الصفحة الأساسية > البديل العالمي > انتصار للكادحين على أوروبا الاستغلال والقهر
الاستفتاء في فرنسا على الدستور الأوروبي:
انتصار للكادحين على أوروبا الاستغلال والقهر
تموز (يوليو) 2005

يوم 29 ماي المنقضي صوتت أغلبية الشعب الفرنسي (55%) بـ"لا" في الاستفتاء الخاص بالدستور الأوروبي على الرغم من أن دعاة التصويت بـ"نعم" استخدموا في حملتهم إمكانات الدولة وتمتعوا بتأييد 99% من وسائل الإعلام علاوة على دعم الكنيسة وغيرها من المؤسسات المؤثرة عادة في صنع الرأي العام. لذلك شكّل رفض الفرنسيين للدستور الأوروبي بمثل تلك الأغلبية صفعة كبيرة لشيراك ولكبرى الأحزاب أي UMP والحزب الاشتراكي PS والاتحاد الديمقراطي الفرنسي UDF، وفتح أزمة على غاية من الأهمية في الحياة السياسية الفرنسية. كما امتدت آثار هذا الرفض إلى الأقطار الأوروبية الأخرى إذ أنه أعطى دفعا لمعارضي الدستور في هولندا الذين صوتوا ضده، بعد أيام قليلة من الـ"لا" الفرنسية، بنسبة 61%. وهو ما جعل القادة الأوروبيين يتوقفون عن مواصلة عرض الدستور على الاستفتاء خوفا من "لاءات" جديدة، بل إن الانطباع السائد حاليا لدى الأوساط الرسمية الأوروبية هو أن "الدستور الأوروبي" انتهى أمره.

إذن كل من تابع المعطيات التي نشرت حول الاستفتاء بفرنسا يلاحظ بيسر أن القوى الاجتماعية التي صوتت بكثافة بـ"لا" تتركب في الأساس من العمال وكادحي المدن إلى جانب أقسام كبيرة من الحرفيين ومن مزارعي الأرياف. كما يلاحظ تصويت النساء من الأوساط الشعبية بكثافة ضد الدستور. وكذلك الشباب. وفي كلمة فإن غالبية الذين صوتوا بـ"لا" ينتمون إلى الأوساط الشعبية. أما بالنسبة إلى القوى السياسية التي عارضت وعبأت الكادحين ضده بشكل نشيط وفعال، متحدية المؤسسات الرسمية والآلة الدعائية الضخمة للبورجوازية، فمعظمها من اليسار الذي وجد الأرضية المناسبة والطرق والأساليب التي جعلته يتحرك بصورة مشتركة.

ولسائل أن يسأل لماذا عارضت الأوساط الشعبية الفرنسية الدستور الأوروبي؟ الجواب يتمثل في أن هذه الأوساط التي ساهمت في/أو تابعت بشكل غير مسبوق النقاشات التي دارت حوله خلال الحملة وحتى قبلها، في الاجتماعات العامة وفي وسائل الإعلام، أدركت أن ذلك الدستور لم تقع صياغته لها وإنما لأباطرة رأس المال في أوروبا الذين من خلال ممثليهم السياسيين، وفي مقدمتهم رئيس لجنة صياغة الدستور، الرئيس الفرنسي الأسبق، فاليري جيسكار ديستان، على تنزيل نهجهم الاقتصادي الليبيرالي، الراسمالي المتوحش، منزلة دستورية أي تحويله إلى قانون أساسي لأوروبا الموحدة تخضع له شعوبها وبالخصوص كادحيها. وبما أن العمال والكادحين الفرنسيين خبروا بأنفسهم على مدى سنوات طويلة طبيعة الليبرالية الاقتصادية التي أصبحت تعني عندهم تفاقم الفوارق الطبقية بين الأغنياء والفقراء والطرد الجماعي والبطالة والفقر والتهميش وتردي الخدمات الاجتماعية والثقافية والقمع السياسي والنزعة العنصرية، فقد صوتوا بـ"لا" ضد الدستور المعروض عليهم والذي التف على حقوقهم ومكاسبهم الاجتماعية (الحق في الشغل وفي الخدمات العامة…) والسياسية (اللائكية، حرية التعبير…) إضافة إلى أنه التف على العديد من حقوق النساء.

إن التصويت بـ"لا" على الدستور الأوروبي كان إذن تصويت الكادحين والفقراء وكل الفئات الشعبية المسحوقة ضد البورجوازية الكبيرة المالية والصناعية الأوروبية. هذا هو مغزاه الحقيقي.

ومثل هذا التصويت يهم العمال والكادحين وعموم الشعب في تونس لما فيه من بعد أممي. فالذين قالوا "لا" لأوروبا الليبيرالية، إنما عبروا أيضا على رفض سياستها الخارجية الاستعمارية القائمة على النهب والسيطرة والهيمنة التي نعرف عنها الكثير نحن في تونس بما في ذلك عن طريق "اتفاقية الشراكة الأورومتوسطية" التي عقدها نظام بن علي مع الاتحاد الأوروبي منذ نهاية عام 1995 والتي نعيش آثارها المدمرة اقتصاديا (إفلاس شركات، تبديد للمنشآت العمومية، تعميق التبعية) واجتماعيا (تفاقم الطرد الجماعي، والبطالة والتهميش وتدهور المقدرة الشرائية إلخ..).

لقد ترددت ولا تزال تتردد فكرة ساذجة لدى الأوساط الشعبية التونسية عن "الوحدة الأوروبية" وهي فكرة تجد لها صدى حتى في مواقف بعض الأحزاب والمثقفين، وهي تتمثل في تأييد هذه الوحدة بدعوى أنها ستسمح بقيام قوة عظمى جديدة في وجه الولايات المتحدة تسمح بخلق نوع من التوازن معها يمكن أن يستغله العرب والشعوب الضعيفة لصالحهما. وهذه الفكرة مغلوطة وخطيرة لأن قيام قوة راسمالية عظمى أخرى (مع العلم أن الدول الطامحة إلى ذلك كثيرة وهي الصين واليابان والهند إلخ…) لن يحمل إلى الكادحين والشعوب إلا المزيد من الاستغلال والنهب ومخاطر الحروب المدمرة من اجل السيطرة على العالم. وبعبارة أخرى فإن المطروح على الشعوب ليس الاتكال على قوة امبريالية لمواجهة أخرى وإنما المطروح عليها التعويل على نفسها وتقوية التضامن الأممي بينها لكبح جماح الامبريالية العالمية.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني