الصفحة الأساسية > البديل الوطني > أزيلوا السجون تينع الحرية -2-
أزيلوا السجون تينع الحرية -2-
18 شباط (فبراير) 2006

أزيلوا السجون تينع الحرية -1-

يشكل السجن في تونس محطة وسيطة بين جملة من المحطات العديدة السالبة للحرية والتي تتسم جميعها بالتنكيل والتعسف والقمع. حول السجن تتمحور ستة عمليات رئيسية تواكبها سلطة القمع بكل عناية ومتابعة وتسهر على تنفيذ جزئياتها بكل دقة هذه العمليات هي : 1) مراقبة المشبوهين 2) الإيقاف 3) ممارسة التعذيب 4) المحاكمة 5) السجن 6) ما بعد السجن . تستحق كل نقطة من هذه العمليات لوحدها لو أردنا استعراض بعضها مجلدات مليئة بالآهات والفجيعة . في السجن وما بعد السجن لم يعد بإمكانك أن تنظر ببراءة إلى هذا العالم المتوج بالجريمة، فقط يصيبك شعور مبهم بالخطر الدائم وتعصف بفكرك مشاعر القهر الداخلي وتجد نفسك أمام ليل طويل من التساؤلات المرّة. تشعر أن عديد الأشياء تغيرت حولنا وبقي السجن على حاله منذ نصف قرن تقريبا يحتفظ بثبوته و بخاصياته التي خبرها التونسيون الأحرار فلم تزدهم مصائب ما يحدث لهم من قمع و إسكات إلاّ إصرارا على المضي قدما نحو التاريخ بالرغم من ترسانة القوانين والخطب الرنانة التي مجّتها الأسماع وبالرغم من الإجراءات المعلن عنها منذ سنة 1987 من طرف بن علي لذر الرماد العيون ومحاولة يائسة لإسكات الأصوات المنددة بحالة السجون في بلادنا.

إن وضعية السجون التونسية تدعو للانشغال الكبير إذ ما فتئت وضعية المساجين وخاصة السياسيين منهم تزداد سوءا وما فتئت الممارسات غير الإنسانية في حقهم تتضاعف وقد تواترت الشهادات والشكاوي عن الظروف الصعبة التي يواجهها السجناء وكذلك عن الأوضاع المتدهورة للسجون حيث تشهد هذه الأخيرة انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ويمارس فيها التعذيب على أوسع نطاق مما أدى إلى وفاة عدد من السجناء في سجون مختلفة من أنحاء البلاد مثل سجن 9 أفريل بالعاصمة وسجن برج العامري وسجن بلاريجيا (جندوبة) وسجن الكاف وسجن الهوارب (القيروان) وسجن غنوش (قابس) وسجن سوسة وسجن المنستير...

تشير الرابطة في تقريرها الصادر سنة 2004 حول أوضاع السجون في تونس إلى وفاة 13 سجين رأي بين سنتي 1990 و2003 بالإضافة إلى عشرات سجناء الحق العام الذين توفوا بسبب التعذيب داخل السجون أو الإهمال الصحي مع العلم وأن معدل السن عند الوفاة لا يتجاوز 42 سنة وأن أغلب الحالات المسجلة تتراوح بين سني 63 سنة و45 سنة فيما سجلت حالة واحدة بالنسبة لسن السبعين وهي للشيخ مبروك الزرن ويذكر التقرير أن حبيب الردادي ولخضر السديري سجناء رأي توفوا بالمستشفى بسبب الإهمال الصحي كما توفي سجناء الرأي علي المزوغي ورضا الخميري وعبد الوهاب بوصاع بعد إضراب عن الطعام حتى الموت احتجاجا على سوء المعاملة والتنكيل والإبعاد عن العائلة. وقال التقريرأيضا أنه في جميع الحالات يتم الضغط على العائلة حتى تتكتم على الوفاة. كما تتخذ إجراءات أمنية مشددة أثناء مراسم الجنازة. ولم تفتح ملفات الوفيات المشبوهة داخل السجون التونسية رغم المطالبات الملحة من المنظمات الحقوقية بذلك، كما لم يفتح في الغرض أي تحقيق جدي يؤدي إلى تحديد المسؤوليات. وأمام هذه الممارسات الفاشية وتجاه اللامبالاة التي تواجه بها السلطة مطلب المجتمع المدني بإطلاق سراح كل المساجين السياسيين وسن قانون العفو التشريعي العام، لا يجد المساجين السياسيون وحتى بعض مساجين الحق العام من سبيل لإسماع صوتهم والتعبير عن مطالبهم المشروعة إلاّf تعريض حياتهم للخطر وذلك بالدخول في الإضرابات المتتالية عن الطعام . وقد أصبح إضراب الجوع الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الذات لدى المساجين السياسيين ولدى العديد من العائلات السياسية ببلادنا. وكشف نفس التقرير عن العدد الجملي للمساجين ببلادنا الذي يصل حسب تقدير الرابطة إلى حوالي 26 ألف سجين موزعين على 29 سجنا و7 مراكز للأحداث بما يجعل تونس تحتل المرتبة الرابعة عالميا من حيث ارتفاع عدد المساجين مقارنة بعدد السكان وذلك بــ253 سجينا لكل مائة ألف ساكن وتأتي تونس في الترتيب بعد الولايات المتحدة وروسيا وجنوب إفريقيا حسب آخر الإحصائيات الدولية .و لا يزال الحديث عن أوضاع السجون شبه محرم ببلادنا ففي 13 ديسمبر 2002 نشرت مجلة حقائق استطلاعا حول الأوضاع في السجون التونسية فاستدعي كاتبه السيد الهادي يحمد للمثول أمام مساعد وكيل الجمهورية بتونس لمساءلته في الموضوع وتم سحب العدد من السوق في العديد من المناطق وسحبت الاشتراكات العمومية من المجلة وتم التضييق عليها في الإشهار العمومي واضطر كاتب المقال إلى الاستقالة والهجرة . وتتحمل عائلات المساجين السياسيين سيل الإجراءات الانتقامية المتنوعة ضدها كالمساءلة البوليسية والمنع من الزيارة وتشديد الظروف التي تصحب الزيارة فضلا عن إبعاد عديد مساجين الرأي إلى سجون بعيدة عن مقرّ إقامة العائلات رغم تواجد سجن أو أكثر في كل ولاية. إن تدهور أوضاع السجون ببلادنا تبرز كما كشفتها التقارير والبلاغات العديدة الصادرة عن الرابطة والشهادات المتواترة لسجناء سابقين ومحاميهم، العديد من النقاط السلبية من أهمها:


قدم المباني :
تعاني العديد من السجون التونسية الموروثة في أغلبها عن الاستعمار من قدم المباني، فسجن 9 أفريل في العاصمة الذي يعود بناؤه إلى سنة 1901 والمخصص لإيواء 900 سجين بلغ اليوم عدد نزلائه 5000 سجين. وتتسبب هذه المباني القديمة في تكاثر العديد من الصعوبات و الأمراض المزمنة المتفشية بكثرة داخل السجون التونسية.

رداءة المرافق والتجهيزات : تشير التقارير والشهادات العديدة الصادرة في الغرض إلى تميز واقع السجون التونسية بالتردي على مستوى الإقامة والأكلة والعناية الصحية والنظافة والتعامل مع السجين والإعلام والأنشطة الثقافية والرياضية. وتؤكد الرابطة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في أحد تقاريرها أن وجبات الطعام المقدمة لا تتوفر على قيمة غذائية كافية ولا تراعى قواعد حفظ الصحة. فتنتشر الأوساخ و تتفشى الأمراض الخطيرة والمعدية مثل الربو والسل والجرب. ويقول التقرير أن القانون التونسي نصّ على أن توفر إدارة السجن لكل سجين عند إيوائه فراشا فرديا وما يلزمه من غطاء إلاّ أن الحصول على سرير أو على مجرد مكان للنوم أصبح إحدى الأمنيات المستحيلة لكل سجين جديد بسبب الاكتظاظ.

الاكتظاظ : تشهد السجون التونسية اكتظاظا كبيرا إلى حدّ تفوق قدرتها الإيوائية وأحيانا أضعافها، فمعدل المساحة للسجين الواحد في الغرف التي لا تتوفر فيها بنية تحتية صحية لا تتعدى المتر مربع في أحسن الحالات وتتدنى إلى أكثر من ذلك في بعض أجنحة سجون العاصمة وتبلغ نسبة الاكتظاظ أقصاها لتصل أحيانا إلى أكثر من أربعة أضعاف العدد الممكن استيعابه داخل هذه الفضاءات.ونقل تقرير الرابطة عن أحد السجناء السابقين قوله أن الجناح الذي كان يقيم فيه وهو عبارة عن غرفة صغيرة كان يضم 287 سجينا بما يجعل حظ كل سجين من مساحة الغرفة لا يتجاوز 60 سنتمتر مربع كما نقل التقرير عن سجين أخر قوله أنه لم يلتق بأحد السجناء الذي كان يقيم معه في نفس الغرفة لمدة شهر بسبب الاكتظاظ . ويعود سبب الاكتظاظ إلى ارتفاع نسب الإجرام ببلادنا التي تصحبها تطورات ملحوظة في نوعية الجريمة بالإضافة إلى انتشار ظاهرة العودة بالنسبة للفئات التي تعودت على الحياة السجنية.

المعاملة القاسية: يشكل السجن في حدّ ذاته أداة قمع قاسية تستغلها السلطة بهدف إقصاء و تركيع المعارضين والمخالفين لها في الرأي. جاء في تقرير الرابطة ما يلي:"إن السجون التونسية تشهد في السنوات الأخيرة انتهاكات واسعة ويمارس فيها التعذيب وسوء المعاملة بشكل واسع ولم يسبق له مثيل مما أدى إلى وفاة عدد من السجناء . كما يتعرض السجناء السياسيون إلى معاملة قاسية هي أكثر سوءا من تلك التي يتعرض لها سجناء الحق العام". وذكر التقرير أمثلة عن حالات التعذيب تعكس شيوع هذه الظاهرة ومنها حالة السجين محمد علي المنصوري (سجين حق عام) والذي تعرض للضرب والتقييد بالسلاسل مما تسبب له في بتر ساقيه . ويتم التعذيب داخل السجن حسب شهادات بعض المسرحين بالتقييد بالسلاسل والتجريد من الملابس والتقييد في ساحة السجن في الظروف المناخية القاسية مع اللكم والحرمان من الطعام والعزل التام في غرف انفرادية صغيرة.

تفشي الأمراض : تتفشى بالسجون التونسية العديد من الأمراض الخطيرة الناجمة عن قدم المباني وكثرة الاكتظاظ والعنف المسلط على السجناء وقلة التهوئة في الغرف وكثرة التدخين وانعدام النظافة وضيق الفسحة والنوم على الأرض وتحت الأسرة... مع انتشار الفئران والحشرات وغياب فضاءات الترفيه والتثقيف والرياضة وتقديم أكلة غير كافية وغير صحية، وإهمال المرضى والمصابين وحرمانهم من العلاج رغم تدهور حالتهم الصحية نتيجة الظروف السجنية القاسية ومخلفات التعذيب. وقال التقرير أنه تمّ في سنة واحدة وعن طريق الصدفة اكتشاف 9 حالات لمرضى نقص المناعة المكتسبة (السيدا) في سجن 9 أفريل بالعاصمة . وقد تمّ عزل المرضى بالسيدا في مصحة السجن دون إخضاعهم للعلاج. كما تنتشر الأمراض الجلدية بمختلف أنواعها ويرتفع عدد المصابين بالأمراض التنفسية وتبرز بوضوح الأمراض النفسية التي تتمظهر في التوترات والصراعات بين المساجين فيما بينهم وبينهم وبين السجانين... كما يتم في سجون عديدة إيداع الأحداث مع بقية المساجين مع ما يترتب عن ذلك من أخطار وتجاوزات خطيرة أهمها شيوع الشذوذ الجنسي. لقد فتحت الحركة الديمقراطية ببلادنا من خلال نضالاتها المستمرة آفاقا واسعة للأمل قصد تجاوز حالة العزلة والمحاصرة التي يعيشها السجناء وعائلاتهم من خلال المطالبة القوية والمتكررة بإعلان العفو التشريعي العام الذي يمحو آثار سنوات طويلة من الألم والترهيب والإهانة والإذلال وأن تطوى نهائيا صفحات سوداء فاقت في بشاعتها وغرابتها كل تصور. فقد حوكم أشخاص كثيرون في محاكمات لم تتوفر فيها شروط المحاكمة العادلة ومازال أشخاص في السجون في قضايا رأي ، ومازال آخرون رغم خروجهم من السجن وكأنهم لم يغادروه لأنهم لا يتمتعون بحقوقهم المدنية الدنيا . كما لا يزال هناك العديد من المشردين والمختفين في السرية والمهجرين قسريا الذين لا يستطيعون العودة إلى بلادهم لأنهم معرضون للعقاب.

إن رداءة السجون ببلادنا وما يحدث فيها من بشاعات مقرفة على امتداد ما يقارب الخمسين سنة تعكس في الحقيقة الوجه العاري للسلطة السياسية التي تحكمنا والتي لا تعدو أن تكون سلطة قمعية فاشية بليت بها بلادنا والمطلوب منا اليوم في مواجهة هذه السلطة هو أن نجعل القمع تجاهها أشدّ قمعا وذلك بأن نضيف إليه وعي القمع كما يقول كارل ماركس حتى نكنس هذه المؤسسات القمعية من الوجود إلى الأبد ونهائيا بعد أن نكون قد كنسنا قبلها هذه السلطة نفسها.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني