الصفحة الأساسية > بديل الشباب > مراكز التكوين المهني بين الخطاب والواقع
مراكز التكوين المهني بين الخطاب والواقع
20 شباط (فبراير) 2010

أصبحت مراكز التكوين المهني بمختلف اختصاصاتها ودرجات الشهادات التي تؤهل لها تستقبل عشرات الآلاف من الشباب التونسي. وازداد الإقبال عليها بسبب اشتداد أزمة الجامعة التي تدفع سنويا بأعداد هائلة من العاطلين إلى سوق الشغل الكاسدة، وكذلك بسبب الدعاية الكبيرة التي تحظى بها من قبل نظام بن علي وتقديمها على أنها "ممرّ مضمون" نحو الشغل. خطاب يدغدغ عقول الشباب وسط التفاقم الشديد لأزمة البطالة... فهل يتطابق ذلك مع الواقع؟! "إلى الأمام" التقت بـ"تلميذتين" تدرسان بمراكز التكوين المهني وأجرت لكم الحوار التالي:

التلميذة الأولى ر. م.

سؤال: كيف التحقتِ بمركز التكوين المهني؟
جواب: بعد الباكالوريا (آداب) التحقت بأحد معاهد التعليم العالي إلا أنني لم أتمكن من اجتياز السنة الأولى نظرا للظروف المعيشية غير الملائمة للدراسة والنجاح. فلم يقع تمكيني من منحة جامعية ولم أتمتع بالسكن الجامعي إلا سنة واحدة اضطررت بعدها إلى "الترسكية" مع صديقاتي طيلة السنتين الأخريين. فكنت أنتقل بحقيبتي أسبوعا هنا ويومين هناك. واضطررت في بعض الأحيان إلى البقاء في الشارع لوقت متأخر من الليل إلى حين أن تقبل إحدى الزميلات أو الصديقات استضافتي. كل ذلك لأن عائلتي غير قادرة على مجابهة مصاريف دراستي (الأب أجير بسيط والأم عاطلة ونحن 4 أبناء ندرس). في مثل هذه الظروف أخفقت في امتحاناتي لثلاث سنوات و"خرطشت" وبعد أن رفضت الجامعة تمكيني من ترسيم استثنائي التحقت بأحد مراكز التكوين المهني في أحد الاختصاصات المؤهلة لشهادة تقني مهني BTP المفتوحة لمن لهم مستوى تعليمي يوافق الثانية ثانوي (خامسة ثانوي بالنظام القديم). ولم أتمكن من الترسيم في تكوين يتماشى ومستواي (BTS) لأنّ الباكالوريا التي تحصلت عليها هي باكالوريا آداب. كما أنه قد قيل لي أن الاختصاص الذي أدرسه حاليا "ما فيهش شوماج".

سؤال: كيف تجدين الدراسة في هذا المركز؟
جواب: نعاني من مشاكل متعددة فمعاملة المدير والموظفين لنا سيئة للغاية حيث لا يخاطبوننا باحترام ويفرضون علينا نظاما تعسفيا في الأوقات ونظام الدروس وينتهزون أتفه الأسباب لإذلالنا ومعاقبتنا وكأننا أطفال أو أن وجودنا في المركز نوع من العقاب على "إخفاقنا" في الدراسة ولا يراعون ظروفنا الاجتماعية بل وحتى أننا نقطع عشرات الكيلومترات يوميا للالتحاق بالمركز من أحياء وقرى مختلفة. هذا إلى جانب الاكتظاظ الشديد في المركز والنقص الكبير في التجهيزات الشيء الذي أدخل ارتباكا كبيرا على سير التكوين خاصة وأنه تكوين تطبيقي بالأساس.

سؤال: كيف تنظرين إلى مستقبلك؟
جواب: "مستقبل بلا مستقبل!"... قلتُ أنّ من بين العوامل التي جعلتني ألتحق بالمركز هو أنه قيل لي أنه "ما فيهش شوماج" ظننت أن ذلك يعني تكفل المركز بإيجاد موطن شغل بعد الحصول على الديبلوم لكن ذلك لم يكن صحيحا – وهل لوجود المركز معنى إن لم يكن ذلك؟ ما الفائدة أن تتحصل على ديبلوم ثم "تشد الدار"! هل هذا تكوين مهني؟! كما أني أعرف العشرات من خريجي المركز يعانون البطالة... البعض حصل على شغل... كل شيء بالأكتاف..!".

التلميذة الثانية أ- ك:

سؤال: كيف التحقت بمركز التكوين الذي تدرسين به؟
جواب: انقطعت عن التعليم الثانوي في السنة الثالثة (السادسة بالنظام القديم) اختصاص اقتصاد تصرّف نظرا لأنني "أهملت دراستي" التي لم يعد لها عندي أيّ طعم ولم أعد مقتنعة أن الدراسة تمثل "مدخلا" أو "شرطا" للنجاح في الحياة وضمانا للمستقبل خاصة وأني أعرف ما يعانيه الذين واصلوا دراستهم بل وتخرجوا من الجامعة من بطالة كما أنني أنتمي إلى عائلة "زوّاليّة" (الأب عامل بمحل تجاري والأم عاملة بمصنع) وكنت أدرس بمعهد في أحد الضواحي "الثرية" وألاحظ بعيني ما يتمتع به "المحظوظون" من بذخ الحياة ومن معاملة مميزة في المعهد!
طردت من المعهد بعد رسوبي مرتين متتاليتين. أصبت بانهيار عصبي ولازمت المنزل طيلة 4 أشهر ثم التحقت بعدها بمركز التكوين المهني الذي أدرس به حاليا علّي أتمكن من بناء حياتي من جديد!

سؤال: كيف تجدين الدراسة في المركز؟
جواب: في المركز الذي أدرس به نعاني من المعاملة المهينة ومن قلة الاحترام حتى أن الإداريين (رجال ونساء) يقتحمون علينا حتى دورة المياه. كما نعاني من الاكتظاظ الشديد ونقص كبير في التجهيزات والمعدات، والمعطب منها أكثر من الصالح للاستعمال. وفي كلمة فإنّ ظروف التكوين لا تسهّل بالمرة حظوظنا. عندما حدثونا عن المركز سواء في "الوكالة التونسية للتكوين المهني" أو عندما تقدمت لإدارة المركز بمطلب ترسيمي أو كذلك في "الاجتماع" الذي قام به معنا المدير عند انطلاق الدروس "حلّولي في الجنة ذراع" لكني عندما اصطدمت بالواقع تبددت كل الأوهام التي زرعوها في ذهني..!

سؤال: كيف ترين مستقبلك؟
جواب: مستقبل زاهر جدا!! فالوكالة (وكالة التكوين المهني) تؤكد لنا باستمرار أننا سنحصل على شغل. أريد أن أحافظ على تفاؤلي... هناك العديد من خريجي المركز لم يحصلوا على شغل... "بالكشي الزهر ما وقفلهمش!".



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني