الصفحة الأساسية > البديل النقابي > من مؤشرات الأزمة النقابية
وجهة نظر:
من مؤشرات الأزمة النقابية
22 شباط (فبراير) 2009

أمران اثنان يميّزان الوضع الداخلي للاتحاد العام التونسي للشغل هما ملفّ جهة تونس الذي استقطب اهتمامات النقابيين ومتتبّعي الشأن النقابي خاصّة بعد أن عُرض الملفّ على أنظار القضاء من جهة، والأزمة التي يعيشها قطاع التعليم العالي بعد أن أقدمت قيادة المنظّمة على إمضاء محضر اتفاق مع وزارة الإشراف يتعلّق بالزيادة في المنح الخصوصيّة دون استشارة النقابة العامّة ولا حتّى تشريكها في هذا الاتفاق.

ويعكس هذان الملفّان وجهين مختلفين لما يعتري الحياة الداخليّة للاتحاد يؤشّران بوضوح على وجود ما يشبه الأزمة في الديمقراطيّة الداخليّة للمنظّمة.

فملفّ جهة تونس الذي برّرته القيادة النقابيّة بأنّه يتعلّق بسوء التصرّف المالي الذي بنت عليه قراراها بتجميد الكاتب العام وإحالة عدد من أعضاء الاتحاد الجهوي على لجنة النظام الوطنيّة واستجواب عدد آخر بخصوص هذا الملف، يؤكد مرة أخرى تواصل حملة تصفية الحسابات داخل الاتحاد على خلفيّة الخلافات التي شقّت الاتحاد قبيل وأثناء وبعد مؤتمر المنستير الأخير ويقيم الدليل على أنّ مسألة "الدورتين" ما تزال هي العامل المحرّك والمغذّي للصراعات الداخليّة.

فبعد حملة تجريد النقابيين من تونس وقفصة والقصرين التي مثّلت الحدث الأبرز بعيد مؤتمر المنستير جاء الدور على الاتحاد الجهوي ببنزرت وأحيل الكاتب العام ومن معه في المكتب التنفيذي الجهوي على لجنة النظام وتمّ ترتيب انقلاب على الكاتب العام ليزاح وليجمّد لمدّة خمس سنوات. ثمّ جاء الدور على الاتحاد الجهوي بنابل بمناسبة مؤتمره العادي وحُرم الكاتب العام المتخلّي من الترشّح بسبب متخلّدات ماليّة في حقّه دون أن يُمكّن من فرصة تسوية وضعيته. وكان مُتوقّعا لدى عموم النقابيين أن تشنّ حملة التصفية على جهة تونس خصوصا وقد ظهرت في الأفق بعض التحرّشات بالكاتب العام وببعض أعضاء الاتحاد الجهوي. وتنبّأ الكثير من النقابيين بظهور بعض المصاعب للاتحاد الجهوي بتونس وربّما أيضا للاتحاد الجهوي بأريانة أو منّوبة اللذين راجت أخبار في شأنهما حول افتعال تهم ماليّة وأخرى تسييريّة نقابيّة داخليّة. لكنّ الظروف سرعان ما كشفت عن حقيقة النوايا حيث ما أن انطلق الموسم السياسي والاجتماعي الحالي حتّى بدأت الإشاعات تملأ الساحة النقابيّة حول "مسائل أخلاقيّة" وأخرى "ماليّة" وحول نيّة إجراء تحوير في المسؤوليات وتغيير الكاتب العام للاتحاد الجهوي بتونس. وتكثفت في مرحلة أولى الدعايات حول "التحوير" وأصبحت الأحاديث حول الاتصالات الجارية لاستمالة أعضاء الاتحاد الجهوي من أجل كسب ستة منهم للتحوير المطلوب قانونيّا للمرور للتنفيذ. ولكن وما أن فشلت هذه المحاولة حتّى استبدلت وبسرعة بفكرة اختلاق "الملف المالي" كطريقة أضمن وأمثل لحسم الخلاف مع الكاتب العام. وتسارعت الأحداث وتكثّفت المساعي للتضييق على الكاتب العام ومن وقف معه. ورفضت القيادة السماح للاتحاد الجهوي بعقد هيئة إداريّة جهويّة وجرت حملة واسعة النطاق لإرباك نقابيي الجهة حتى يتموقعوا كل حسب ما أملته عليه مبادئه ومواقفه ومصالحه إمّا مع القيادة المركزيّة أو مع الكاتب العام. ووجد هذا الأخير نفسه مُجبرا على عقد اجتماع عام بالجهة كشف فيه طبيعة الصّراع وأسبابه ومراميه وبذلك وجدت القيادة الفرصة لتجميده على الفور غداة الاجتماع المذكور وبالتحديد يوم 27 جانفي الماضي. وهكذا أصبح الصراع يجري على المكشوف وأُغلقت مكاتب الكاتب العام ومن ناصره داخل الاتحاد الجهوي، ونُقلت المعركة إلى صفحات الجرائد وفي الانترنت وفي الساحات وأمام أنظار القضاء الذي حكم يوم 6 فيفري الماضي ببطلان كلّ قرارات القيادة. وعلينا الآن أن نتابع تطوّرات جديدة لنرى في أيّ اتجاه ستتّجه الأزمة التي لا يمكن في كلّ الأحوال اعتبارها أزمة جهة تونس فقط، لأنّها إن دلّت على شيء إنّما تدلّ على حقيقة ما يمكن أن تؤدّي إليه نوايا وإصرار بعض من لا يرى في التعامل مع خصومه ومع مخالفيه الرأي سوى الإقصاء والتجميد والتصفية.

أمّا ملف قطاع التعليم العالي فهو يؤكّد مرّة أخرى أسلوب العمل البيروقراطي الفجّ الذي خلنا أنّه ذهب وولّى مع الأمين العام السابق. فهو يذكّرنا بمنطق الوصاية الذي أضرّ بقطاع البريد زمن أن أقدم السحباني وأعضاء القيادة آنذاك، والذين لازال بعضهم في القيادة حتّى الآن، على إمضاء اتفاق فوقيّ باسم القطاع دون تشريك ولا اعتبار لمواقف هياكله. فها هي مرّة أخرى القيادة تتولّى إزاحة هياكل قطاع التعليم العالي وعلى رأسه النقابة العامّة لتمضي اتفاقا بخصوص مطلب المنح الخصوصيّةٍ للجامعيّين في غيابهم وغياب هياكلهم الممثّلة. وبطبيعة الحال ردّ الجامعيّون الفعل رافضين هذا السلوك الأخرق وأعلنوا رفضهم للاتفاق ولتبعاته وحدا الأمر بالبعض منهم لنقل المعركة إلى صفحات الجرائد مندّدين ومستنكرين. بل ووصل الأمر بالبعض الآخر منهم إلى إعلان انسلاخه من الاتحاد واستقالته من مسؤوليّاته في النقابة العامّة وفي لجنة المراقبة الماليّة القطاعيّة.

لقد أكدّت هذه الممارسة درجة استهتار القيادة بقرارات القواعد وبصلاحيات الهياكل الممثلة قطاعيّا وتدخّلها السافر دون مراعاة أبسط إجراءات وتقاليد العمل داخل الاتحاد.

وكما قلنا فإنّ هذين الملفّين يبرزان مرّة أخرى تردّي مقوّمات الحياة الداخليّة الديمقراطيّة في الاتحاد، ويؤكّدان أنّ الأزمة قد بلغت درجة من الخطورة باتت تستوجب من الجميع الوقوف بحزم ضدّ نزوات التحكّم الفوقي في حياة المنظّمة وما قد ينجرّ عنها من تطوّرات غير سارّة في حياة الاتحاد والشغّالين ككل.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني