الصفحة الأساسية > البديل الوطني > مشروع إصلاح أنظمة التقاعد مشروع معادي لمصلحة الشغالين
مشروع إصلاح أنظمة التقاعد مشروع معادي لمصلحة الشغالين
8 أيار (مايو) 2010

تعتزم الحكومة إدخال تغييرات جذرية على أنظمة التقاعد (في القطاع الخاص والعمومي...) في السنوات القليلة القادمة (مستهل سنة 2016 حسب بعض المصادر) وتنكبّ المصالح الفنية المختصة على إعداد هذا المشروع تمهيدا لانطلاق مفاوضات رسمية في الموضوع. وقد أدرجت الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل في اجتماعها الأخير (شهر مارس الماضي) هذا الموضوع ضمن جدول أعمالها دون أن تتعمّق في تفاصيله مكتفية بإعلان موقف مبدئي عام منه. والجدير بالذكر أن جوهر مشروع الحكومة يقوم على ثلاثة محاور أساسية هي: الترفيع في سن التقاعد من 60 إلى 63 سنة أو 65 سنة والزيادة في نسبة مساهمة الأعراف والشغالين في صناديق التقاعد والتخفيض في قيمة جراية التقاعد إلى جانب توحيد أنظمة التقاعد في نظام واحد.

وتؤسس الحكومة مشروعها على نتائج الدراسات التي أجريت حول أوضاع الصناديق الاجتماعية والتي تؤكد كلها أنها أصبحت في حالة عجز بل وباتت مهددة بالإفلاس بعد بضعة سنوات (2014).

1 – دواعي الإصلاح: اختيارات ليبرالية وإملاءات خارجية

منذ مستهل العشرية الحالية شنت الحكومات الليبرالية في أوروبا وأمريكا، في إطار التوجهات الاقتصادية النيوليبرالية، هجوما كاسحا على أنظمة التقاعد بعد أن كانت قد استهدفت من قبل أنظمة التغطية الاجتماعية والصحية وجملة من المكاسب الاجتماعية في مجال حق الشغل وضمانات الاستقرار في العمل والحق النقابي وغيرها من المكاسب التي أحرزتها الحركة العمالية في السابق. وتذرّعت الحكومات البرجوازية في هذه البلدان بنفس الذرائع التي يتذرّع بها اليوم النظام التونسي. من هذه الذرائع ما يسمّى بظاهرة الديموغرافية أي امتداد الأمل في الحياة وارتفاع كلفة أنظمة التقاعد والمصاعب الاقتصادية التي تتهدد مؤسسات الإنتاج وقدراتها التشغيلية، أي بلغة أخرى المخاوف من استفحال ظاهرة البطالة.

على هذه العناصر الكبرى انبنت مشاريع الدول الرأسمالية لـ"إصلاح" أنظمة التقاعد وهي ذات المبررات التي يرتكز عليها مشروع "إصلاح" نظام التقاعد التي تعدّه الحكومة في تونس. والحقيقة أن المصدر الحقيقي لكل هذه المشاريع، سواء التي طبقت في بلدان أوروبية مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية أو التي يجري إعدادها الآن تحت نفس اليافطات في تونس والمغرب وعديد البلدان الأخرى، هو البرنامج الذي وضعه البنك الدولي منذ بداية التسعينات والذي تضمّن اقتراحات لقيت دعما واسعا من الأوساط الرأسمالية الليبرالية الجديدة ومن الحكومات اليمينية.

ولتمرير هذا المشروع تعاون صندوق النقد الدولي والبنك العالمي واللجنة الأوروبية للاتحاد الأوربي على بلورة نظرية "الدعامات الثلاث" لأنظمة التقاعد وتتمثل هذه الدعامات في:
- تقديم المساعدة العمومية الأضعف ما أمكن للمسنين (الحد الأدنى للشيخوخة).
- تشجيع الأسواق المالية على بعث نظام تقاعد إجباري يسيّره القطاع الخاص يعتمد على الرسملة والمضاربة المالية.
- بعث نظام ادخار اختياري يتمتع بتسهيلات جبائية ليصبح تدريجيا هو النظام المهيمن.

وقد شكلت هذه النظرية إطارا نظريا عاما لمخطط تناولته الحكومات والأوساط السياسية اليمينية بكثير من الدهاء والتمويه والمغالطة ليقع في النهاية تمرير المشروع، متـّبعة مخططا على مراحل الهدف منه تقسيم حركة الرفض في أوساط الأجراء وتفضيل القطاع الخاص عن القطاع العمومي واعتماد دعاية ديماغوجية وخطاب يطفح بكثير من "النوايا الحسنة" الكاذبة كالقول مثلا أن هدف الحكومة هو "الحفاظ على نظام التقاعد وتطبيق العدل بين الأجيال" كل ذلك من أجل تمرير برنامجهم الذي تتمثل أهم إجراءاته في:

1 – الرفع من سن الإحالة على التقاعد (إلى 63 وفي بعض الحالات 65 سنة).

2 – الزيادة في نسبة الاشتراك في صناديق التقاعد (في بعض البلدان وظفت الزيادة على الأجراء فقط وتم إعفاء أصحاب المؤسسات من هذه الزيادة بتعلة الحفاظ على مؤسّسات الإنتاج والتشجيع على الاستثمار وخلق مواطن شغل).

3 – التخفيض من قيمة المعاشات (les pensions de retraite).

4 – إعادة هيكلة الصناديق الاجتماعية باتجاه تحويلها إلى مؤسسات ناشطة في الأسواق المالية بحيث تصبح الاقتطاعات على أجور الأجراء قابلة للبيع في سوق المال، هذا التوجه الذي سرعان ما فشل في الولايات المتحدة وأنجلترا. وتنبني هذه الإجراءات على منطق منافق تم اعتماده كمبرر ويقوم هذا المنطق على:
- ما دامت حياة العامل أصبحت أطول فلا بأس أن يعمل أكثر ويدفع أكثر.
- إن الزيادة في مدة الاشتراكات وقيمتها هو الإصلاح الوحيد الممكن، ذلك أن الزيادة في نسبة مشاركة أرباب العمل قد تضرّ بقدرة المؤسسات على المنافسة وقد يؤدي ذلك إلى تراجع الاستثمار والقدرة على خلق مواطن شغل جديدة (هذا المنطق تم اعتماده في بعض البلدان من طرف الحكومات اليمينية مثل حكومة بلادور الوزير الأول الأسبق في فرنسا مثلا). ففي فرنسا مثلا قام مشروع إصلاح أنظمة التقاعد في عهد حكومة اليمين الفرنسي برئاسة بلادور على "الوصفة السحرية" وتمّ بمقتضى ذلك سن قانون سنة 2003 الذي رفع سن الخروج إلى التقاعد إلى 65 سنة وأدخل تعديلات جديدة على طريقة احتساب منحة التقاعد ووضع أسس نظام الادخار – التقاعد الشعبي والنظام التكميلي والعقد الجماعي بين المؤسسات ثم تمّ تنقيحه سنة 2009 بقانون "تمويل الضمان الاجتماعي" الذي راجع في فصوله 6، 25، 73، 74 و79، والفصول من 80 إلى 86 جملة من الأحكام المتعلقة بجراية التقاعد وكيفية التمتع بها لعدد من الأسلاك من العاملين في القطاع الخاص.

أوردنا هذه العينة من النظام الفرنسي الجديد للتقاعد للتأكيد على أن موضة "إصلاح" التقاعد ليست موضة تونسية خالصة بقدر ما هي توجه ليبرالي عالمي وضع أسسه البنك العالمي وصندوق النقد الدولي وتعمل كل الحكومات البرجوازية في العالم على تنفيذه وفق هذه التوصيات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى للتأكيد على أن المشروع الذي تسعى الحكومة إلى إعداده إنما هو نسخة من برامج الإصلاح التي طبقتها دول رأسمالية أخرى وخاصة تلك التي تسير الحكومة التونسية على خطاها وبإملاءات منها.

وسنخصص الحلقة القادمة من هذا المقال للمشروع التونسي، تفاصيل محاوره والمبررات المعتمدة لتمريره وأبعاده الاقتصادية والاجتماعية ومواقف مختلف الأطراف الاجتماعية منه.

(يتبع)



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني