الصفحة الأساسية > البديل النقابي > تغطية للمؤتمر السّابع للاتحاد الجهوي للشّغل ببنعروس
تغطية للمؤتمر السّابع للاتحاد الجهوي للشّغل ببنعروس
22 شباط (فبراير) 2009

انعقد مؤتمر الاتّحاد الجهوي ببنعروس يوم 29 جانفي 2009 وقد مثل انطلاقة سلسلة مؤتمرات الهياكل الوسطى، إذ ستشهد هذه السنة إعادة هيكلة أغلب الجامعات والنقابات العامة والاتحادات الجهوية، والأكيد أنها ستكون فرصة جديدة لكلّ التلوينات والتعبيرات للتنافس من أجل قيادة الجهة أو القطاع، وكلّ ما نتمنّاه أن يكون كلّ هذا فرصة لتنافس شريف تسوده الديمقراطية والشفافيّة وأن يسفر عن تشكيلات قياديّة تكرّس النضال داخل أطرها وتنأى باستقلاليّتها عن كلّ تدخّل خارجي خاصّة وأن الاتحاد يعرف تجاذبات مختلفة.

ترأس المؤتمر حسين العبّاسي الأمين العام المساعد للاتحاد المكلّف بالتشريع والنزاعات. وكان الافتتاح مفتوحا أمام كلّ الطّاقات والهياكل النقابية بالجهة وبحضور عديد الضيوف من جهات وقطاعات مختلفة. وسُجّل حضور كافة أعضاء المكتب التنفيذي الوطني باستثناء المنصف اليعقوبي والمولدي الجندوبي. بعد الافتتاح الذي قام به محمّد المسلّمي الكاتب العام الجهوي كانت لعبد السّلام جراد الأمين العام للاتحاد كلمة إعطاء إشارة انطلاق سلسلة المؤتمرات الجهوية. وبعد أكثر من ساعة من الخطاب لم يسمع فيها الحاضرون من جراد سوى تمجيد دور الاتحاد في كلّ القضايا التي يخوضها بوصفه شريك فاعل في الدورة الاقتصادية وفي الوضع الاجتماعي. فقد تحدّث عن المفاوضات الاجتماعية وخاصّة اتفاق الوظيفة العمومية معتبرا نسبة الـ4,7 نتيجة "مشرّفة" لكلّ النقابيين، كما أنّها "جاءت بفضل نضال الاتحاد والدور الرّيادي الذي قام به الوفد التفاوضي في الغرض". كما تحدّث عن عديد الملفات التي يواجهها الاتحاد كالجباية والمناولة والتأمين على المرض، وما يقوم به الاتحاد من مجهود لتحضير دراسة حول وضع الجهات والتنمية بها بعد أن عرّج على قضيّة الحوض المنجمي وما قام به الاتحاد في "دفع هذا الملف إلى حلّ نهائي ينهي معاناة أهالينا في الحوض المنجمي". ولم ينس جراد القضايا القوميّة وتحدّث بإطناب عن ما قام به الاتحاد بعد الهجوم الصهيوني على غزّة. وكان هذا الخطاب شاملا كي يؤكّد لكلّ النقابيين أنّ "الاتحاد بخير" وليس في حاجة إلى "وصايا من أيّ كان". كما لم يفته وكالعادة أن يدلي بشكره "لسيادة الرئيس على كلّ ما يقوم به مع الشغّالين عامّة والاتحاد خاصّة". ساعة من الخطاب أمام جموع الحاضرين الذين يدركون جيّدا واقع منظّمتهم وعلاقتها بالسّلطة ودورها السّلبي في كلّ الملفات وهزال نتائج المفاوضات وعدم قدرتها على وضع خطّة للتصدّي لظاهرة المناولة وبيع المؤسّسات ونهب خيرات البلاد ومجهود العمال، القوة الرئيسية في الإنتاج، من طرف رؤساء الأموال وحالة القمع التي تشهدها البلاد وواقع الحريات وتعاظم دور البوليس في قمع كل التحركات والدوس على كرامة المواطنين بمن فيهم النقابيين.

بعد هذا تسلّم حسين العباسي رئاسة المؤتمر التي بدأت أشغاله في حدود منتصف النهار وكانت مقسمة ككل المؤتمرات إلى قراءة التقريرين الأدبي والمالي والتدخلات وكذلك ردود المكتب التنفيذي المتخلي ثم عملية الاقتراع وفرز الأصوات قبل الإعلان عن النتيجة وكانت فرصة للمؤتمرين لنقاش اللوائح الثلاثة.

لقد كان للنوّاب فرصة التعبير عن آرائهم في عديد القضايا الجهوية والوطنية ونقد التقريرين الأدبي والمالي، فقد تناولوا بإطناب نقد نتائج المفاوضات الاجتماعية والكيفية التي تدار بها وسلبية الاتحاد فيها وهيمنة السلطة السياسية عليها، كما كان للحوض المنجمي نصيب الأسد في كل التدخلات التي اعتبرت أن دور الاتحاد كان سلبيا في هذا المجال. كما وقع نقد عدم قدرة الاتحاد على التصدي للمناولة التي أضرت كثيرا بمواطن الشغل وبيع المؤسسات لصالح كمشة من الرأسماليين على حساب مواطن شغل الآلاف من العمال. كما لم يفت المتدخلين نقد نظام التأمين على المرض وطالبوا بإعادة النظر في كيفية تطبيقه. أما في علاقة بالشأن الداخلي للمنظمة فكانت بعض التدخلات تحدثت عن مسألة الديمقراطية داخلها وما تشهده من تراجعات وهجوم من طرف المركزية على كل الأصوات المخالفة لها. وفي علاقة بالوضع العام بالبلاد فإن النواب لم ينسوا إدانة الدور السيئ التي تقوم به السلطة فيما يخص قضايا الحرية والتعليم والصحة وغيرها من قضايا منظومة حقوق الإنسان، وطالبوا بأن يكون للاتحاد دور فاعل في إسناد رابطة حقوق الإنسان وكل مكونات المجتمع المدني. أمّا جهويّا فقد كانت بعض التدخّلات وجّهت نقدا حول ما جاء في التقرير الأدبي واعتبرته عبارة عن رضاء عن الذات وخاصة زيارة السفير البريطاني للجهة وطالبوا بأن يبقى الاتحاد الجهوي فضاء مفتوحا لكل المناضلات والمناضلين وأن يواصل تثقيف العمال والنقابيين في كل المناسبات ودعم الأنشطة التثقيفية بكل أنواعها. أما التقرير المالي فهو أيضا لم يسلم من النقد حيث طالب بعض المتدخلين بتوضيح بعض الأرقام الغامضة فيه.

وقد عكس مضمون هذه التدخلات محتوى اللوائح خاصة الداخلية والعامة فيما يخص جريدة الشعب وشكلها إلى حد المطالبة بعزل محمد شندول من رئاستها وهو ما جعل زميليه بالمكتب التنفيذي بلقاسم العياري وحسين العباسي يدافعان عنه معتبرين أنه ليس من "صلوحيّاتنا" المطالبة بشيء كهذا ولا يجب أن تتضمنه اللوائح، كذلك المطالبة بحياد الاتحاد في انتخابات 2009 وعدم مساندة أي مترشح وخاصة بن علي.

إن كل ما سبق ذكره حول أشغال المؤتمر يؤكد شبه غياب للتشنج بين نوابه في إثبات بأن الوضع في الجهة قد تغير كثيرا على ما كان عليه في السابق وهو ما شهدناه أيضا على مستوى الترشحات التي بلغت 18 مترشحا. فلأول مرة تشهد الجهة مثل هذا العدد من المترشحين بحكم أنها كانت حكرا على رؤية نقابية معينة ولكن التطورات الأخيرة وبعض الصراعات والتنافس الذي شهدته عديد المؤتمرات القاعدية وكذلك بعض الخلافات التي شهدتها تركيبة المكتب التنفيذي الجهوي في حد ذاتها، وقد تجسمت بشكل فعلي عند إعادة توزيع المسؤوليات بعد مؤتمر الاتحاد العام في ديسمبر 2006 والتحاق كاتبها العام السابق بلقاسم العياري بالمكتب التنفيذي. وبالعودة إلى الترشحات نلاحظ أن هناك قائمة رسمية وهي قائمة الكاتب العام محمد المسلمي وهي مدعومة بثلاثة عناصر جديدة عوضا عن من وقع الاستغناء عنهم من زملائه السابقين وهو ما دفعهم بدورهم للترشح بشكل فردي، وقد حاولوا مع بعض الوجوه الأخرى تكوين قائمة بسبعة عناصر، وتقدم مترشح واحد بصفة فردية بعد سحب آخرٍ ترشحه.

هؤلاء المترشحون تقدموا إلى النواب بشكل محتشم فلا الكاتب العام تقدم ببرنامج أو بيان ولا القائمة المضادة له كانت لها طريقة مجدية في التعريف بنفسها ما عدا محاولة توزيع وريقات صغيرة تضم قائمة بسبعة أشخاص. أما المترشح السابع عشر فقد عرّف بنفسه من خلال بيان تضمن مقترحات عملية اعتبرها أرضية لبرنامج جهوي عرضه على المؤتمرين وقدمه على أنه سبب رئيسي لترشحه لعضوية المكتب التنفيذي الجهوي.

بدأ التصويت في غياب رهان انتخابي باعتبار سيطرة الكاتب العام على الجهاز وعلاقته الذاتية المتينة بكل النواب إضافة إلى التأثير المعنوي عليهم وهو ما أفرزته النتائج فعلا حيث فازت قائمة محمد المسلمي بفارق كبير.

في قراءة موضوعية للمؤتمر السابع للاتحاد الجهوي للشغل ببن عروس نلاحظ مسألتين مهمتين: أوّلهما أن الفترة الأخيرة التي عاشها هذا الفضاء قد خلقت منه مجالا لبروز رؤية نقابية مختلفة عن سابقتها وهو ما لاحظه كل متتبع لهذا المؤتمر، أي أن الجهة لن تبقى معسكرا خاصا لا يمكن اختراقه. وثانيهما، أن هذا الفضاء سيبقى مفتوحا لجميع الطاقات النقابية بالجهة ولكل الأنشطة ذات البعد التقدمي بحكم تركيبة المكتب التنفيذي المنتخب وكذلك عدم التراجع فيما قُدم سابقا.

إن الاتحاد الجهوي للشغل ببن عروس سيبقى بالنسبة للمطلعين والعارفين بالشأن النقابي محط أنظار كل الفعاليات النقابية وهو ما يحمّل التشكيلة الجديدة مسؤولية كبيرة في المدة النيابية القادمة.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني