الصفحة الأساسية > البديل الوطني > القيروان قلعة النضال الاجتماعي والديمقراطي
القيروان قلعة النضال الاجتماعي والديمقراطي
10 آذار (مارس) 2007

أثارت التحركات العمالية واعتصامات العاطلين عن العمل وأخيرا إضرابات التعليم الثانوي بجهة القيروان التي ارتبطت أسبابها المباشرة برفض مشروع مجالس المؤسسة المنصبة والتصدي لها، أثارت اهتمام عديد الأطراف المعنية من سلطة إشراف وقيادة الاتحاد وعموم الإطارات النقابية جهويا ووطنيا.

وتوخت سلط الإشراف أسلوب القمع والضرب بقوة لموانع النضال الاجتماعي المذكورة (محاكمات للعاطلين عن العمل وطرد للنقابيين..) لما تمثله هذه التحركات من خطر على السلم الاجتماعية المزعومة وما قد تحمله من إمكانيات عدوى الاحتجاج والانتشار في بقية الجهات والقطاعات، خصوصا وأن أوساطا واسعة من الشباب والشغالين وعموم الشعب تعيش أوضاعها مرشحة للانفجار والتفاعل السريع مع أي حادثة رفض أو تمرد وفي أي مناسبة للتعبير عن الكبت الاجتماعي والسياسي.

وعلاوة على الغطرسة والشراسة المذكورة آنفا اتسم سلوك السلطة أيضا بالتفطن المبكر لردة الفعل المنتظرة والتعامل معها بما "يستوجبه الظرف" فإما التمادي في الهجوم أو تطويق الأزمة وتقديم التنازلات.

عند هذه النقطة بالذات نتوقف قليلا لنرى من جهة أخرى ما اتسم به سلوك النقابيين والديمقراطيين لما في ذلك من دروس بليغة لكل من يهتم بالشأن العام.

تحرك النقابيون والديمقراطيون في الوقت المناسب وبدون تردد (إضراب فوري احتجاجي في نفس يوم الحدث وإضرابات أخرى بعد عطلة منتصف الثلاثي الثاني)، وكان ذلك بجرأة أزعجت السلط السياسية والأمنية وبعثرت أوراقها (الاعتصام بالسوق الأسبوعية والتظاهر بالنسبة للعاطلين عن العمل، وتحمل المسؤولية النقابية وملء الهيكل النقابي بروح النضال المفعم بالصمود والتعامل مع الإدارة الجهوية للتعليم كطرف ندي كامل الحقوق والواجبات). كما أشبع النقابيـــون تحركهم بروح التضامن النقابي والديمقراطي (كل قطاعات التربية والتعليم) وابتداع الأشكال النضالية المناسبة التي تطور وتفعل وتكثف درجة التعبئة من الإضرابات الدورية وصولا إلى إقرار الإضراب الجهوي العام ليومي 20 و21 فيفري.

إن الدرس الأساسي لهذه التحركات ولغيرها من مواطن الجرأة النضالية التي بدأنا نشاهدها أحيانا هنا وهناك في هذه الجهة أو تلك، في هذا النشاط أو ذاك هو الضرورة القصوى لهذه النوعية المفتقدة من النضال عند أغلب النقابيين والديمقراطيين. نوعية لا توجد إلا عند ذوي القناعات الراسخة والعازمة بقوة وصلابة على تغيير الأوضاع، نوعية جديدة ومع الأسف تعرضت في أكثر من مرة للتشويه واتهمت بالمغامرتية حينا والرغبة في خطف الأضواء أحيانا.

هذه التحركات أو النشاطات وحتى التدخلات الجريئة ضرورية لا لكونها يقوم بها مناضلون أو مجموعات نقابية أو حقوقية لإبراز شجاعتهم أو خصالهم الذاتية بل لكونها تفتح الطريق أمام مبادرات أخرى جريئة أيضا أو أكثر جرأة. مبادرات جماعية وتحسم مع التردد والحسابات التجارية وتستأصل اليأس والقنوط من النفوس.

صحيح نحن ضد المغامرتية والهوس بالأعمال الفردية المعزولة ولكننا مع الجرأة والتصميم في النضال. وقد قدم لنا مناضلو القيروان مثالا في الشجاعة النادرة والتخطيط لأي تحرك من أجل ضمان شروط نجاحه وضربوا عرض الحائط عقلية التموقع في الهياكل سواء كانت نقابية أو حقوقية إذ هي ليست من شيم اليسار ولا من شيم الديمقراطيين بل هي هدف الانتهازيين الذين أضروا أيما ضرر بالحركة الديمقراطية وخصوصا منها اليسار.

نقول هذا لا لتشتيت قوى اليسار والديمقراطيين بل بالعكس نحن اليوم في أمس الحاجة إلى وحدة الحركة الديمقراطية ووحدة اليسار بالذات لكن ليست وحدة لمّ الشمل بل على قاعدة الدفاع عن المطالب الملحة للشغالين، وحدة النضال والعمل ولا وحدة الجمع الكمي للمكونات والحساسيات.

إن مناضلي القيروان باختلاف مشاربهم جسـدوا في تحركاتهم الأخيرة مثالا للوحدة المناضلة والتضامن الفعلي بين مكونات المجتمع المدني والسياسي. لقد تظافرت لهم عديد العوامل الإيجابية للنجاح الذي يحسب لهم في هذه الإضرابات والتحركات: شبيبة طلابية مناضلة ورابطة ديمقراطية وعاطلون عن العمل ناشطون واتحاد جهوي مستقل يدفع للتفاعل الإيجابي بين كافة القطاعات ليتحرك كالجسد الواحد في وجه أعدائه المتحدين والمنظمين هم أيضا. تحرك لا يضع حواجز مصطنعة بين الهيئات النقابية والهيئات الحقوقية أو بين القانوني واللاقانوني، فالأمر سيان في ظل سلطة الاستبداد. تحرك يعيد الاعتبار للعمل النقابي القاعدي والديمقراطي ولا يرهن الأشكال النضالية للحسابات الضيقة أو مواقف البيروقراطية النقابية.

أمام هذه الروح النضالية المفعمة بالصمود والمقاومة والذود عن حرية العمل النقابي والجمعياتي وحق الشغل وحق التعبير والتظاهر تتراجع الدكتاتورية أمام التحركات، وعندما تمر العاصفة وفي غفلة من المحاربين تتخذ أشكالا جديدة من التدابير التآمرية كالنُّقل لضرورة العمل وغيرها، وهو ما يحتم على النقابيين والديمقراطيين اليقظة المستمرة كي لا تأتي الضربات من حيث لا يدرون والحال أن كل عيون السلطة وخدمها والمتآمرون موجهة لجهة القيروان التي تحولت إلى محط أنظار الجميع ولفتت انتباه الرأي العام بنضالها الاجتماعي والديمقراطي.

وحتى نفوت الفرصة على سلطة الاستبداد يطرح على عموم النقابيين والديمقراطيين مزيدا من تفعيل النضال وتجذيره في جهاتهم وقطاعاتهم التي هي أيضا تزخر بالطاقات والكفاءات التقدمية القادرة على كيل الصاع صاعين للديكتاتورية وأرباب العمل شريطة توخي نفس الأسلوب والسلوك والمنهج التجميعي المتنوع والمناضل.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني