الصفحة الأساسية > البديل النقابي > إجراءات انتقامية ضد المضربين وتصميم على مواصلة النضال
الإضراب الإداري في التعليم العالي:
إجراءات انتقامية ضد المضربين وتصميم على مواصلة النضال
تموز (يوليو) 2005

بلغ التعنت ورفض الحوار بالسلطة حدا جعلها لا تملك إزاء إضراب أساتذة التعليم العالي إلا خيار الإجراءات الانتقامية والزجرية للجامعيين لثنيهم على مواصلة النضال بجميع الصيغ الشرعية الممكنة، ومواصلة الدفاع عن المطالب المرفوعة وفي مقدمتها فتح باب التفاوض مع النقابة، وصيانة الجامعة العمومية، والتسيير الديمقراطي للجامعة، والنهوض بالبحث العلمي وبالوضع المهني والمادي لأهل القطاع.

لقد قرروا تعليق الإضراب الإداري الناجح بعد زهاء الشهر من انطلاقه رغبة في إتاحة الفرصة للمساعي المبذولة من قبل المكتب التنفيذي للاتحاد في حمل سلطة الإشراف على الاعتراف بالتمثيل النقابي داخل القطاع والكف عن التدخل في الشأن الداخلي للمركزية النقابية، والقبول بفتح التفاوض. وهو إضراب جزئي لم يشمل سنوات التخرج وتأطير الرسائل والأطروحات والمد بمواضيع الامتحانات ومراقبة إجرائها، واجتماعات لجان الماجستير والدكتوراه والتأهيل، بل انحصر في الامتناع عن تسلم أوراق الامتحانات وعن إصلاحها. وعلل الطرف النقابي هذه الصبغة الجزئية للإضراب بمراعاة مصالح الطلبة وأوليائهم الذين ينتظرون تخرجهم. ومنذ أن تم تعليق الإضراب دخل الأساتذة في سباق ماراطوني مع الوقت من اجل التكفل بعملية إصلاح الدورة وإعادة إصلاح الامتحانات التي أصلحها غير المختصين ثم بإنجاز دورة التدارك. ويوشك القطاع أن يفرغ من امتحاناته بفضل الجهد المضاعف الذي بذله الأساتذة. فكيف قابلت سلطة الجهل والبطش البدائي هذا السلوك المسؤول وبأي شيء واجهت مطالب هذه النخبة من نخب البلاد؟

لم تجد غير نهج التسلط والتصلب و"التأديب" الجماعي وغير الإمعان في سد باب الحوار حول الشأن الجامعي حتى مع أعضاء المكتب التنفيذي الذين قابلوا الوزير، وفوجئ المضربون بقطع مرتباتهم عن شهر جوان، مع التهديد بمزيد الإجراءات كالحرمان من منحة الإنتاج والاقتطاع من جراية شهر جويلية وكالعقوبات الإدارية (نقل، تعطيل ترقيات…إلخ). وبلغت قلة الحياء الحضاري بالسلطة أن أصدرت منشورا يمنع السفر على الخارجين في مهمات أثناء الإضراب، ويمنع تمتيعهم بمنح البحث.

ولأول مرة يقع رد الفعل إزاء فعل متحضر وقانوني وشرعي بقطع جراية كاملة عن أجراء أنجزوا ما عليهم، وبالتالي بمثل هذه الفعلة المتوحشة التي غايتها تجويع الأجير والزج به في مأزق مادي مع عائلته ومع الأطراف التي تقتطع من جرايته شهريا، لا عقابا على جرم ارتكبه بل عقابا على ممارسته لحق يكفله الدستور كما تكفله جميع القوانين، هو الحق النقابي الذي منه حق الإضراب.

إن تعمد السلطة قطع أرزاق المضربين معناه تسديد ضربة لهذا الحق الذي لا بقاء للمركزية النقابية وللنقابة من دون الدفاع عنه وفرضه، مهما كان الثمن. وإذا تخلى الطرف المستهدف أو تخاذل ولم "يؤدب" السلطة على هذا الانتهاك الخطير فإن الإضراب مستقبلا يدخل في باب المجازفة وقد لا يجد من يمارسه أو يفكر فيه.

تقبّل مئات الأساتذة الذين حرموا من شهرية جوان هذا الاقتطاع المنافي للقانون ولأبسط الاعتبارات الإنسانية، بمزيد السخط والتشهير الذي لم تحسب السلطة حسابا لعواقبه على وجودها داخل هذا القطاع الذي بات أتباعها ومخبروها فيه منبوذين يشار إليهم بإصبع الاحتقار والازدراء، خصوصا بعد الأدوار القذرة التي لعبوها مع كمشة من الانتهازيين باعة الدم والضمير، أثناء الإضراب، لتصفية حسابهم مع أحرار القطاع، والسعاية ضد المضربين والتأليب عليهم وعلى حقوقهم الدنيا. لكن القطاع فاجأ الجميع بطاقته النضالية وبما يوجد داخله من زخم نسائي ورجالي على السواء، وكان إضراب الشهر مناسبة لفرز قد لا يتحقق طيلة سنوات في الظروف العادية. الفرز والاستقطاب قابلا بين شريحة واسعة نسبيا من الجامعيين على خط الحرية والحداثة، وبين نواة ضيقة من أشباه الجامعيين منبوذة ومعزولة رغم الأبواب المفتوحة أمامها، إداريا وإعلاميا وأمنيا ماديا.

وكان التحرك فرصة لكي يكتشف الأحرار بعضهم بعضا ويخرقوا الحصار المضروب، والانكماش الذي غذاه مناخ البطش النوفمبري وعززته ثقافة الـ"أنا وبعدي الطوفان" في السنوات الماضية، وتجسدت هذه الروح لا في أيام الإضراب فحسب عبر الاجتماعات والتجمعات والمواجهات اليومية للحلقات الضعيفة وللدعاية المناوئة والإعلام الكاذب والضغوط الإدارية (برقيات ورسائل تهديد وزارية، استجوابات، مكالمات، ضغوط مباشرة…) ومحاصرة بوليسية (منع التجمع أمام الوزارة أو الجامعات…) بل كذلك بعد تعليق الإضراب وانطلاق الحملة الانتقامية. فقد أبدى الجامعيون الأحرار، وهم بالمئات في مختلف الأجزاء، روحا تضامنية عالية لمواجهة التأثيرات السلبية لجريمة قطع الأجور، ولتفويت الفرصة على سلطة الاستبداد التي مازالت تراهن على العصا من أجل إخضاع القطاع، كما راهنت عليها مع بقية القطاعات والجمعيات الرافضة للتركيع (محامون، قضاة، طلبة، رابطيون، نقابيون…) وهي بذلك تراكم الحماقة تلو الحماقة ولا تحصد سوى مزيد العزلة.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني