الصفحة الأساسية > البديل الوطني > النظام الجديد للتأمين على المرض: ضرب حق المواطن في الصحة
النظام الجديد للتأمين على المرض: ضرب حق المواطن في الصحة
18 تشرين الأول (أكتوبر) 2004

صادق " مجلس النواب " في جلسته ليوم الأربعاء 28 جويلية 2004 وبالإجماع على مشروع القانون الذي عرضته الحكومة والمتعلق بنظام التأمين على المرض [1]. وبالمصادقة على هذا القانون أسدل الستار على أكثر من ستّ سنوات من الإعداد و"الحوار" والتفاوض بخصوص هذا النظام. وللإشارة فإن المصادقة على هذا القانون جاءت يوما فقط بعد إمضاء الاتفاق بين الحكومة والمكتب التنفيذي للاتحاد حول المشروع (الثلاثاء 27 جويلية 2004) وثلاثة أيام بعد موافقة الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد على إمضاء ذات الاتفاق (السبت 24 جويلية 2004).

1 - الهيئة الإدارية والموقف من المشروع:

دعا المكتب التنفيذي الهيئة الإدارية للانعقاد استثنائيا وعلى وجه السرعة خصيصا للنظر في مشروع الاتفاق الذي أعدته وزارة الشؤون الاجتماعية والذي اعتمدته القيادة النقابية بعد نقاش مطول داخلها بين مؤيد لفكرة اعتماد مشروع الوزارة ومطالب بضرورة اعتماد القيادة مشروع اتفاق تعده بعد التشاور مع هياكل المنظمة وبناء على نتائج المشاورات السابقة في الغرض.

وكانت الغلبة في النهاية لصالح المقترح الأول تحت ضغط بعض أعضاء القيادة (محمد شندول وسليمان الماجدي وعبد السلام جراد).

تولى رضا بوزريبة الأمين العام المساعد المكلف بالمشاريع الاجتماعية عرض نص مشروع الاتفاق على الهيئة الإدارية وتكفل زميله عبيد البريكي الدفاع عن مضمونه وتفسيره وبالطبع إقناع أعضاء الهيئة بالموافقة على إمضائه. واضطر الأمين العام عبد السلام جراد للتدخل أكثر من مرة للرد على كل من اتخذ موقفا نقديا من نص الاتفاق المعروض أو عارضه. وبعد نقاش طويل ومحتد أحيانا عرض النص على التصويت وحاز على موافقة أغلبية كبيرة ولم يصوت ضده إلا خمسة أعضاء هم الكتاب العامون للإتحادات الجهوية بصفاقس والقيروان والكتاب العامون لنقابات التعليم العالي والثانوي والأطباء وصندوق الضمان الاجتماعي واحتفظ بصوته عضو المكتب التنفيـذي منصف اليعقوبي والكاتب العام للاتحاد الجهوي بالمهدية.

وكان الأمين العام حاول منع زميله اليعقوبي من أخذ الكلمة بتعلة أنه عبر عن موقفه داخل المكتب التنفيذي في وقت سابق. والحقيقة أن جراد ما كان في صالحه أن تطلع الهيئة الإدارية عن الخلاف الدائر داخل المكتب التنفيذي أولا ليظهر دوما في مظهر المسيطر على القيادة وثانيا لكي لا يؤثر اليعقوبي على الهيئة الإدارية في الاتجاه الذي لا يوافق رأي الأمين العام. لقد حاول جراد منع وقوع "سابقة خطيرة" لا ينبغي السماح بها.

2 - أبعاد القانون: التعميم طريق لتمرير التفاصيل وجوهر المشروع

جاء القانون الجديد لنظام التأمين على المرض في 29 فصل. تكتسي غالبية هذه الفصول (13 فصل حسب مداولات مجلس النواب) طابعا تعميميا مقصودا وتستوجب إصدار نصوص تطبيقية (أوامر وقرارات) توضيحية وتفصيلية وهو ما يفسر المعارضة التي عبر عنها البعض والمخاوف التي انتابت الكثير بما في ذلك عدد من النواب الذين عادة ما يباركون مشاريع الحكومة ويصوتون عليها.

فالخطير في الأمر إذن هو أن الحكومة استطاعت أن تكسب تأييد الجميع وخاصة المنظمة النقابية لتمرير المشروع لاستصدار القانون المؤسس للنظام الجديد معتمدة الغموض والتعميم لتعويم مقاصدها الحقيقية التي ستكشف عنها لاحقا في النصوص التطبيقية. علما وأن الكثير من هذه التفاصيل كانت الحكومة ضمنتها في المشروع الأولي منذ ما يزيد عن خمس سنوات ثم حذفتها بعدما لقيت معارضة لها لا فقط من المنظمة النقابية وإنما أيضا من المنظمات المهنية الأخرى الطبية والصيدلية وغيرها. وعلما أيضا وأن هذه النوعية من النصوص لا تخضع بالضرورة لمصادقة مجلس النواب لأنها تقع ضمن اختصاصات السلطة التنفيذية وعادة ما تسن وتنشر دون التفاوض في شأنها مع الأطراف الاجتماعية المعنية.

وهكذا إذن تكون المصادقة على المشروع بالصيغة التي تقدمت بها الحكومة بمثابة الإمضـاء على صك أبيض لتنفيذ مشروعها دون أن يكون بيد أي طرف توقيف تنفيذه لاحقا.

وجوهر النظام الجديد يكمن في سعي الحكومة إلى تخلي الدولة تماما عن مسؤولياتها وتحميل المواطن كلفة العلاج علمـا وأن الكلفة العلاجية العامة تقدر اليوم بحوالي 1500 مليون دينار سنويا أما نسبة الخصم بالمقادير المعمول بها حاليا لا توفر سوى 650 مليون دينار لذلك نص النظام الجديد على الترفيع في هذه المعاليم ومن المنتظر أن تشهد زيادات أخرى لاحقا لتغطية العجز بما أن الدولة ليست جادة في استرجاع ديون الصناديق الاجتماعية المتخلدة بذمة عديد المؤسسات العمومية والخاصة.

والمعروف أن نظام التغطية الاجتماعية في بلادنا ممول كليا من قبل المساهمين المباشرين أجراء ومؤجرين، ولا تساهم فيه الدولة على خلاف عدد كبير من الدول الأخرى.

وبهذه الطريقة سيثـقل كاهل المواطن – أجيرا كان أو غير أجير – أكثر لتمويل النظام الجديد. ومعلوم أن عديمي الدخل والعاطلين سيكونون هم الضحية الكبرى إذ لن يكون بمقدورهم تحمل مصاريف العلاج بما أنهم لا يساهمون في تمويل النظام الجديد. ومن جهة أخرى فإن المعالجة التي ستستوجب في المستقبل المرور عبر "طبيب العائلة" قبل التوجه للمؤسسات الاستشفائية لا تراعي طبيعة الخارطة الصحية الحالية التي تتميز بعدم التكافؤ بين مختلف جهات البلاد من حيث انتصاب الأطباء والمؤسسات الصحية الكفأة والمختصة.

وبطبيعة الحال ونظرا لتهرّب الدولة من تحمل مسؤولية الإنفاق على خدمات الصحة سيستأثر الخواص بالاستثمار في بعث المؤسسات الصحية لترقيع الخارطة الصحية وبما أن الخواص لا يتعاملون مع فرص الاستثمار إلا من زاوية المردودية والربح فإن الاختلال الحالي بين الجهات سيستمر وسيظل مواطنو المناطق المحرومة على حرمانهم كالعادة. إضافة إلى ذلك فإن الوضع الذي عليه مؤسسات الصحة العمومية من نقص في الإمكانيات البشرية والفنية وفي التجهيزات سيضعها في سياق مزاحمة لا متكافئة مع مؤسسات القطاع الخاص التي لا يقدر المواطن صاحب الدخل المحدود على أسعارها. لذلك يمكن القول أن القطاع الصحي الخاص سيكون بفضل النظام الجديد هو البديل عن قطاع الصحة العمومية.

لقد كسبت الحكومة هذه الجولة وتنطلق بإمكانيات تشريعية وسياسية جيدة لاستكمال مخططها في التخلص من واجب رعاية صحة المواطن. هذا الكسب ليس إلا مقدمة مشجعة للمضي قدما في تنفيذ مخطط عام لمراجعة كل الخدمات الاجتماعية (التعليم والنقل ...) ومن المنتظر حسب ما يروج أن تعرض الحكومة قريبا مشروعها الجديد في مراجعة نظام التقاعد والحيطة الاجتماعية.

هوامش

[1نوافيكم في العدد القادم بقراءة معمقة في النظام الجديد



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني