الصفحة الأساسية > البديل النقابي > أزمة نقابية جديدة أم روتين التقاليد النقابية الجديدة؟
أزمة نقابية جديدة أم روتين التقاليد النقابية الجديدة؟
21 أيلول (سبتمبر) 2003

عادة ما يركن النشاط النقابي كأغلب الأنشطة الأخرى للراحة خلال فترة العطلة الصيفية. وعلى غير هذه العادة نشطت الساحة النقابية هذه الصائفة ولكن نشاطا من نوع جديد، نشاط البيانات والمناشير والردود والتعاليق حتى بات يعتقد في الأوساط النقابية أن تباشير أزمة نقابية جديدة تلوح في الأفق.

فمثل هذا الوضع يشبه إلى حد كبير الفترة التي سبقت أزمة صائفة 2000، تلك الأزمة التي انتهت بخلع السحباني في ما سمي آنذاك بحركة التصحيح النقابي. والسؤال الذي يطرحه أكثر من متتبع لأوضاع الاتحاد: هل نحن فعلا حيال أزمة جديدة أم أن ما نشهده اليوم هو مجرد روتين اعتادت عليه الحركة النقابية التي تحول العمل النقابي فيها إلى مجرد صراع نقابوي فوقي كتعويض عن الأدوار المطلوبة من الاتحاد ومن القيادات النقابية؟

استقراء المعطيات المتوفرة الآن قد يسمح لنا ببعض الأحكام الأولية في انتظار أن تنضج الأوضاع أكثر وأن تتضح الرؤية بصورة جلية.

الأكيد أن تواتر صدور البيانات المناوئة للقيادة النقابية ليست بالأمر العفوي ولا يخلو من أبعاد ودلالات.

غالبية هذه البيانات أو "المناشير" كما تسمى في بطحاء محمد علي، سواء الممضاة بـ"النقابيين الشرعيين" أو غير الممضاة أصلا، تتفق في انتقاد القيادة النقابية ومعارضتها وفضح بعض ممارساتها. آخرها البيان الذي قدم جردا في وصف مميزات وخصائص وأملاك أعضاء المكتب التنفيذي الثلاثة عشر. هذه البيانات تحولت إلى ظاهرة تنشط الساحة النقابية في غياب إعلام نقابي شفاف وحر ومتعدد. وزاد من أهمية هذه الظاهرة الملف الذي نشرته إحدى الاسبوعيات مؤخرا.

ومما زاد في شد أنظار النقابيين إليها سقوط القيادة في الرد عليها حيث لم يتورع الأمين العام عن عقد ندوة صحفية خصص الجزء الأوفر منها للردعلى أحد هذه البيانات. وفي تطور موالي لذلك تقدم الأمين العام بشكوى لوزرة الداخلية طالب فيها بتدخل "أجهزة الأمن" لإيقاف قائمة من النقابيين القدامى الذين يعتبرهم الأمين العام مسؤولين عن هذه البيانات. وقد استدعى أحد هؤلاء إلى مخفر الشرطة بالعاصمة للتحقيق معه ثم أخلي سبيله (عبد العزيز الجعايدي) الذي أصدر لاحقا بيانا توضيحيا في الموضوع.

هذه الوضعية انعكست على الحياة الداخلية بتسرب بعض التململ في صفوف الهياكل القيادية للمنظمة. ويبدو أن مبادرة الأمين العام بتقديم شكوى "للأمن" ضد نقابيين معارضين ليست محل إجماع من قبل أعضاء المكتب التنفيذي. والانطباع السائد الآن هو بروز ثنائية جديدة في الاستقطاب بين القيادة من جهة وأتباع السحباني من جهة أخرى. لكن الذي لا يخفى على أحد أن "تضخم" حجم المعارضة السحبانية يوحي بوضوح بتدخل السلطة في الشأن النقابي مرة أخرى لا بقصد إعادة السحباني على رأس الاتحاد بقدر ما هو بنية إضعاف ومزيد إرباك الأمين الحالي ومزيد ابتزازه، سواء لجره للقبول ببعض الملفات كما تنوي السلطة تمريرها (التأمين على المرض) أو لمساندة مشاريعها السياسية المقبلة (الانتخابات الرئاسية والتشريعية).

عدة علامات تؤكد صحة هذا الانطباع نذكر على الأقل اثنين منها: أولهما أن السلطة سارعت بتعليماتها لإصدار ملف جريدة "المصور" كردة فعل على بيان المكتب التنفيذي الذي شجب بشدة حادثة تعنيف عبد الرحمان التليلي الأمر الذي أغضبها على ما يبدو، وثاني هذه العلامات مبادرة الأمين العام بإصدار بيان لمساندة "قبول" بن علي بالترشح للرئاسة خلال مؤتمر التجمع الأخير دون استشارة هياكل المنظمة بما في ذلك المكتب التنفيذي. فكلا هذين المثالين يدلان بوضوح على تدخل السلطة في الأوضاع النقابية بصورة جلية من جهة وعلى ارتباك القيادة ولهثها وراء ترضيتها لدرء غضبها من جهة أخرى.

لقد تردت الحياة النقابية داخل المنظمة إلى مستوى غاية في الاسفاف وتحولت الأنشطة إلى التلهي بالصراعات والمنــاورات الشخصية والجهوية ذات الصلة بالمواقع والمصالح المباشرة. أما الملفات المطلبية والقضايا الاجتماعية والسياسيةالكبرى التي لها انعكاس على حياة الشغالين لم تعد من اهتمام القيادة ولا باقي الهياكل الأخرى أو أغلبها على الأقل.

إن المنظمة النقابية لفي حاجة اليوم لحركة تصحيح حقيقية وفعلية لانتشالها مما تردت فيه من عادات وتقاليد وممارسات حولت الحياة النقابية إلى روتين "التكمبين" اليومي على حساب الاضطلاع بدور ما كمدافع عن العمال وعن المطامح الاجتماعية والسياسية الديمقراطية. وبالنظر للخراب العام الذي أصاب الذهنية النقابية في جميع المستويات تقريبا لم يعد هناك من هو مؤهل لبعث هذه الحركة التصحيحية الفعلية غير بعض مناضلي اليسار الذين لم يبتلعهم الروتين السائد.

لقد شهدت الصائفة المنصرمة تدهورا ملحوظا للمقدرة الشرائية كما عرفت السنة الماضية تحركات عمالية وإضرابات جوع كثيرة دفاعا على حق الشغل. ويمكن أن تمثل هذه الأوضاع منطلقا وأرضية لبناء عمل جديد وجدي يستقطب العمال ويرتقي عن السلوكات النقابية البائسة المنتشرة في صفوف النقابيين.

إن تمايز عناصر اليسار لا يمكن أن يحصل إذا لم يقيموا لمثل هذه القضايا اعتبارا رئيسيا في عملهم سواء خلال الأنشطة الدعائية اليومية أو بمناسبة حملة تجديد النقابات التي ستنطلق هذه السنة. فهل يكون اليسار في الموعد وفي مستوى الرهانات التاريخية؟ ذلك ما ستجيب عليه الأشهر القليلة القادمة.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني