الصفحة الأساسية > البديل الوطني > لنلتحم بالشعب ونفك العزلة
لنلتحم بالشعب ونفك العزلة
18 شباط (فبراير) 2006

أكدنا في أكثر من مناسبة على صفحات هذه الجريدة أن بن علي يتبع خطة واضحة وبسيطة لضمان بقاء نظامه الدكتاتوري. وتتمثل هذه الخطة في إبقاء المعارضة السياسية والمدنية من جهة وجماهير الشعب المتضررة من اختياراته من جهة ثانية معزولتين عن بعضهما البعض حتى تبقى الأولى بدون قاعدة شعبية أي غير فاعلة في مجرى الأحداث والثانية بدون قيادة سياسية وتنظيمية مما يسهل التحكم فيها ومغالطتها وتضليلها.

ويستعمل بن علي لتحقيق هذه الغاية وسائل شتى منها القمع ومنها الديماغوجيا السياسية والاجتماعية. ولكن كلما ضاق هامش المناورة الذي يستغله للمغالطة والتضليل ازداد لجوؤه إلى القمع وطغى هذا الجانب في سلوكه على بقية الجوانب الأخرى، وهو ما نلحظه اليوم مع تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية (بطالة، طرد جماعي، غلاء أسعار...) واستشراء الفساد من جهة وظهور مؤشرات لبداية نهوض اجتماعي (إضرابات، اعتصامات..) وسياسي (إضراب 18 أكتوبر عن الطعام وتشكيل تكتلات سياسية حول محاور دنيا...) من جهة أخرى.

لقد شددت الطغمة النوفمبرية قبضتها على المجتمع بشكل غير مسبوق. وهي تسعى سعيا محموما إلى القضاء على ما يوجد في الساحة من جمعيات ومنظمات مستقلة (جمعية القضاة، الرابطة، نقابة الصحافيين...) وأصوات حرة (محاصرة الصحف المستقلة وخصوصا صحيفة الموقف...) وإلى فرض الصمت على القوى السياسية المعارضة بما فيها الأحزاب القانونية الرافضة للاصطفاف. كما أنها لا تتوانى عن محاصرة كل تحرك اجتماعي والعمل على قتله في المهد عن طريق القمع البوليسي أو بالتواطؤ مع البيروقراطية النقابية حتى تفرض على الشغالين وعلى جماهير الشعب أشنع ألوان الاستغلال والنهب.

وما من شك في أن الطغمة النوفمبرية لن تحيد عن هذا السلوك طالما أنه يمكّنها من تحقيق النتائج التي تريدها والتي يريدها كذلك أصحاب رأس المال الأجنبي والمحلي الذين لا همّ لهم سوى تكديس الأرباح على حساب الشعب. لذلك فإنه لا خلاص من دون التصدي لاستراتيجية الدكتاتورية وتحقيق الانغراس في صلب الشعب، لا فقط بتمثل مطالبه وطموحاته وصياغتها في برامج ومقترحات، وهو أمر هام بل أولي وإنما أيضا بابتداع الأشكال والأساليب العملية الميدانية التي تسمح بالخروج من الدائرة المفرغة الحالية ومن إيصال صوت المعارضة الديمقراطية والوطنية إلى الشعب والإسهام بصورة نشيطة في الرفع من درجة وعيه وفي تنظيم صفوفه حتى يقدر على أخذ مصيره بيده ويقلب الأوضاع الحالية لفائدته.

وفي هذا الإطار لا نرى مخرجا إلا في المزج بين مختلف أشكال النضال القانونية وغير القانونية، السرية والعلنية حتى تفرض هذه المعارضة شرعيتها على "شرعية" الدكتاتورية القائمة على العسف والجور وعلى دوس حتى القوانين التي وضعتها بنفسها. إن الانصياع لشرعية الغاب لن تزيد المناضلات والمناضلين إلا إحباطا ولن تُعمّق في النفوس سوى مشاعر اليأس.

ولكن حتى يكتب لهذا النهج النضالي النجاح فلا بد من تكتيل الصفوف لأن التجربة بينت أن لا أحد من مكونات المجتمع المدني والسياسي قادر على مواجهة نير الدكتاتورية بمفرده في المرحلة الحالية. وما دامت كل هذه المكونات، على اختلاف مشاربها الفكرية والسياسية، في حاجة إلى الحرية السياسية، وما دامت هذه الحرية في مصلحة الشعب التونسي فلتكن الحد الأدنى الذي تتوحد حوله حتى تكسر الطوق المضروب عليها وعلى المجتمع، دون أن يتخلى كل طرف عن استقلاليته الفكرية والسياسية والتنظيمية.

إن سعي بعض الأطراف إلى جعل الخلافات الفكرية والسياسية، مع الطرف "الإسلامي" خاصة، ذريعة لرفض العمل الموحد حول هذا الحد الأدنى، هو سلوك يضعف النضال من أجل الحريات ويخدم موضوعيا وفي نهاية الأمر الطغمة النوفمبرية، كما يخدم كل من يريد الحفاظ على الوضع الحالي، أو يوهم نفسه بإمكانية إصلاح الدكتاتورية أو مقرطتها، ولكنه لا يخدم مصلحة تونس وشعبها ولا يعجل بانبلاج صبح الحرية.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني