاوض ولمَ لا تنظيم الاحتجاجات والتوقف عن العمل حتى إصلاح الأعطاب وتوفير التجهيزات (تجربة مدرسة التقدم-دوار هيشر).



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني