الصفحة الأساسية > البديل النقابي > القوى النقابية الديمقراطية قادرة على تحقيق الانتصارات
وجهة نظر:
القوى النقابية الديمقراطية قادرة على تحقيق الانتصارات
22 آب (أغسطس) 2010

1) معارك استنزاف

منذ أكثر من ثلاثة عقود والقوى النقابية الديمقراطية تخوض المعارك المتتالية على واجهتين وفي نفس الوقت: أي ضد السلطة من جهة والبيروقراطية النقابية من جهة أخرى. وتتمحور هذه المعارك أساسا حول محاور الإستقلالية والديمقراطية النقابية داخل الإتحاد العام التونسي للشغل.

ولمّا كانت هذه المعارك محتدمة والمواجهة فيها لا تهدأ على جبهة إلا لتشتعل على جبهة أخرى، فقد استنزفت عديد الطاقات وأنهكت عشرات المناضلين.

وما يلفت الإنتباه في هذه المعارك – بقطع النظر عن ضراوتها ونتائجها – هي أنها كانت ولا تزال لحدّ ما، تخاض بطرق عفوية: تدخلها المجموعات والإطارات النقابية مشتتة الصفوف وتدفع إليها دفعا دون سابق إعداد لمتطلباتها المختلفة. كما كانت تفتقد إلى الحد الأدنى من التأطيرالنقابي وتغلب عليها النزعة المحلية أو القطاعية وتفتقر إلى أفق وبرنامج واضح المعالم، علاوة على أنها تأتي في غالب الأحيان كرد فعل على هجوم البيروقراطية أو السلطة، أي أنها معارك دفاعية عفوية بالأساس.

لكن هذه السمات التي ولدت وتطورت مع الحركة النقابية ذات النهج الإصلاحي لم تحل دون الزخم النضالي الذي كان يصاحبها خصوصا في أواخر السبعينات وأواسط الثمانينات، والبعد الجماهيري الذي اتسم به العمل النقابي في تلك الفترات الزاهية من عمر المنظمة الشغيلة.

2) إصرار على المقاومة

اليوم وبعد سنين الإستنزاف والهرسلة والتخريب الممنهج من الداخل والخارج، ورغم عديد التراجعات العامة والتحوّلات الجارية على تركيبة الطبقة العاملة، لا تزال القوى النقابية الديمقراطية تحتفظ بمخزون هام من قيم النضال والتضحية والعطاء والتمسك بالثوابت والمبادىء التي زرعها رواد الحركة النقابية.

ويعود هذا الإصرار على تواصل جذوة النضال والثبات على المقاومة النقابية بالأساس إلى الدور الذي لعبته المجموعات اليسارية داخل الإتحاد العام التونسي للشغل. إذ لولا صمود تلك القوى اليسارية التي تمترست بثبات في مواقعها الدفاعية للذود عن استقلالية وديمقراطية ونضالية العمل النقابي لانهارت المنظمة انهيارا تاما لا رجعة فيه والتحقت على طول الخط بمنظمات الديكور الديمقراطي.

صحيح أن المنظمة اليوم مترهلة وأنهكها التخريب البيروقراطي والسطوات المتكررة للسلطة المصرّة منذ نصف قرن على تدجينها، و صحيح أنها تراجعت تراجعا كبيرا عن الدور المنوط بعهدتها وفقدت إشعاعها ودورها الإجتماعي والديمقراطي، كما هو صحيح أيضا أن القوى النقابية الديمقراطية هي بدورها أنهكها القمع والإستبداد والإضطهاد الإجتماعي، ولكن الصحيح أكثر هو أن إمكانية التصحيح الفعلي من الداخل لازالت قائمة رغم الصعوبات الجمة والعراقيل الهائلة، كما أن القوى النقابية الديمقراطية مصرة اليوم أكثر من أي وقت مضى على معالجة أمراضها وتجاوز واقع ضعفها وتشتتها وتشرذمها.

لقد أثبت عديد المحطات النقابية في السنوات الأخيرة (مؤتمر المنستير، معركة التجريد، الحوض المنجمي، القوائم الديمقراطية المشتركة لبعض التشكيلات القطاعية والجهوية...) لا الرغبة والقناعة النظرية بالعمل المشترك فحسب، بل الممارسة الفعلية على أرض الواقع وترجمة ذلك في أعمال ملموسة جعلت البيروقراطية والسلطة تفقدان زمام المبادرة وتحسبان ألف حساب لهذا التيار اليساري والديمقراطي العريض المشكل للمعارضة النقابية.

هذه البدايات للتحوّل في الذهنية العامة للقوى النقابية الديمقراطية جعلت السكتارية والإنعزالية في العمل النقابي تتراجع تدريجيا لتحل محلها عقلية التحالفات والمجهودات التوحيدية والتجميعية حول الأدنى النقابي المشترك بهدف محاصرة كواسر البيروقراطية والعناصر المتنفذة المتحكمة في مصير المنظمة والمعادية على طول الخط للديمقراطية واليسار وعموم الشغالين. وبطبيعة الحال لا تتأسس هذه الذهنية التجميعية البناءة بين عشية وضحاها وبكل سهولة لدى المجموعات والتيارات النقابية كما تختلف أنساقها وسماتها في داخل كل طرف، وهي إذ تتطور بصورة معقدة، تدريجية ومتعرجة، يمكن – والأمثلة كثيرة – أن تشهد بعض الإنتكاسات المحلية أو القطاعية، لكن الثابت أنها تتقدم وتتطور شأنها شأن كل الظواهر المختلفة.

3) اللقاء النقابي الديمقراطي: أفق واعد رغم الولادة العسيرة

إن ما أقدمت عليه القوى النقابية الديمقراطية منذ غرة ماي الفارطة يعد حدثا في حدّ ذاته. إذ توصّل إئتلاف تيارات نقابية ديمقراطية ومجموعات من المناضلين المستقلين تتحمل أو تحملت مسؤوليات نقابية مختلفة إلى تشكيل تحالف نقابي واعي بذاته إلتقى حول أرضية نقابية ذات برنامج نضالي واضح يطمح لإعادة الإعتبار لدور الإتحاد كإطار مناضل مستقل وديمقراطي لعموم للشغالين، يدافع عن مكتسباتهم المادية والمعنوية السائرة أكثر فأكثر نحو التفريط، يذود عن قدرتهم الشرائية الآخذة في التدهور، يواكب التحولات والتطورات وينتصر بقوة للحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الإجتماعية.

ولما كانت المسألة الديمقراطية داخل الإتحاد هي مدار الصراعات، إذ انتهكت في العمق من قبل المتنفذين في الجهاز وسيطرت عقلية الإستحواذ على المنظمة عبر تصفية الخصوم النقابيين وحملات التجميد والإحالات على لجنة النظام، وتنصيب النقابات كمقدمة من أجل خلق موازين قوى جديدة داخلها لتمرير الانقلاب على قرار مؤتمري المنستير وجربة الخاص بمسألة الدورتين، فقد اهتدى اللقاء النقابي الديمقراطي إلى الحلقة الرئيسية التي بمسكها سوف يتمكن من مسك السلسلة بأكملها ألا وهي التمسك غير القابل للتفريط بالمكسب الديمقراطي للفصل 10 من القانون الأساسي الذي أقرّ التداول على المسؤولية في قيادة المنظمة والعمل على تطبيقه في المؤتمر القادم.

إن هذا المدخل العملي لإرساء الحياة الديمقراطية في جميع مراتب المسؤوليات الجهوية والوطنية كفيل بتجميع كل الطاقات التواقة للتغيير الفعلي والتي ظلت ترزح منذ عقود تحت إمرة "الأمين العام الواحد الأحد" والكاتب العام "المؤتمن على مستقبل المنظمة" وغير ذلك من الترهات والأراجيف.

واللقاء النقابي إذ يصرّ على هذا التمشي يهدف إلى احترام إرادة النواب وذلك بالقطع مع الأساليب اللاديمقراطية العقيمة في التسيير والتأسيس للتداول الديمقراطي الكفيل بالقضاء على نزعات الولائية والزبائنية والعشائرية وعقلية التمعّش والإستثراء من منظمة العمال. ومن هذه الزاوية ، تمثل الأرضية النقابية ومجموعة البيانات والمواقف الصادرة في هذا الشأن إطارا مرجعيا وميثاقا نقابيا ملزما بين المكونات الملتقية حولها، ولكن أيضا إعلان مبادىء تجمعهم مع كل الذين لم تشملهم النقاشات الأولية وهي بذلك مفتوحة لكل المناضلين الصادقين والأطراف والحساسيات التي تقطع مع البيروقراطية والسلطة، وتعد مكسبا هاما قابلا للإثراء والتطوير في تاريخ العلاقة بين الفاعلين الأساسيين في الحركة النقابية.

ومن نافلة القول أن تشهد أرضية اللقاء النقابي بعض الأخذ والرد والتردد حينا والتحفظ أحيانا ويعود ذلك للنتائج السلبية لبعض التجارب الظرفية والإرتجالية المرتبطة بالمؤتمرات الإنتخابية أو اهتزاز الثقة في مثل هذه الأعمال المشتركة التي لم تقدر على تغيير موازين القوى داخل المنظمة. ولكن المساهمين الأساسيين في هذا المشروع يراهنون هذه المرة على الرصيد الإيجابي عموما للعمل الجبهوي فيما بينهم والنجاحات المحققة في عديد المحطات السابقة وصمود نفس الإئتلاف رغم بعض الهنات من جهة، والرغبة الجامحة لدى عموم النقابيين في تكتيل الجهود والخروج من النفق الذي تردى فيه الإتحاد من جهة أخرى.

ومن أجل أن يكتب لهذه التجربة النجاح، نعتقد أن عدة شروط أولية يجب أن تتحقق وعلى رأسها:

أ - بناء قناعة راسخة داخل الأطراف وداخل كل طرف على حدة في هذا الإطار الجديد ورفع التحدي والإستمرارية والبرهنة على القدرة الفائقة على إدارة الخلافات التي قد تطرأ أثناء الممارسة.
ب - ترجمة الإتفاقات ومبادىء الأرضية إلى أعمال ملموسة ميدانية وتحقيق نتائج فعلية تدفع اللقاء النقابي وأنصاره وأصدقائه وعموم النقابيين إلى مزيد الإلتفاف حوله من أجل تقوية صفوفه وتوسيع دائرة إشعاعه وذلك بتقديم بدائل نقابية ديمقراطية من أجل تغيير أوضاع الإتحاد.
ج - الإنفتاح على كل الكفاءات والطاقات النضالية والحساسيات وضرب عقلية التقوقع النخبوي والسكتارية والإنعزالية.
د - الإشتغال على أوسع نطاق ممكن على الملفات الحارقة (المفاوضات، الصناديق، الهيكلة، البطالة، القدرة الشرائية، القضايا القومية...).
ه - تركيز العمل بصورة رئيسية على محاصرة البيروقراطية وتضييق الخناق عليها في علاقة بالفصل 10 وتحييد من يجب تحييده وتقليص دائرة الخصوم وإقناع الوسطيين والمترددين من الإطارات القطاعية والجهوية من أجل كسب المعركة وإفشال كل المناورات المنتظرة في هذا الباب.

إن القوى النقابية الديمقراطية اليوم في وضع أفضل ممّا كانت عليه سابقا وكثيرة هي العوامل المشجعة لتحقيق انتصارات على البيروقراطية التي تزداد عزلة عن الشغالين، إذ كفت دعايتها السابقة وخطبها القديمة على إقناع عموم النقابيين وتورطت أكثر في مستنقع التبعية والتخلف وتآكلت مصداقيتها ولم يبق لها غير الجهاز المتهرّم ولجان النظام الصورية ومحاكم التفتيش النقابي وشراء الذمم والنفوس المريضة، فلترفع المعارضة النقابية الديمقراطية التحدي ولتتحول إلى بديل فعلي وقوة منظمة وليكن اللقاء النقابي الديمقراطي خير بديل لها في الهجوم المعاكس فالمعارك تحسم في أذهان المناضلين قبل بداياتها.

الناصر بن رمضان (إطار نقابي بالتعليم الثانوي)


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني