الصفحة الأساسية > البديل الوطني > "سرقة علمية"... أفاضت الكأس !!
"سرقة علمية"... أفاضت الكأس !!
18 شباط (فبراير) 2006

"سرقة علمية" أسالت حبرا كثيرا في الآونة الأخيرة وامتدّ ما أثارته من أخذ ورد إلى الأنترنات، وكما أدينت صاحبة الفعلة عن تعمدها نسخ عشرات الصفحات في أطروحتها وفصول ملف ارتقائها دون إحالات، فقد أدين وزير التعليم العالي باعتباره كان على بينة من الأمر وانحاز رغم ذلك إلى "السارقة" فحوّر تركيبة لجنة ترقية الأساتذة المحاضرين وفسح المجال أمام ارتقائها، وأدينت اللجنة التي سمحت بذلك.

والذي نريد إبرازه بالمناسبة وبقطع النظر عن كون السرقة وقعت، هو أن الصراع لم يقابل بين طرفين أحدهما حريص على النزاهة العلمية ومصداقية الشهادات وقيمة الاجتهاد بل قابل بين وجهين لعملة واحدة، فاسدة، ومحوره ليس العلم والبحث والعدل والإنصاف، بل تصفية الحسابات وقطع الطرق والتحكم في المعادلات داخل القسم الذي ينتمي إليه الطرفان وخدمة هذا "اللوبي" أو ذاك وعقد الصفقات أو التخطيط لها مبكرا، وغالبا ما تكون الدوافع من صغائر الأمور وتوافهها، لكنها تكبر في عيون "الصغار" وتحتل محل المحور من تحركاتهم. إن اللجان، لجان الانتداب ولجان الارتقاء، وفي ظل انسحاب الأساتذة من عملية الانتخاب يأسا أو خوفا، صارت تُعيَّن بالكامل، تعينهــا الوزارة وتوكِلُ أمر رئاستها إلى أتباعها، وحتى في صورة الانتخاب فإن معظم تركيبتها يعود إلى التعيين الوزاري. وتعيش هذه اللجان أزمة عميقة، علمية وأخلاقية، يذهب ضحيتها عدد من ذوي الكفاءة الذين يقع إقصاؤهم في كل دورة، وقد يسعف الحظ بعضهم بعد الأوان، وقد ييأس ويتخلى نهائيا عن الترشح للانتداب أو الارتقاء.

أزمة علمية لأن أعضاء هذه اللجان ليسوا دائما ضالعين في اختصاصاتهم، لكن الاعتبارات الفئوية والولائية والذاتية هي التي غالبا ما تكون وراء اختيارهم أو تكليفهم بالرئاسة. وكثيرا ما يتقدم مترشحون بملفات ذات مستوى رفيع من البحث والاجتهاد دون أن تجد اللجنة الكفيلة بتثمينها.

وأزمة أخلاقية لأن الفساد ضارب أطنابه في الوسط الولائي، وسط المتزلفين والمتملقين من الأساتذة، الذين ينتظرون مقابل خدماتهم -السرية والعلنية- لفتة/لقمة يُعيّنون بموجبها في اللجان إن لم يكن في إدارة بعض مؤسسات التعليم العالي أو في دوائر المستشارين. والفساد الذي نشير إليه يتجسد في تفشي الوشاية والسعاية والاحتكام إلى الصداقة والحسابات والمصلحية، والنزول إلى درك الاعتراضات الثأرية، ذات الطابع الشخصي الضيق، بما يجعل القيمة العلمية ثانوية أحيـــانا، وبمـــا يضرب مصداقية الشهادات ويفتح الباب أمام جيل من المكونين في أمس الحاجة إلى التكوين، وبما ينعكس سلبا على التدريس والبحث وعلى مستوى الطلبة الذين يتخرجون.

إن الأزمة في جوهرها أزمة المجتمع الذي ينخره سوس الاستبداد والفساد، والذي تنهار مراجعه ويصيبه الخراب الفكري والأخلاقي، والذي لا أمل في إصلاحه إلا عبر إعادة الاعتبار للعمل والاجتهاد، والعدل والإنصاف، ولا يتم ذلك إلا بوضع حد للدكتاتورية البائسة وإطلاق الحريات، بما فيها حرية الاختيار، والانتخاب، وإقرار الحقوق بما فيها حق المحاسبة والمراقبة، والعزل.

إن "السرقة العلمية" التي شاءت الصدف أن يفتضح أمرها، ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، في ظل الأوضاع المتردية الحالية، داخل الجامعة التونسية وخارجها.

سرقات كثيرة، ورسائل وأطروحات من مستوى ضعيف عديدة، وانتدابات وترقيات من قبيل "الأقربون أولى..." تمت وتتم في كل دورة، ولجان لا تحظى بثقة جمهورها لأنها معيّنة، وتعيينها خاضع لمعايير غير موضوعية.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني