الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > حتى لا تتحوّل الجائزة إلى جزء من الدّيكور الثقافي الرّسمي
جائزة كومار للرّواية التونسية:
حتى لا تتحوّل الجائزة إلى جزء من الدّيكور الثقافي الرّسمي
14 حزيران (يونيو) 2009

انطلقت جائزة كومار للرّواية التونسية سنة 1997 عندما تعهّدت "تأمينات كومار" بدعم الرّواية التونسية وتخصيص جوائز مالية للروايات التي تختارها لجنة التحكيم.

دورة هذه السنة سجلت مشاركة 25 رواية باللغة العربية و10 بالفرنسية، وتزامنت مع صدور عدد من الكتب التي لم يكن من الممكن أن تصدر سابقا بسبب الرقابة المسبقة التي كانت مفروضة على المنشورات والتي وقع إلغاؤها بقرار رئاسي لم يتمّ التنصيص عليه إلى حدّ الآن.

ومن البديهي أن هناك شرطين أساسيين لكي تكون الجائزة نزيهة وتعكس قيمة المشاركات المتوّجة. الشرط الأول هو استقلالية الدورة وعدم تبعيتها لأيّ جهة سياسية وخاصة السلطة السياسية الحاكمة. والشرط الثاني هو كفاءة واستقلالية لجنة التحكيم.

للأسف لم يكونا هذان الشرطان متوفران في دورة هذه السنة. فمنذ البداية اتضح أن الدورة تجري تحت الإشراف المباشر لوزارة الثقافة وأن كل عناصر لجنة التحكيم مرتبطون بشكل أو بآخر بالمشهد الثقافي الرسمي.

وكل من تابع حفل توزيع الجوائز بالمسرح البلدي بالعاصمة لاحظ أن هذا الحفل كان نسخة رديئة من كل التظاهرات الثقافية الرسمية التي تنظمها السلطة لتلميع صورتها وإرضاء اللاهثين وراء الجوائز المشبوهة والأضواء الكاذبة. فقد انتظم الحفل تحت إشراف وزير الثقافة الذي كان "نجم السهرة" بدون منازع، ولم تكن الرواية التونسية سوى "إنجاز" من إنجازات السلطة. فهل أن وزير الثقافة محايد حتى تتم الدورة تحت إشرافه؟ وماذا سيكون نصيب الروائيين الذين اختاروا السير في الاتجاه المعاكس للسلطة ولوزير ثقافتها؟ أليس لدينا مؤسسات ثقافية مستقلة يمكن وضع الدورة تحت إشرافها إذا كان لا بد من إشراف؟

إن وضع الدورة تحت إشراف وزير الثقافـة، الممثل للسياسة الثقافية للحزب الحاكم، يعكس عقلية الوصاية والاحتواء، وهو رسالة واضحة إلى كل من اختار السير ضد التيّار المهيمن على المشهد الثقافي في بلادنا. هذا التيار الذي ساهم بشكل مباشر في ما آلت إليه أوضاع الثقافة والمثقفين خاصة في "العهد الجديد" من تصحّر بسبب التضييق على حرية الرأي والتعبير وقمع الرأي المخالف ومصادرة حق التنظم في جمعيات ثقافية مستقلة ومنع الكتب والنشريات والأعمال المسرحية وغيرها وتهميش الأعمال الجادة ودعم ثقافة "البزنس" والدعارة والتهريج ومهادنة الدكتاتورية وتلميع صورتها والسكوت عن جرائمها...

وجاءت لجنة التحكيم عاكسة لهذا التوجه. فكل عناصرها يحومون حول مؤسسة الحكم وهناك من لا يخفي انتماءه للحزب الحاكم ودفاعه عن توجهاته. ولا يوجد من بين هذه العناصر ولو عنصر واحد ينتمي إلى فئة المثقفين الذين تحمّلوا مسؤوليتهم التاريخية في الدفاع عن الثقافة الجادة وعن حق الجميع في التعبير والنشر. أين كان عناصر هذه اللجنة عندما كان المثقفون الأحرار يواجهون المحاصرة والمنع ولا يزالون؟ وما هو موقف هؤلاء من السياسة الثقافية الرسمية التي لم تثمر سوى الجدب وعقلية الولاء والمهادنة وبيع الضمائر وكراء الأقلام وترويج الهابط وضرب النافع؟

وقد جاء تقرير لجنة التحكيم ليؤكد هذه الحقائق حيث خلا كغيره من التقارير السابقة من أيّ إشارة إلى ما تعرّضت له بعض الروايات والكتب من منع ومحاصرة بسبب الرقابة. كما تغافل التقرير على ما آل إليه حال الكتـّاب والكتاب بسبب السياسة الثقافية المنغلقة والمانعة لكل اهتمام بالشأن السياسي واقتصارها على الممنوع الجنسي والديني في إطار الرؤية التي تسمح وتشجّع عليها السلطة. والغريب في الأمر أن التقرير لم يكتف بالصمت على هذه الجرائم في حق الإبداع الروائي والفني بصفة عامة بل وجّه انتقادات إلى من تجرّأ على الخوض في المحرّم السياسي مصنفا هذه الكتابات ضمن تلك التي "تحمل شحنة إيديولوجية زائدة تصل حدّ التشهير". وإن كان التقرير لم يشر إلى رواية بعينها إلا أن المقصود هو رواية "أحلام هاربة" للروائي عبد الجبار المدوري، الذي تناول فيها، بجرأة غير مسبوقة، موضوع العيش في "السريّة" وما يعنيه ذلك من ملاحقة وقمع. وهي تكشف بشكل فني عما يمكن أن يتعرّض له المناضل السياسي المنتمي إلى تنظيم محظور من قمع وما ينتج عن ذلك من تداعيات اجتماعية ونفسية عليه وعلى عائلته وأصدقائه وكل المقربين منه خاصة عندما يجد نفسه ملاحقا من طرف البوليس السياسي ممّا يضطره إلى العيش متخفيا، باحثا عن ملجأ... وفي رحلة بحثه تقرأ أجمل مشاعر الخوف والحذر والتحدي، وفضحا جريئا وواضحا للمسكوت السياسي. ورغم أنّ موضوع الرواية جديد ولم يتطرّق إليه أي كاتب تونسي من قبل، ورغم ما لقيته هذه الرواية من رواج ومن قبول لدى القراء، فإن لجنة التحكيم تجاهلتها بشكل مقصود. حتى أن بعض الملاحظين لاموا كاتبها على مشاركته في مسابقة يعرف الجميع أنها تدور تحت سقف السلطة.

وحتى لا تتحوّل هذه الجائزة إلى جزء من الديكور الثقافي الرسمي فإن المطلوب هو أولا، إخراجها من تحت عباءة السلطة وتكليف لجنة مستقلة بالإشراف عليها. وثانيا، تغيير لجنة تحكيمها لتضمّ في صفوفها أسماء مشهود لها، ليس بالكفاءة في ميدان الإبداع الأدبي والنقدي فحسب، بل وكذلك، وهذا هو الأهم، بالمبدئية والنضالية والوقوف إلى جانب حرية الإبداع وحرية التنظم الثقافي ضد القمع والمحاصرة وضد سياسة شراء الضمائر وكراء الأقلام وتوجيهها. بدون ذلك فإن هذه الجائزة ستكون بمثابة رشوة تـُمنح مقابل السكوت والمهادنة والإنزراب في السياسة الثقافية الرسمية، وهو ما لا يمكن أن يقبله أيّ كاتب حرّ يحترم قلمه وقرّاءَه.

انتصـار



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني