الصفحة الأساسية > البديل الوطني > مرة أخرى المعارضة لا تستوعب الدّرس!
المعارضة في مسيرة مشتركة مع "التجمع":
مرة أخرى المعارضة لا تستوعب الدّرس!
4 تموز (يوليو) 2010

قال العرب: "المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين" في إشارة إلى أن الحكمة تقتضي أن يستوعب المرء الدرس من خيبته حتى لا يقع مجددا في الخطأ وحتى لا يخيب ثانية مع ما يمكن أن ينجرّ له عن ذلك من أضرار مادية أو معنوية. ولكن يبدو أن المعارضة عندنا، ونقصد هنا بالتحديد، أحزاب المعارضة المعترف بها، نسيت هذا المثل أو تناسته، وأبدت الاستعداد لتلدغ لا مرة أو مرتين من نفس الجحر بل مرات عديدة. وكان ذلك بمناسبة الاعتداء الصهيوني الإجرامي على أسطول الحرية في فجر يوم الاثنين 31 ماي الماضي.

لقد طلبت الأحزاب الثلاثة المعترف بها وهي "حركة التجديد" و"الحزب الديمقراطي التقدمي" و"التكتل من أجل العمل والحريات" ترخيصا رسميا لتنظيم مسيرة احتجاجية مساء يوم الثلاثاء 1 جوان الجاري على الساعة السادسة. لكن السلطات رفضت هذا الطلب وأعلمت الأحزاب المعنية بـ"تنظيم مسيرة وطنية" في نفس اليوم ونفس الساعة بشارع محمد الخامس ودعتها إلى المشاركة فيها.

وقد أشارت صحيفة "الطريق الجديد"، بتاريخ 11 جوان 2010، إلى أن الأحزاب الثلاثة قبلت المشاركة في هذه المسيرة مبرّرة موقفها هذا بأن "القضية الفلسطينية ليست قضية خلافية ولكنها قضية يوجد حولها إجماع وطني". ولكن "التجمع الدستوري"، الحزب الحاكم، "فعلها" كالمعتاد وراوغ الأحزاب المعنية وهمّشها، متظاهرا بأن "القضية الفلسطينية هي قضيته هو ولا دخل لأيّ طرف آخر فيها".

تؤكد الصحيفة المعنيّة أن السلطات أقصت أحزاب المعارضة من تنظيم المسيرة، الذي تمّ بمركز الولاية بالعاصمة. وعوض أن تنطلق المسيرة من ساحة 7 نوفمبر على الساعة السادسة مساء، أطلقها الحزب الحاكم مصحوبا بأذنابه من أحزاب الديكور ومن البيروقراطية النقابية، من أمام مقر "التجمع الدستوري" بشارع محمد الخامس، ربع ساعة قبل الموعد المعلن عنه لانطلاقها تاركا بقية الأطراف بعيدة، في آخر الركب. وهو ما جعلها تنطلق بمفردها تحت حصار أمني شديد. أما على مستوى التغطية الإعلامية (وكالة تونس إفريقيا للأنباء، قناة تونس 7 للتلفزة التونسية)، فقد تم تجاهل هذه الأحزاب وكأنها لم تحضر ولم تشارك.

لقد استغربت صحيفة "الطريق الجديد" سلوك السلطة والإعلام الرسمي الذي اختار "السير في الاتجاه المعاكس بفرض التعتيم على مشاركة حركة التجديد والديمقراطي التقدمي والتكتل وغيرها من مكونات المعارضة المستقلة، وكأنها لم تكن حاضرة في المسيرة، كما نشرت وكالة تونس إفريقيا للأنباء ملخصا لمختلف المواقف مع تعمّد إقصاء موقف "حركة التجديد" وغيرها وكأن مجرد حتى ذكر هذه الحركة بالاسم بمناسبة التنديد بإسرائيل قد أصبح من المحرمات... تصرّف غريب يبين مدى ما وصلت إليه عقلية الإقصاء من "انحدار وعبثية".

وفي الحقيقة فإن ما يبعث على الاستغراب، ليس موقف السلطة المتجاهل لمشاركة "أحزاب المعارضة المستقلة" في المسيرة، ولكن استغراب هذه الأحزاب من ذلك الموقف، فهل هو يحدث لأول مرة حتى يثير الاستغراب؟ إن ما فعله الحزب الحاكم يوم 1 جوان الماضي، هو نفس ما كان فعله في جويلية 2006 بمناسبة الاعتداء الصهيوني على لبنان وفي ديسمبر 2008 وجانفي 2009 بمناسبة الاعتداء الصهيوني أيضا على غزة. وقد كانت الأحزاب المعنية المهمّشة، كررت نفس ما قالته هذه المرة، دون أن تستوعب الدرس.

إن ما لم تفهمه هذه الأحزاب، هو أن القضية الفلسطينية بشكل عام وقضية غزة (الحصار) بشكل خاص ليست محل "إجماع وطني" بين نظام الحكم من جهة وأحزاب المعارضة الوطنية المستقلة من جهة أخرى. فهذا النظام موال للامبريالية الأمريكية وهو يمارس التطبيع الاقتصادي والسياسي والثقافي مع الكيان الصهيوني، وعلى هذا الأساس فهو مثله، مثل "الأنظمة الرجعية العربية الأخرى، يناوئ المقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها بما فيها حركة "حماس" المسيطرة على غزة، ويؤيد القضاء عليها ويساند سلطة عباس المتخاذلة المتواطئة مع الاحتلال والمستجيبة لمقتضيات المشاريع الامبريالية الصهيونية الرامية إلى قبر القضية الفلسطينية إن نظام بن علي لم يندد بالاعتداء الصهيوني على أسطول الحرية، إلا متأخرا وعلى طرف اللسان، تماما مثلما فعل ساعة الاعتداء على غزة وعلى لبنان. وقد سارع هذه المرة أيضا بتعبئة قواته البوليسية وزرعها في كل مكان لمنع الشعب التونسي من التعبير عن غضبه، وقد اعتدت هذه القوات على العديد من المواطنين ولم تتورع عن افتكاك الأعلام التركية التي كان يحملها بعض الشبان.

إن نظام بن علي لا يريد من الشعب التونسي أن يعبر عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني، إرضاء للإدارة الأمريكية وتسهيلا للتطبيع مع الكيان الصهيوني. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه لا يريد من الشعب التونسي ولا من المعارضة أن يقوما بأعمال مستقلة في الشارع لأنه نظام دكتاتوري، بوليسي، يحتكر الحياة العامة ويقمع الحريات بشكل منهجي ودائم، ومن ثمة فإن الشعب التونسي ليس له الحق في التعبير عن رأيه لا في القضايا الداخلية ولا في القضايا الخارجية.

ولكن كما هو الحال في كل مرة، فبعد أن يشتد الغضب في الشارع، ويفشل القمع البوليسي في صد المواطنين والمواطنات عن التعبير عن احتجاجاتهم، يسارع الحزب الحاكم بتنظيم مسيرة رسمية في العاصمة وفي مراكز الولايات، يشرك فيها أحزاب الديكور والقيادات البيروقراطية للاتحاد العام التونسي للشغل ويسيطر بالكامل على هذه المسيرات المؤطرة تأطيرا محكما من البوليس ويستخدمها مطية للتظاهر بمساندة القضية الفلسطينية أو لبنان أو العراق، ومن جهة أخرى للتغطية على القمع المسلط على الشعب والمعارضة.

تلك هي الحقيقة... وكان من المفروض أن تفهمها أحزاب المعارضة المستقلة، وأن لا تترك نفسها تلدغ من نفس الجحر مرات ومرات وأن تعمل على التنسيق بينها لفرض حق التظاهر.

وقد رفض حزبنا دائما الانخراط في المسيرات التي دعا لها الحزب الحاكم للأسباب التي ذكرناها وكذلك حتى لا يوهم الرأي العام بوجود أي التقاء بيننا وبين الدكتاتورية الدستورية النوفمبرية الغاشمة بما في ذلك حول القضية الفلسطينية الني تعمل هذه الدكتاتورية على قبرها بالتواطؤ مع بقية الأنظمة الرجعية العربية.

سالم ب. م.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني