الصفحة الأساسية > البديل الوطني > عدنان الحاجي ورفاقه يحوّلون المحاكمة إلى محاكمة للنظام وجلاديه
عدنان الحاجي ورفاقه يحوّلون المحاكمة إلى محاكمة للنظام وجلاديه
22 شباط (فبراير) 2009

مثل يوم الثلاثاء 3 فيفري الجاري أمام محكمة الاستئناف بقفصة عدنان الحاجي ورفاقه. ومن المعلوم أن المحاكمة في الطور الابتدائي تمت في ظل حصار أمني مشدد، وانتهكت فيها حقوق الدفاع انتهاكا منهجيا ناهيك أن الأحكام صدرت دون استنطاق ودون مرافعات المحامين. ولم يختلف الإطار كثيرا في الطور الاستئنافي. فقفصة حوصرت من كل المداخل. ومنع البوليس السياسي عديد الناشطات والناشطين السياسيين والنقابيين والحقوقيين من حضور الجلسة، واعتدى بالعنف الشديد على غزالة المحمدي، المناضلة السياسية والحقوقية.

أما داخل القاعة فقد تولت المحكمة استنطاق المناضلين المحالين ورغم محاولاتها المتكررة لمنعهم من الدفاع عن أنفسهم بحرية فقد تمكنوا في نهاية الأمر من تحويل المحاكمة إلى محاكة لنظام بن علي فاضحين طابعه القمعي والاستبدادي واختياراته الاقتصادية والاجتماعية الرجعية وانعكاساتها على أهالي الحوض المنجمي بطالة وفقرا وتهميشا. كما أنهم دافعوا بضراوة عن مشروعية الحركة الاحتجاجية التي شهدتها المنطقة وبينوا أن عصابة المفسدين الحقيقيين ليسوا هم ولا أهالي الرديف وأم العرايس والمظيلة والمتلوي، وإنما هي أولائك المسؤولون عن فقرهم وبؤسهم والمعتدون عليهم وعلى أبنائهم.

وإلى ذلك فقد أفشل عدنان الحاجي ورفاقه بعض المناورات الخسيسة التي حيكت خيوطها خارج السجن والتي ضلع فيها أكثر من طرف (البيروقراطية النقابية، وبعض المحامين والمسؤولين في هياكل القطاع) بتنسيق مع وزير العدل بشير التكاري. وقد استخدم فيها بعض الانتهازيين الآكلين على جميع الموائد. وتتمثل هذه المناورات وهي ليست بالجديدة، في محاولة حمل الحاجي ورفاقه على القبول بطي ملف القضية بسرعة واجتناب ما من شأنه أن "يشنج السلطة" أثناء الاستنطاق، بل وصل الأمر بالبعض إلى التشهير ببعض المحامين ممن تصدوا للمحكمة في الطور الابتدائي دفاعا عن حقوق منوبيهم في محاكمة عادلة وتحميلهم مسوؤلية الأحكام الجائرة التي صدرت ضدهم دون استنطاق أو مرافعات. ولم يتورع أحد المحامين ممن لهم ارتباطات بالبوليس السياسي بقفصة على محاولة توتير علاقة الموقوفين بسجن قفصة بمحامييهم من تونس وبالخصوص الأستاذة راضية النصراوي. وفي هذه الأجواء تدخلت إدارة السجن لإيهامهم بأن "قرار العفو جاهز" وأن المطلوب منهم هو إعلان التخلي عن المحامين القادمين من العاصمة ومن خارج قفصة عامة والاكتفاء بتكليف محاميين أو ثلاثة من محاميي الجهة.

لقد أفشل الحاجي ورفاقه كل هذه المناورات ودافعوا أمام المحكمة عن كرامتهم وكرامة أهالي الرديف الذين وثقوا بهم وساندوهم. وبعد الاستنطاقات التي انتهت حوالي الساعة السادسة مساء، طالب المحامون بتأجيل القضية بعض الوقت لإعداد مرافعاتهم في ضوء تصريحات منوبيهم أمام المحكمة، ولكن هذه الأخيرة رفضت رفضا قطعيا رغم حالة الإجهاد والتعب التي كان عليها الجميع بما في ذلك القاضي الذي اضطر إلى تناول الدواء أمام العموم، فما كان من المحامين إلا أن رافعوا عن منوبيهم طوال الليل بل حتى صبيحة اليوم الموالي الأربعاء 4 فيفري.

وفي الواقع فإن ما سهّل على المحكمة فرض موقفها هو تشتت صفوف المحامين. ففي الوقت الذي انتقد فيه العديد من المحامين من ذوي التجربة الطويلة في مجال القضايا السياسية تسرّع المحكمة ورأوا فيه انتهاكا لحقوق الدفاع ورغبة في طي الملف في أسرع وقت وعبروا عن تمسكهم بمطلب التأخير ودعوا إلى الانسحاب إن لزم الأمر حتى لا يكون الدفاع شاهد زور ولا يستخدم غطاء لتشريع مهزلة قضائية، فإن محامين آخرين خيروا الرضوخ للأمر الواقع وربما فيهم من كان يتوهم أنه بمرافعته في مثل تلك الظروف سيقنع المحكمة ببراءة منوبيهم غير واعين أن المحاكمات في مثل هذه القضايا شكلية وأن مرافعات الدفاع لا تؤخذ بعين الاعتبار مهما كانت قوة حجتها وأن صاحب القرار الأخير هو قصر قرطاج ووزارة الداخلية.

وأمام إصرار الفريق الثاني من المحامين، على الترافع اضطر الفريق الأول، إلى البقاء حفاظا على وحدة صف الدفاع في حين خير البعض الآخر الانسحاب، ولا يخفي عديد المحامين استياءهم من سلوك العميد في هذه القضية إذ أنه منذ انطلاقها لم يدافع عن مطالب المحامين أمام المحكمة وكان يميل إلى مهادنتها. وقد بيّن المحامون في مرافعاتهم أن المحاكمة غير عادلة:
- لأن الأحكام بنيت على اعترافات مقتلعة تحت التعذيب الذي مازالت آثاره بادية على أجساد البعض من المنوبين والذين كشفوا عنها أمام المحكمة وكان حاكم التحقيق ذاته عاينها وسجلها في قرار ختم البحث وسجل أسماء الجلادين الذين أمروا ونفذوا فظاعات التعذيب تلك وبالخصوص اسميْ محمد اليوسفي وبلقاسم الرابحي.
- رفض سماع شهود البراءة وتزوير تواريخ الاعتقال وحرمان المعتقلين من درجة من درجات التقاضي والحكم.

أما بالنسبة إلى الأصل فقد بيّن المحامون أن الحركة الاحتجاجية بالحوض المنجمي هي حركة سلمية هدفها الدفاع عن الحق في الشغل والكرامة. واعتبر المحامون أن المذنبين الحقيقيين الذين اعتدوا على الأهالي ونكلوا بهم وقتلوا البعض من أبنائهم وعذبوا الموقوفين، لم تقع إحالتهم على المحاكم بل هم فالتون من العقاب. وأكد المحامون في النهاية أن معالجة القضايا الاجتماعية معالجة أمنية محكوم عليها بالفشل، كما أن استخدام القضاء لتصفية الخصوم السياسيين والحركة الاجتماعية المطلبية إفساد لهذه السلطة التي يفترض أن تقيم العدل وتتصدى للظلم والجور.

وفي النهاية لم تعر المحكمة أي أهمية لا لتصريحات الموقوفين ولا لمرافعات محامييهم وما جاء فيها من حجج بليغة. وقررت مبدأ الإدانة مكتفية بتخفيض جزئي في الأحكام والحكم على المجموعة التي تمتعت في الطور الابتدائي بعدم سماع الدعوى بالسجن لمدة عامين مع تأجيل التنفيذ.
وقد أدانت كل القوى السياسية والمدنية هذه المهزلة القضائية الجديدة، كما أدانتها الوفود العربية والأجنبية الحقوقية والنقابية التي مكنتها هذه المحاكمة وما أحاط بها من انتهاك لحقوق الدفاع وترهيب للعائلات والمواطنين من الوقوف عند حقيقة الأوضاع في تونس.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني