الصفحة الأساسية > البديل العالمي > قانون جديد معادي للمهاجرين
فرنسـا:
قانون جديد معادي للمهاجرين
30 أيار (مايو) 2006

صادق البرلمان الفرنسي يوم 17 ماي الماضي على مشروع القانون الذي تقدّم به وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي والرامي إلى تشديد الإجراءات المتعلقة بالهجرة والإقامة على التراب الفرنسي.

وقد قدّم وزير الداخلية الفرنسي قانونه على كونه الأداة التي ستمكّن بلاده من التغلّب على الهجرة "المفروضة" عليها (immigration subie) لفائدة هجرة "انتقائية" (immigration choisie) تستجيب لـ"مصالح بلاده". إلا أنّ المتأمل في فحوى التنقيحات التي تضمنها القانون الجديد، بعيدا عن الشعارات الدعائية التضليلية، يدرك بسرعة طابعها الزجري والمعادي لحقوق المهاجرين بصفة خاصة. فالإجراءات الجديدة جاءت لتضع شروطا وعراقيل إضافية وتمدّد في فترة الانتظار للحصول على بطاقة الإقامة، كما وضعت حواجز جديدة أمام التجميع العائلي (regroupement familial)، أما إمكانية الحصول على بطاقة إقامة بعد إثبات 10 سنوات من التواجد بفرنسا فقد ألغيت وهو ما يعني تأبيد وضع من ليست لهم "أوراق" (les sans papiers). ومن ناحية أخرى تم التسهيل في ترتيبات الإبعاد (expulsion) عبر "تبسيط" الإجراءات القانونية والحطّ من آجال الاعتراض على قرار الإبعاد من شهرين إلى 15 يوم فقط. هذا فيما يتعلق بمكافحة الهجرة "المفروضة"، أمّا بخصوص الهجرة "الانتقائية" فهي تشمل أساسا ثلاث فئات: العمال الوقتيون والموسميون والمنتدبون في إطار عقود شغل محدودة المدة (CDD)، هذه الفئة تقيم بصفة وقتية ويمكن التخلص منها ورميها بمجرد انتهاء مدة العقد أو تخلي العرف عن خدماتها حيث تفقد بصفة آلية بطاقة الإقامة الوقتية. الفئة الثانية تشمل الكفاءات العالية والأدمغة، أفردها القانون الجديد بمعاملة خاصة عبر إحداث ما أسماه بطاقة "قدرات وكفاءات" ( carte compétences et talents) وهي بطاقة صالحة لمدة 3 سنوات تمكنهم من ظروف أنسب. أما الفئة الثالثة فهي الطلبة الأجانب والذين يهدف القانون الجديد إلى فرز المتفوقين منهم.

إنّ هذه الإجراءات المتعلقة بالهجرة، وعلى عكس المزاعم الرسمية، لا تختلف في جوهرها عن سابقاتها في شيء. فهذه السياسة الجديدة/القديمة تطرح قضايا الهجرة من زاوية أمنية بحتة، محاولة على الصعيد الداخلي أن تجعل من المهاجرين كبش فداء فشل الخيارات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة. وهي كذلك تريد تجاهل الأسباب الحقيقية التي تجعل آلاف النساء والرجال يتركون أوطانهم ويخاطرون بحياتهم للإفلات مما يعانونه من قهر اقتصادي واجتماعي (بؤس، خصاصة، إلخ.) وما يصاحبهما من قهر سياسي في عديد من الأحيان (أنظمة دكتاتورية عميلة وفاسدة، حروب، إلخ.).

إنّ سياسة الهجرة "الانتقائية" قائمة على نهب خيرات الشعوب المضطهَدة، نهب طاقاتها البشرية - سواء تعلق الأمر باليد العاملة أو الأدمغة - وفق ما تمليه مصالح رأس المال وحاجيات الاحتكارات العالمية إلى قوى منتجة. إن ما يستتبع ذلك هو تأبيد تخلف بلداننا عبر إفراغها من خيرة طاقاتها بعد أن صرفت الأموال العامة من أجل تعليمها وتكوينها.

أما المهاجرون الذين ليست لهم "أوراق"، وهم يعدّون بعشرات الآلاف، والذين أغلق أمامهم القانون الجديد كلّ إمكانية للحصول على الإقامة، فإن الجميع يعلم جيدا أنّ ترحيلهم نحو بلدانهم أمر غير ممكن ليس فقط من الناحية العملية بل إن بقاءهم أصبح يمثل اليوم حاجة تمليها سوق الشغل السوداء (travail au noir) التي أصبحت لازمة من لوازم الاستغلال الرأسمالي المعاصر. فهؤلاء محكوم عليهم بالعمل في القطاعات الشاقة (بناء، تنظيف، إلخ..) مقابل أجور زهيدة دون أدنى حماية أو تغطية اجتماعية، والرابح الكبير من هذا الوضع هو الأعراف من أمثال كبرى شركات البناء والأشغال العامة وغيرها.

ورغم تمرير القانون الجديد المعادي للمهاجرين، فإنه يمكن القول بأن الحركة الاحتجاجية التي صاحبت ذلك، والتي لا تزال متواصلة، قد لاقت نجاحا نسبيا قلّما شهدته حركات مساندة قضايا الهجرة في السنوات الأخيرة. فقد تشكل تكتل جمّع إلى حد الآن 600 منظمة جمعوية وسياسية ونقابية للمطالبة بالتراجع عن القانون الجديد، وقد خاض العديد من التحركات الميدانية ونظم عدّة أيام احتجاجية وطنية، كانت أهمها المظاهرة الوطنية التي جابت شوارع العاصمة الفرنسية باريس يوم 13 ماي الجاري وشارك فيها حوالي 35 ألف متظاهر.

إن ما يلفت الانتباه هو أن غالبية الأنظمة التي لم تتحمل مسؤولياتها في توفير أسباب العيش الكريم لمواطنيها ودفعت بهم إلى ديار الغربة، مثلما هو الحال بالنسبة للدكتاتورية الحاكمة في بلادنا، لم تحرك ساكنا ولم تنبس ولو ببنت كلمة احتجاجا على هذا القانون المعادي لمصالح رعاياها بالمهجر. بل إن ما حصل هو عكس ذلك تماما، ففي ذات الوقت الذي بدأ فيه البرلمان الفرنسي المصادقة على بنود هذا القانون أمر مجلس وزراء الداخلية العرب المنعقد بتونس يومي 10 و11 ماي الجاري باتخاذ آليات تنسيق وتدابير أمنية جدية لمحاربة الهجرة السرية وما تمثله من "مخاطر على استقرار الأمن العام بعديد البلدان" بتعلة أن المهاجرين "سرعان ما ينخرطون في أعمال غير مشروعة غالبا ما تكون في إطار تنظيمات إجرامية وذلك لكسب مورد رزقهم و تأمين حياتهم في البلد الجديد" على حسب تعبير رئيس المجلس !!



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني