الصفحة الأساسية > بديل المرأة > مداخلة علي لعريض
الندوة المتعلقة بالمساواة بين الجنسين - هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات - ديسمبر 2006:
مداخلة علي لعريض
تأكيد حقوق المرأة التونسية وتفعيل دورها
10 آذار (مارس) 2007

بسم الله الرحمان الرحيم

I – تأطير القضية

إن تحرير المرأة من المظالم المسلطة عليها عبر التاريخ وتكريس حقوقها وتفعيل دورها في المجتمع كمواطنة قضية ليست خاصة بمجتمع دون آخر أو بثقافة دون أخرى لكن التفاوت كبير بين ما تحقق في مجتمعات متقدمة وبين أخرى ما تزال خطواتها الأولى نحو هذا التحرير والتفعيل فهي قضية لا يمكن القفز عليها أو تجاهلها لكل من رام الإصلاح الشامل والبحث عن عوامل النهوض بالمجتمع وتنميته وتحديثه. وهي كذلك قضية ذات أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية. ومن هذا المنظور المتشابك العناصر يجب أن تطرح لا من منظور ضيق قد يحصرها في بعد فلسفي مجرد أو فروع فقهية منزوعة عن سياقها وأصولها أو تستعمل هذه القضية الشريفة للمزايدات الانتخابية أو الحملات التشويهية أو للمساومة والمن على المرأة مقابل الأصوات والولاء أو تستغل للعيش منها بدل العيش من أجلها.

إنها قضية المرأة والرجل والأسرة والمجتمع تطرح في جوهر قضية التنمية وفي إطار قضايا مجتمعنا التونسي اليوم والتحديات التي تعترضه وتطلعاته للإصلاح والتغيير وفي إطار البحث عن الحلول المناسبة لثقافته العربية الإسلامية المتحركة تفاعلا مع تجارب العصر وروحه.

II – تقييم عام

1 – لقد تحققت للمرأة التونسية مكاسب في مجال التعليم والصحة والتشغيل والأحوال الشخصية كما بُذلت جهود في مجال الأجور والمشاركة في الشأن العام وفي الحماية الاجتماعية وتشريعات لدفع المساواة بينها وبين الرجل لكن الواقع ما زال بعيدا عما تتضمنه القوانين والتشريعات. وتدارك هذه الهوة يحتاج إلى سياسات ومبادرات وإلى جهود لا تمثل التشريعات إلا جزءا منها ولا يمكن لها أن تؤتي ثمارها ما لم يكن الإصلاح شاملا للحريات العامة والعدالة الاجتماعية والتوعية الثقافية في تفاعل مع المجتمع ودون إكراه.

من ناحية أخرى فقد تراجع نسبيا سلطان بعض التقاليد والتصورات الخاطئة التي ساهمت في تغييب المرأة وإعاقة تفعيل دورها في المجتمع والإقرار بحقوقها كمواطنة وشريكة للرجل في مختلف مجالات الحياة تتكامل الأدوار بينهما لكن النظرة الدونية للمرأة سواء اتصلت بالجسم أو بالعقل أو بالمزاج ما تزال مؤثرة وتساهم التنشئة الاجتماعية في البيت وعبر وسائل الإعلام والمحيط في توارث بعض الأبعاد السلبية لهذه النظرة الدونية وقد تتلبس قيم الانحطاط بقيم الدين ويقع الخلط بينهما لا سيما في ظل ثقافة أحادية وفقيرة لا تساعد على تعميق الوعي العام بإنسانية المرأة ومسؤوليتها وحقوقها كما لا تساعد على نشر وعي ديني أصيل معاصر ومقبول.

2 – إن المرأة التونسية كالرجل تعيش آثار الظلم والاستبداد والاستغلال المسلطة على المجتمع وكلها عوامل تفاقم من مشاكل الأسرة الاقتصادية والاجتماعية وتضيق أمام المرأة أبواب الانطلاق والتحرر وتزرع العوائق أمامها بدل الحوافز. ومعلوم أن الانغلاق السياسي ومصادرة الحريات الخاصة والعامة يغذي الاستبداد الاجتماعي والاستغلال ويتقوى بهما ويعطل حراك المجتمع ويضاعف من عزل المرأة خاصة والرجل عن العناية بالشأن العام (العمل السياسي، العمل الجمعياتي...) وتتضاعف كل هذه العراقيل مع انتشار وسائل إعلام تغيب صورة المرأة الإنسانة الفاعلة في كل المجالات في الحقل وفي المصنع والمؤسسة وفي الأسرة الواعية بدورها وحقوقها ومسؤوليتها وتكرس صورة المرأة الجسد أو الشيء اللاحق بالرجل أو برأس المال للاستغلال. صورة المرأة التي يصير أكبر همها العناية بمظهرها بدل العناية بإنسانيتها في كل أبعادها بما يحقق ذاتها وانعتاقها من كل صور الاختزال والاستلاب.

3 – إن معاناة المرأة العاملة تضاعفت بسبب تحملها لعبء الشغل وعبء شؤون المنزل والتنشئة ذلك أن تقسيم العمل لا سيما المنزلي منه لم يجار التغيير الحاصل في واقع المرأة وبقي بصفة عامة محافظا على اتجاه الرجل نحو العمل والعناية بالشأن العام واعتبار المنزل والأطفال من شؤون المرأة ومما زاد في أعباء المرأة التونسية لا سيما العاملة قلة المرافق المساعدة كالمحاضن ورياض الأطفال وسائر الخدمات التي تخفف عنها أعباء الأسرة خاصة في ظل قدرة مالية ضعيفة. وهذا الوضع زيادة على إنهاكه للنساء العاملات فقد أفرز انعكاسات سلبية على تماسك الأسرة وتوازنها وعلى تنشئة الأطفال ورعايتهم.

III – مبادئ ومنطلقات

إن المجموعة الوطنية تعتز بهويتها العربية الإسلامية وبخصوصياتها الوطنية وتتطلع إلى بناء مجتمع حر متضامن ومتوازن، مجتمع يستلهم من قيم الإسلام ومقاصده المنفتحة على مشاغل الإنسانية وقضايا العصر ويتفاعل مع الحداثة والخبرة الإنسانية ويصون رصيد مكتسباته وينميها باطراد. هذه المبادئ والمنطلقات المرجعية نفصلها كالتالي:

1 – إن المرأة والرجل في تصورنا الإسلامي خلقا من نفس واحدة فهما متعادلان في الإنسانية وخوطبا في القرآن الكريم بالاستخلاف والتكريم وحمل الأمانة دون وصاية أحدهما على الآخر ولا وساطته كما أنه لا تفاضل بالذكورة والأنوثة وإنما التمايز بالعمل والخلق. والمساواة والعدل بينهما في الحقوق والواجبات أصلان ومقصدان لا يحتاجان إلى إثبات موجبات لهما وإنما إلى تدارك ما قد يعرقل تحقيق هذين المقصدين من العوارض المختلفة الناجمة عن واقع المجتمع ومسار تطوره.

2 – إن المرأة والرجل خلقا للتراحم والتكامل لا للصراع الثنائي والأسرة السليمة ضمانة لتنشئة أجيال متوازنة ومجتمع متماسك وهي تستلزم تضحيات الرجل والمرأة وتعاونهما وتكاملهمـــا وتنزيل حقوقهما ضمن توازن بين حقوق الفرد وحقوق الأسرة وحقوق المجتمع.

3 – إن روح الدستور التونسي كعقد عام جامع لكل التونسيين حول مجموعة من المبادئ والقيم المشتركة قد أقرت وأبرزت الهوية العربية الإسلامية للبلاد وضمنت سيادة الشعب وخيار النظام الجمهوري الديمقراطي المبني على قيم الحرية والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين كل التونسيين أي على أساس المواطنة.

لقد أكد التاريخ أن عزل المرأة عن المجتمع هو العامل الرئيسي في تكريس دونيتها ومضاعفة العقبات أمام تنمية شخصيتها والإقرار بحقوقها وتفعيل دورها في نهضة المجتمع ودعم أركانه في الأسرة وفي سائر ميادين الحياة كما أكدت تجارب المجتمعات المتقدمة التلازم الوثيق بين تقدمها وارتقاء مكانة المرأة فيها وقطع أشواط في مساواتها مع الرجل قانونا وواقعا ودعت المواثيق الدولية والتوصيات العاكسة لخلاصة الاعتبار من رصيد الخبرة الإنسانية إلى تأكيد حقوق المرأة وتدارك الاختلال الحاصل بينها وبين الرجل ولو بمبادرات وسياسات استثنائية ومؤقتة.

وفي ضوء هذه المبادئ والمنطلقات وأخذا بعين الاعتبار التقييم العام لواقع المرأة في مجتمعنا اليوم فإننا نجدد رسوخ القناعة والالتزام لدينا:

1 – بصيانة مكتسبات المرأة المحققة وبتأكيد حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية حتى تضطلع بدورها متحررة من عوائق التقاليد الموروثة والمستوردة، كما نؤكد أن تحررها الحقيقي وتحرر الرجل مرتهن بتحقيق الحريات الأساسية والديمقراطية.

2 – بضرورة العمل على الارتقاء الدائم بحقوق المرأة كمواطنة في تساو وتكامل مع الرجل واتخاذ السياسات والمبادرات لتدارك كل الإختلالات وإن يكون الارتقاء والتطوير مع الرجل وبتعاونه لا ضده ضمانا لنجاعة الإصلاح وتجذيره وبناء مجتمع الحرية والعدل والمساواة.

3 – نشر ثقافة تؤكد التصور المستلهم من قيمنا الإسلامية ومن روح العصر وعصارة تجاربه، تصور يرسخ المرأة الإنسانة والمواطنة والمتساوية والشريكة والمتكـــاملة مع الرجل، تصور ينمي شخصية المرأة والرجل ولا تطغى فيه خصوصيات كل من الجنسين على وحدة الأصل ويدمجهما ضمن رؤية تنموية لمجتمع حديث، تصور يحاصر النضرة الدونية للمرأة أيا ما كان مستندها.

4 – العمل على توفير الخدمات والمرافق المساعدة للأسرة ودراسة تكييف ظروف العمل وأوقاته بالنسبة للمرأة العاملة بما يسهل عليها خاصة وعلى الرجل النجاح في الحياة الأسرية والمهنية والمشاركة الفاعلة في الشأن العام ومسايرة التحولات العميقة في المجتمع ويحفظ مناعته.

إننا ومن منطلق مبدئي مع قيم الحرية والعدالة والمساواة، مع الديمقراطية وحقوق الإنسان ونعتقد أن لها موقعا مريحا في قيم ديننا التحررية ومقاصده السامية وأن تمكين هذه القيم والمبادئ في مجتمعنا يحتاج إلى المثابرة على تخليصها مما علق بها من رواسب الانحطاط والانبتات بدعم حركة التجديد في الفكر الإسلامي والارتقاء بالوعي العام وتكريس الحقوق في النصوص القانونية والممارسة. كما نعتبر أن لمجتمعنا من رصيد الوعي والتجربة ما لا يقبل معه أي وصاية أو إكراه على اختيارات تهم مصيره. فالمشروعية في كل أمره العام ينبغي أن تعود إليه مباشرة ومن خلال مؤسسات ديمقراطية ترسي مجتمع المواطنة والحكم الرشيد.

ديسمبر 2006



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني