الصفحة الأساسية > البديل الوطني > الحلول الأمنيّة وحدها لن تضع حدّا للمخدّرات والعنف
"اللاقمي" في قفص الاتهام:
الحلول الأمنيّة وحدها لن تضع حدّا للمخدّرات والعنف
14 حزيران (يونيو) 2009

أصدرت السّلط الجهويّة بقبلي قرارا بتنظيم حملة أمنية ضد تداول وتعاطي مادة "القيشم" وهي مادة مخدّرة كانت سببا في العنف في أوساط معينة من الشباب وصلت حدّ القتل. وقد تجاوزت قضايا القتل المرتبطة بتناول هذه المادة إلى 3 أو 4 حالات في الأشهر الأخيرة. وينظم أعوان البوليس في مختلف قرى قبلي حملات في الواحات ضدّ هذه المادة وضدّ مروّجيها ومتعاطيها.

ومرة أخرى تؤكّد السلطة أن تعاطيها مع كل مشاكل المجتمع التونسي لا يمكن أن يكون إلا أمنيا. فعوض الوقوف على أصل العلة، وقع الانحراف بها والتركيز على جانب واحد منها. فإذا كان "القيشم" هو السبب فلماذا لا تطال الحملة كل المسكرات الأخرى التي لها نفس المفعول وربما أكثر والتي تباع في محلات الدولة والتي لا يقارن الإقبال عليها مع الإقبال على مادة "اللاقمي"؟ لماذا طال القرار حتى "اللاقمي الحلو" الذي يعتبر أحد مميّزات الجهة وهو مصدر رزق العشرات أو المئات من سكان الجهة؟

إن هذا القرار هو انتقائي ودعائي في آن، انتقائي لأنه لا يقف على حقيقة أسباب تنامي العنف في وسط عُرف بكون هذه الظاهرة خفيفة نسبيا فيه. إن تضاعف العنف وبروز جرائم القتل هو مؤشر يجد أسبابه في الظروف الموضوعية أساسا علما وأن ممارسي العنف وضحاياه هم من الشباب العاطل، الفقير، محدود التعليم والثقافة، مضافا إليها الإدمان الذي لا يشمل بالضرورة مادة "اللاقمي" فقط بل عادة ما يشمل مسكرات أخرى بما فيها الأقراص والمواد المخدرة. وإن كانت مادة "اللاقمي" هي خاصية الجنوب الغربي، فإن باقي المسكرات هي خاصية كل العالم، علما وأن اللجوء إلى مادة اللاقمي المخمّر (القيشم) إنما يمليه الفقر ومحدودية الدخل. فهذه المادة وخاصة في شكلها الأكثر تعفنا، هي في "متناول الجميع" مقارنة بالخمور المصنعة رسميًّا والتي تباع بأسعار مرتفعة ("صاروخ لاقمي"، أي ما يعادل لتر ونصف بدينار واحد مقابل 4 دنانير لنصف هذه الكميّة من الخمور المصنّعة رسميا).

إن تنامي ظاهرة العنف في السنوات الأخيرة في كامل البلاد وليس في منطقة الجنوب الغربي فحسب تجد أسبابها في النظام الاقتصادي والاجتماعي السائد الذي يفرّخ ردود الأفعال الهجينة والعنيفة ليس ضد النظام المذكور بل ضد ضحايا النظام الرأسمالي ذاتهم، أي بين المفقرين الذين إلتجأوا إلى الغابة وأجوائها بحثا عن "تفرهيد" وهمي وعن هروب من إيقاع الحياة المرّ، لكن هذا الهروب يكون إلى وضع أمرّ. فمادة "اللاقمي" تضاف إليها أحيانا مواد مخدرة وسامّة (الفليوم، عظام الجيفة، ماء الخندق، الغاز المركز...) دون التفطن إلى أخطارها الصحيّة وتأثيرها على المدارك العقلية لمتناوليها.

إن رافل "اللاقمي" لن يقضي على العنف والإجرام بل إنه سيعطي للإدمان "نكهة" إضافية، نكهة تحدي ومراوغة رجال الأمن. ومشاكل شباب قبلي وشباب تونس لن تحل باللجوء إلى الخيار الأمني ولا بالقبضة البوليسية الحديدية، وإنما تحلّ بالوقوف على أصل الداء ومعالجة الأسباب العميقة لهذه الظواهر.

وبما أن الدكتاتورية النوفمبرية عاجزة عن معالجة الأمور من هذه الزاوية بحكم طبيعتها المعادية للشعب وسياساتها المولدة للعنف والإجرام فإن الحل الحقيقي يمرّ بالضرورة عبر النضال ضدها ومن أجل إقامة مجتمع لا يحتاج فيه المواطن إلى شرب السموم لنسيان واقعه الأليم.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني