الصفحة الأساسية > البديل النقابي > رائحة أزمة نقابية!
رائحة أزمة نقابية!
تموز (يوليو) 2005

لكل عشرية أزمتها! ذلك هو قدر الاتحاد العام التونسي للشغل والحركة النقابية التونسية ككل منذ مولدها حتى أزمة خريف سنة 2000 التي أزاحت السحباني ثم أودت به إلى السجن ممهدة الطريق إلى مؤتمر جربة الاستثنائي الذي توج بما يسمى "مسار التصحيح النقابي". وقد بدا الاتحاد بعد هذا المؤتمر وكأنه دخل "مرحلة استقرار جديدة" ليملأ التي منحها إياه تاريخه الطويل المتقلب بين الوفاق والوئام بل والتبعية أحيانا وبين التباين والانتقاد والمعارضة لنظام الحكم أحيانا أخرى. لكن مؤتمر جربة أضفت عليه صفته الاستثنائية طابعا خاصا جعله في نظر أكثر من مراقب "أكثر ديمقراطية" من سابقيه من المؤتمرات التي سادها الانغلاق وغطرسة البيروقراطية المؤتمرة بأوامر بن علي ونظامه كما جعله منطلقا لـ"مسار جديد أكثر حيوية" مقارنة بما كانت عليه أوضاع الاتحاد خلال العشرية السابقة –إلى جانب عوامل أخرى بالتأكيد- سلسلة المواقف التي لم يعتد الاتحاد الإقدام عليها ونعني تصويت جزء من الهيئة الإدارية ضد قانون التأمين على المرض، وتصويت ربع أعضائها ضد تزكية بن علي لرئاسة جديدة، وإصدار المكتب التنفيذي لبيانه الشهير ضد زيارة شارون ثم أخيرا رفض أغلبية الهيئة الإدارية الدخول لمجلس المستشارين على الصيغة التي ضبطها بن علي.

هذا التمشي أثار بطبيعة الحال حفيظة الدكتاتورية وراجت أخبار حول "غضب السلطة" وذهب كثير من التحاليل لترجيح احتمال رد الفعل إلى أن جاءت أولى مؤشراته الجدية المتمثلة في تجنيد بلدية تونس لعدد من العمال بتحريض وحراسة من أعوان البوليس من كل الفرق للتجمهر أمام الاتحاد والاحتجاج على قيادته وهياكله في محاولة لبث البلبلة والفرقة داخل حركة البلديين الأخيرة. هذا الحدث جعل الكثير يتنبأ بإقدام السلطة على افتعال أزمة داخل الاتحاد لثنيه عن توجهه الحالي.

لقد مولت السلطة على امتداد أكثر من 15 سنة سياستها القمعية بجملة من الشعارات أهمها "الاستقرار الاجتماعي" و"المعجزة الاقتصادية". ومعروف لدى الخاص والعام أن سياســة التواطؤ التي انتهجها الاتحاد في عهد السّحبـــاني حولت الاتحاد إلى السند الاجتماعي الرئيسي للدكتاتورية وللاستقرار المزعوم. وطبيعي أن يصبح هذا الاستقرار مهددا إذا ما تنحى الاتحاد عن موقعه المتواطئ، ومن الطبيعي أيضا أن تسارع الدكتاتورية إلى افتعال كل ما من شأنه أن يقطع الطريق عن الاتحاد كي لا يستعيد مكانته التي احتلها في وقت من الأوقات كسلطة مضادة نسبيا (النصف الثاني من السبعينات والنصف الأول من الثمانينات). ومن هذا المنطلق يبدو أن اوساط السلطة منكبة الآن على دراسة أنجع السبل لتنفيذ مخططها.

والأكيد أن انشغالات العمل اليومي وطرق العمل العفوية المعتادة وكذلك انشغال كل قياديي الاتحاد بتحضير ضمانات النجاح في مؤتمر 2007 من الأسباب التي لا تجعل المنظمة تفكر حتى على سبيل "السيناريوهات" في انقلاب نظام الحكم عليها. هذا رغم أن المؤشرات كثيرة سواء منها تلك التي لا تتداول إلا في الكواليس أو تلك التي ينظر إليها كمجرد "تطورات داخلية" مثل تكتل عدد من الكتّاب العامين للاتحادات الجهوية للضغط على المكتب التنفيذي الوطني قبيل انقضاء أجل تقديم الترشحات لمجلس المستشارين عساه ينقلب على موقف الهيئة الإدارية ويمكنهم من صيغة للترشح. ومثل هذه الحركة تحيلنا على فكرة أن إثارة أزمة داخل الاتحاد لن تكون هذه المرة على شاكلة أزمة 26 جانفي ولا حتى أزمة 85 وإنما ببعث الانقسام من الداخل وتأليب شق على آخر حتى يبدو الأمر نقابيا بحتا. وهو أسلوب اعتاده بن علي سواء في تفكيك الأحزاب أو الجمعيات أو المنظمات القانونية ليحولها إلى ديكور عندئذ سينكشف الذين سمسروا بالقضايا وزايدو بمحبة الاتحاد ليتنفذوا فيه ثم قلبوا له ظهر المجن. وعندئذ ايضا سيقيم الذين نعتوا دوما بخطورتهم على الاتحاد الدليل على أنهم أبناؤه الأوفياء الصامدون وسيذودون هم –وفي الأساس هم- عنه من تخريب الأعداء الخارجيين والداخليين. فلنكن يقظين.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني