الصفحة الأساسية > البديل الوطني > لا لاحتكار المدينة..!
على هامش مهزلة "البلدية":
لا لاحتكار المدينة..!
8 أيار (مايو) 2010

دعا حزب العمال الشيوعي التونسي المواطنات والمواطنين وكافة القوى السياسية المستقلة إلى مقاطعة الانتخابات البلدية التي ستجري يوم 9 ماي القادم. وقد برر حزب العمال موقفه هذا بانعدام المناخ السياسي والإطار القانوني الملائمين اللذين يكسبان تلك الانتخابات الحد الأدنى من المصداقية ويجعلان منها فرصة حقيقية للتعبير عن الإرادة الشعبية.

إن كل متتبع نزيه للشأن العام ببلادنا يعرف أن نتائج الانتخابات البلدية القادمة محسومة مسبقا بالنظر إلى الاحتكار المطلق الذي يمارسه الحزب الحاكم على الحياة العامة التي تنعدم فيها حرية التعبير والتنظم، كما تنعدم فيها حرية الترشح في غياب تام لحياد الإدارة وللمراقبة النزيهة المستقلة، إذ أن العملية الانتخابية تتحكم فيها وزارة الداخلية من ألفها إلى يائها وتتلاعب بها بما يحقق استمرار سيطرة "التجمع الدستوري" على كافة المجالس البلدية.

فعلى امتداد أكثر من نصف قرن من حكم حزب التجمع الدستوري، سواء كان ذلك في عهد بورقيبة أو في عهد بن علي، لم يتمكن التونسيات والتونسيون من تسيير المدن التي يسكنونها وفقا لإرادتهم ورغباتهم في كل ما يتعلق بالتخطيط والمرافق والخدمات والجمالية، رغم أنهم يموّلون البلديات من جيوبهم. فقد وجدوا أنفسهم دائما تحت نير مجالس بلدية، لا هُمْ اختاروها بحرية عبر انتخابات تعددية تتوفر فيها فرصة الاختيار، ولا هم قادرون على مراقبتها أو محاسبتها أو عزلها، فهي مجالس بلدية مسلطة عليهم من فوق، معيّنة تعيينا من بين أعوان الحزب الحاكم والسلطة باعتبار الطابع الصوري لعملية الاقتراع. فكل من يوضع اسمه ضمن قائمات الحزب الحاكم يعرف مسبقا أنه سيكون الفائز في مهزلة لا يشارك فيها إلى جانب "التجمع الدستوري" سوى أحزاب ديكورية يتمثل دورها في تغطية التزوير والتزييف مقابل رشاو.

وبالإضافة إلى ذلك، وتحسّبا لكل المفاجآت، فإن الدكتاتورية النوفمبرية لم تكتف بالتزوير الممنهج والسطو على إرادة المواطن، بل إنها سنت قانونا يجرّد المجالس البلدية من كل صلاحيات حقيقية ويخضعها بالكامل للسلطة التنفيذية عبر وزارة الداخلية. فالقانون الأساسي للبلديات الذي يحدد صلاحياتها، يعطي لهذا الأخير سلطة عليا عليها، فهو الذي يحدثها ويسمّيها ويحدّدها ويعطيها مقرّا ويحلّها أو يحذفها أو يعزل بعض أعضائها. كما أنه يراقب مداولاتها ويصادق على قراراتها. وليس للمجالس البلدية الحق في الخوض في العديد من المواضيع ذات الصلة بمهامها، مثل الميزانية أو التفويت والتعويض في العقارات أو تسمية الأنهج والساحات، إلخ. إلا بموافقته. وهكذا فإن المجالس البلدية في بلادنا لا هي منتخبة انتخابا حرا ولا هي تمتلك من الناحية القانونية الفعلية سلطة حقيقية في كل ما يتعلق بالشأن البلدي. فهي مجالس بلا شرعية وبلا صلاحيات، بل مجرد أدوات بيد السلطة التنفيذية لا حول ولا قوة للمواطن عليها.

ولسائل أن يسأل ماذا بقي لمثل هذه المجالس أن تفعل؟ إننا لا نذيع سرّا إذا قلنا إن هذه المجالس لا صلة لها بمشاغل المواطنات والمواطنين، وهي أبعد من أن تكون في خدمتهم بل هي في خدمة من عيّنها، أي حزب الدستور ونظامه اللذين يمثلان مصالح أقلية بورجوازية نهّابة وفاسدة. إن المجالس البلدية تساعد هذه الأقلية على تحقيق مآربها من استيلاء على أراضٍ ومحلات تابعة للدولة، وإقامة مشاريع دون مراعاة لجمالية المدينة أو شروط الصحة، وتوفير الخدمات (طرقات، إنارة، نظافة...) للأحياء المترفهة على حساب الأحياء الفقيرة، إلخ. أمّا المواطن العادي فهو عرضة للقمع والتهميش، ولا بدّ له من أن يدفع للحصول على أدنى الخدمات. فالبلديات هي من أكثر المؤسسات فسادا في بلادنا وبطبيعة الحال فإن من لا يذعن لإرادة السلطة التنفيذية، بل أحيانا لإرادة هذا الفرد أو ذاك من أفراد "العائلة الحاكمة،" يعزل بمجرّد قرار. وقد رأينا على مدى السنوات الماضية مجالس بلدية في قرطاج وسيدي بوسعيد والحمامات تـُحلّ بين عشية وضحاها وتعوّض بهيئات معيّنة. كما رأينا رؤساء بلديات "يباتوا ما يصبحوا" كما حصل أخيرا لرئيس بلدية العاصمة. ولا تكلف السلطات نفسها عناء شرح أسباب الحل أو العزل. وهو ما يبيّن في نهاية الأمر الطابع الصوري للمجالس البلدية واحتكار السلطة التنفيذية لكامل السلطات في بلادنا.

إن حزب العمال إذ يدعو إلى مقاطعة البلديات القادمة، فمن أجل مواصلة النضال، لا من أجل انتخابات بلدية حرة فحسب بل كذلك من أجل مجالس بلدية ممثلة لها الصلاحيات الفعلية في إدارة شؤون المدينة، بمشاركة مباشرة من المواطنات والمواطنين وتحت رقابتهم ومحاسبتهم.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني