الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987 > إيقاف المهزلة (مقتطف)
الفهرس
حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987
إيقاف المهزلة (مقتطف)

إيقاف المهزلة من أجل وضع حد لاغتصاب الدكتاتورية الدستورية النوفمبرية إرادة الشعب: هذا هو الشعار الذي يطرحه حزب العمال اليوم في مواجهة المهزلة الانتخابية الرئاسية والتشريعية التي يعد لها بن علي وطغمته. فالشعب التونسي لا يستحق هذه المعاملة وهو حقيق بأن يكون له رأي في القضايا الجوهرية التي تهمه وتهم بلاده وكلمة في اختيار المسؤولين في مختلف مؤسسات الدولة وهيئاتها، بل إن المفروض، من وجهة نظر ديمقراطية متماسكة، أن لا يكون هناك رأي غير رأيه وكلمة غير كلمته في إدارة الشأن العام للبلاد. وعلى هذا الأساس من غير المعقول أن تبقى الأمور على ما هي عليه اليوم، فتستمر الطغمة الدستورية النوفمبرية في حرمان الشعب من أبسط حقوقه وتعطيل نهوض الوطن وتقدمه على درب الحرية والاستقلال والعدالة الاجتماعية.

إن مسؤولية القوى الثورية والديمقراطية، في الوضع الحالي، جسيمة. ولا يمكن أن تحول صعوبة الظروف (حالة الجزر، القمع الدائم والشامل إلخ..) دون تحمل هذه المسؤولية. فهي مدعوة بشكل مباشر ودون أي تأخير إلى أن تشرح للشعب حقيقة المهزلة الانتخابية القادمة وتبين له افتقادها أدنى الشروط الديمقراطية وتدعوه إلى مقاطعتها. وحتى لا يكون الكلام عن "الشروط

الديمقراطية الدنيا" عاما، لا بد من تقديم مضمونها للناس حتى يجعلوا منها مقياسا للحكم على مهزلة بن علي ونحن نقصد بالمضمون النقاط التالية:

1 - إطلاق سراح جميع المساجين السياسيين وإعلان عفو تشريعي عام يعيد إلى جميع المحكومين من أجل آرائهم وأنشطتهم السياسية حقوقهم المدنية والسياسية مع التعويض لهم عما لحقهم من أضرار معنوية ومادية.

2 - الاعتراف بحرية التنظيم دون قيد أو شرط حتى تتمكن جميع القوى السياسية من تقديم برامجها والدفاع عنها أمام عموم الناس.

3 - ضمان حرية الدعاية وهو ما يقتضي إلغاء قانون الصحافة والقانون الخاص بالاجتماع والتظاهر (قانون 1969) ورفع يد الحزب الحاكم والقصر عن الإذاعة والتلفزة وجميع وسائل الاتصال والإعلام العمومية وتقديم دعم مادي متساو إلى صحافة الأحزاب والمنظمات والجمعيات.

4 - مراجعة النظام الانتخابي لتعويض نظام الاقتراع على القائمات في دورة واحدة بنظام التمثيل النسبي في دورة أو دورتين وضمن تقسيم جديد للدوائر الانتخابية يراعي خصوصيات السكان الاجتماعية من أجل ضمان تمثيل كل الطبقات والفئات الشعبية التمثيل الأفضل.

5 - ترسيم جميع المواطنين الذين هم في سن الانتخاب بصورة آلية والاستعاضة عن بطاقة الناخب ببطاقة التعريف ورفع الاستثناء في ممارسة الحق الانتخابي عن جميع الفئات المستثناة حاليا بمن فيها الجنود باعتبار الحق الانتخابي حقا أساسيا، يعني كافة المواطنين بقطع النظر عن انتماءاتهم العقائدية والاجتماعية والمهنية.

6 - تكليف هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات من أولها إلى آخرها فيكون لها صلاحية مراقبة الترسيم في القائمات وتوزيع الدعم المادي على القائمات، وحصص الدعاية الإذاعية والتلفزية والسهر على حياد الإدارة وإيقاف التجاوزات وإلغاء الانتخابات إن جزئيا أو كليا في صورة تزويرها وإحالة المزورين على المحاكم.

هذه هي الشروط الدنيا التي نرى ضرورة الدعاية لها في صلب الشعب لأنها هي الكفيلة مباشرة بتطوير وعيه السياسي وتعبئته من أجل خلق موازين القوى التي تسمح بدك أسس الدكتاتورية الدستورية النوفمبرية وفرض الاعتراف بحقوقه السياسية الأساسية وتعبيد الطريق نحو قيام نظام ديمقراطي على أنقاض تلك الدكتاتورية. وينبغي إدراك أنه ما دام العمال والفلاحون وجماهير المدن البورجوازية الصغيرة (تجار و موظفون وأساتذة ومعلمون ومثقفون وطلاب إلخ...) لم ينخرطوا في المعركة السياسية ، معركة الحرية والديمقراطية ضد الدكتاتورية، فإن هذه الأخيرة ستحتفظ دائما بهامش هام من المناورة يمكنها من الاستمرار في اغتصاب إرادة الشعب. إن بن علي، لو كان اليوم محل ضغط قوي وجدي من الشارع لما أقدم على المهزلة الانتخابية القادمة، وحتى لو جازف وأقدم عليها فإن الثمن الذي سيدفعه مقابل هذه المجازفة سيكون باهظا. لذلك فإن الهدف الذي ينبغي للقوى الثورية والديمقراطية أن تضعه نصب عينيها من الآن وتعمل على تحقيقه هو جر ملايين الناس من أبناء الشعب وبناته إلى المشاركة في المعركة ضد الدكتاتورية الدستورية النوفمبرية. وهي مدعوة إلى استغلال كل فجوة لإيصال صوتها إلى الشعب سواء كان ذلك عبر وسائل الإعلام أو النقابات أو المنظمات الإنسانية وغيرها من الجمعيات والأطر المهنية والثقافية. ولكن عليها أن لا تكتفي بذلك، وإلا فإنها ستحكم على نفسها بالتهميش لضيق مثل تلك الفجوات أو انعدامها (في الظرف الحالي خصوصا)، بل عليها أن تتحدى القوانين الفاشية والقمع البوليسي الغاشم لتبليغ مواقفها إلى كل الطبقات والفئات الشعبية عبر الجرائد السرية والبيانات والمناشير والكراريس والأشرطة السرية... فالشعب في حاجة ماسة إلى مثل هذه الأدوات التثقيفية التي تسلحه برؤية واضحة للأوضاع العامة وخصوصا ببدائل ثورية وديمقراطية وتقدمية عن واقعه الحالي. وفي رأينا تشكل المهزلة الانتخابية القادمة فرصة هامة لتطوير هذا العمل وتكثيفه.

وحتى يكون العمل الدعائي والتحريض الذي تقوم به القوى الثورية والديمقراطية في علاقة بهذه الانتخابات، عملا صائبا لا بد أن يولي فضح الحكم الفردي المطلق أهمية أساسية. فالحكم الفردي المطلق هو ركيزة الدكتاتورية الدستورية النوفمبرية الأولى. ومع ذلك يوجد أناس في تونس يعتبرون أنفسهم "ديمقراطيين" لكنهم يجتنبون نقد هذا الحكم وبالتالي نقد بن علي خوفا منه ومن بوليسه الغاشم وخوفا على مصالحهم الخاصة أيضا. ومن الملاحظ أن الطغمة النوفمبرية نفسها عملت على تحويل بن علي، رمز الدكتاتورية والمسؤول الأول عنها، إلى "صنم" حتى يكون في منأى من النقد أو كما يقولون "محل وفاق جميع القوى السياسية والاجتماعية". ومن المعلوم أن القانون وهو نفسه الذي كان معمولا به في عهد بورقيبة، يعتبر كل نقد موجها إلى بن علي "نيلا من كرامته" ويعاقب "مرتكبه" بخمس سنوات سجنا وخطية كبيرة. والطغمة الدستورية إذ تحيط اليوم بن علي بهالة قدسية كتلك التي أحاطت بها بورقيبة بالأمس، وتجرم كل من ينقده وتفرض على وسائل الإعلام التسبيح بحمده صباح مساء، فلوعيها أن نقد الحكم الفردي المطلق هو بداية النقد الجدي للنظام السياسي الدكتاتوري ككل في تونس، مثلما أن بداية ضرب الحكم الفردي المطلق هو مفتاح تحرير الحياة السياسية ككل من العسف والطغيان.

ففي تونس يحتكر بن علي، بصفته رئيس الدولة، السلطة التنفيذية بالكامل. فهو الذي يعين الحكومة ويضبط توجهاتها واختياراتها ويراقب تنفيذها علما أن الحكومة مسؤولة أمامه وأمامه فقط ولا يمكن لأي سلطة أخرى أن تقيلها إن جزئيا أو كليا (17). كما يعين بن علي كبار مسؤولي الدولة (وحتى صغارهم في الواقع) على المستوى الوطني والجهوي والمحلي علاوة على تعيين المجلس الأعلى للقضاء وحتى القضاة (باقتراح من ذلك المجلس). وبما أن بن علي، هو رئيس الحزب الحاكم فهو الذي يعين بنفسه نواب هذا الحزب في البرلمان، وبما أن البرلمان مكون في غالبيته العظمى من نواب هذا الحزب، فمعناه أنه معين من قبل بن علي وهو ما يمكنه من التحكم في السلطة التشريعية وجعلها مجرد أداة بيده علما أن الدستور يخول له حل البرلمان في حين أن البرلمان لا سلطة له على رئيس الدولة!!. وبصورة عامة فإن بن علي يجمع بين يديه جميع السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية والعسكرية (القائد الأعلى للقوات المسلحة). ولا يوجد في الدستور أي بند يحد من سلطاته أو يحدد طريقة ووسيلة لمراقبته ومحاسبته وعزله أو مقاضاته عند الضرورة. فما معنى إذن والحالة تلك أن لا يعرض بن علي للنقد؟ معناه أن يتصرف خارج كل رقابة ومحاسبة، على غرار الملوك والسلاطين. ثم من سينقد الناس إن لم ينقدوا صاحب كل السلطات والقرارات؟ "الطراطير" الذين يعينهم والذين لا يضعون "خيط في إبرة" إلا بمشورته؟ وفوق كل ذلك فحتى هؤلاء "الطراطير"يمنع نقدهم لأن نقد أي مسؤول أصبح يعني نقد بن علي باعتباره هو الذي "وضع فيه ثقته"، ومن "يضع فيه بن علي ثقته" لا حق لأحد في نقده أو التشهير به، علما أن القانون يجرم نقد الوزير والنائب في البرلمان والموظف وكل مؤسسات الدولة وهيئاتها وخصوصا البوليس والقضاء والجيش والسجون. ويصل العقاب في هذه الحالة حد الثلاث سنوات سجنا مع خطية مالية!!

لذلك نعتبر أن الأولوية ينبغي أن تعطى لفضح مهزلة الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم، ومن خلال فضح هذه المهزلة ينبغي التركيز على فضح الحكم الفردي المطلق والتشهير به. ونحن على يقين من أن هذا الموقف حتى وإن لم يتمكن من قلب موازين القوى من هنا إلى الانتخابات المقبلة (وهو أمر صعب إن لم نقل مستحيلا بالنظر إلى وضع الحركة الديمقراطية والشعبية السيء) فإنه سيعبد الطريق نحو نهضة ديمقراطية وشعبية جديدة قادرة، إذا توفرت لها الظروف اللازمة على القضاء على الدكتاتورية الدستورية النوفمبرية وفسح المجال أمام قيام نظام ديمقراطي بحق، نابع من الشعب وفي حدمته وتحت رقابته.

- من أجل إيقاف مهزلة الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
- من أجل مقاطعة نشيطة ومكثفة.
- من أجل انتخابات ديمقراطية بحق.
- من أجل نظام ديمقراطي نابع من الشعب! وفي خدمة الشعب! وتحت رقابة الشعب.

حزب العمال الشيوعي التونسي

مارس 1999

ملاحظة

مقتطف من نص بعنوان: "الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة (أكتوبر 1999): مهزلة جديدة على القوى الديمقراطية أن توقفها"


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني