الصفحة الأساسية > البديل الوطني > هل استوعبت السلطة الدرس، أم هي مناورة جديدة للاستهلاك الخارجي؟
ملف الرابطة:
هل استوعبت السلطة الدرس، أم هي مناورة جديدة للاستهلاك الخارجي؟
تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

أعلن بن علي في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة الذكرى 23 لانقلاب 7 نوفمبر 1987 الذي أوصله إلى السلطة استعداده لمد يد المساعدة إلى الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لإيجاد "حل لأزمتها" خلال الستة أشهر القادمة. وقد أثار هذا الموقف ردود فعل مختلفة. فكالمعتاد حيته أحزاب الديكور وأثنت عليه. أما الهيئة المديرة للرابطة فقد عبّرت عن استعدادها للتفاعل إيجابيا وتقديم التنازلات الضرورية لتجاوز الوضع الذي تعيشه المنظمة منذ عشر سنوات شرط عدم المساس باستقلاليتها، وطالبت بالمناسبة برفع الحصار البوليسي عن مقرات الرابطة ليتمكن الرابطيون من الاجتماع ومن مناقشة أوضاع منظمتهم. ومن جهة ثالثة عبرت أطراف أخرى، سياسية وحقوقية، من بينها رابطيون، عن خشيتها من أن تكون دعوة بن علي كسابقاتها، مجرد مناورة موجهة إلى الاستهلاك الخارجي، في علاقة بالمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، حول مرتبة "الشريك المتقدم".

إن أسباب الشك في مدى جدية السلطة في التعامل مع ملف الرابطة كثيرة ومتنوعة. فالسلطة هي التي تعرقل نشاط المنظمة منذ 10 سنوات أي منذ مؤتمرها الخامس الذي انتخب الهيئة المديرة الحالية. وهي التي حركت بيادقها داخل الرابطة كي يرفعوا قضايا مفتعلة ولا سند قانونيا لها، لاتخاذها ذريعة لشل نشاط الرابطة وغلق مقراتها ومنع عقد مؤتمرها السادس (2005). ويعود سبب ذلك إلى أن السلطة وعلى رأسها بن علي ترفض بشكل خاص وجود رابطة مستقلة تدافع عن الحريات وحقوق الإنسان كما ترفض بشكل عام وجود منظمات مستقلة في أي مجال من المجالات، بحكم طبيعتها الاستبدادية، وهو ما دفعها إلى الانقلاب على أكثر من هيئة شرعية في أكثر من منظمة (جمعية القضاة، نقابة الصحفيين...) لاستبدالها بهيئات منصبة وتابعة.

ومن جهة أخرى فليست هذه أول مرة تتظاهر فيها السلطة، وتحديدا بن علي، بـ"الرغبة" في حل "أزمة الرابطة". وكانت آخر مرة في مطلع هذا العام حين كلف القصر كلا من منصر الرويسي وعبد الوهاب الباهي بالإشراف على مفاوضات بين "طرف النزاع" في المنظمة أي الهيئة المديرة من جهة وأعوان السلطة من جهة ثانية. وكان واضحا من البداية أن تلك المفاوضات لها صلة بالمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول مرتبة "الشريك المتقدم". وبما أن هذه المفاوضات لم تفض إلى نتيجة فقد أدارت السلطة، عن طريق "مفاوضيها" الظهر إلى الاتفاق الذي تم التوصل إليه زاعمة أن الهيئة المديرة "لم تقدم التنازلات المطلوبة". كما بادرت بسن قانون جديد (الفصل 61 مكرر) لتجريم من ينتقد نظام الحكم في وسائل إعلام أجنبية أو لدى منظمات إقليمية أو دولية بدعوى "الإضرار بالمصلحة الوطنية" و"عرقلة حصول تونس على مرتبة الشريك المتقدم" باعتبار أن الاتحاد الأوروبي يشترط/ في ما يشترط، على الراغب في هذه المرتبة، القيام بإصلاحات سياسية، وهو ما لا يريد نظام بن علي القيام به إذ أنه يبحث عن التمتع فقط بالامتيازات الاقتصادية التي تسمح له بها تلك المرتبة، على حساب مصالح تونس بالطبع، مع الاستمرار في نهجه السياسي الاستبدادي.

إن "مبادرة" بن علي تأتي هذه المرة أيضا في نفس السياق. فالمفاوضات حول مرتبة "الشريك المتقدم" تراوح مكانها بسبب ملف الحريات وحقوق الإنسان، لذلك فمن الواضح أن السلطة تريد تحريك ملف الرابطة للتظاهر بأنها تسعى إلى "تحسين الوضع". ولكن لا أحد يمكنه أن يتكهن من الآن بمصير المفاوضات هذه المرة. فإذا كانت السلطة تريد تكرار سيناريو ماي الماضي فإنها ستتعرّى مرة أخرى بالكامل ويتضح إسفافها وإسفاف بيادقها ومفاوضيها. أما إذا كانت استوعبت الدرس وفهمت أنها لا يمكنها الاستمرار في المناورات الفارغة إلى ما لانهاية. ومن المتوقع أن تلعب على حبل آخر وهو محاولة فرض تنازلات خطيرة على قيادة الرابطة بما يمس من استقلاليتها ويمكّن السلطة، عبر أذنابها، من مواقع هامة داخل المنظمة، حتى تعرقل نشاطها وتدخلها في صراعات هامشية متواصلة.

إن قيادة الرابطة ليست ساذجة حتى تفرط في استقلالية المنظمة وتخون الأمانة التي عهد بها إليها المؤتمر الخامس ومن ورائه الأغلبية الساحقة من الرابطيات والرابطيين. ولكننا مع ذلك نشدد على أن الهيئة المديرة، مطالبة، ضمانا لنجاحها في المفاوضات مع السلطة، بأن لا تعزل نفسها عن قواعدها وبأن لا تتخذ أي خطوة دون استشارتها وموافقتها وهو ما يتطلبه أي عمل ديمقراطي جدي للحفاظ على تماسك الصفوف ووحدة الموقف. وهو ما يقتضي أن تضع الهيئة المديرة كشرط أولي لأي مفاوضات جدية، رفع الحصار البوليسي عن مقرات الرابطة وتمكين الرابطيين من الاجتماع لمناقشة أوضاع منظمتهم واتخاذ القرارات اللازمة بشأنها وفقا لقواعد العمل الديمقراطي داخلها.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني