الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987 > ها قد بانت حقائق 7 نوفمبر
الفهرس
حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987
ها قد بانت حقائق 7 نوفمبر

توجه زين العابدين بن علي يوم 3 فيفري 1988 بخطاب كررت وسائل الإعلام بثه ونشره بدعوى "إلحاح" جماهير النظارة والمستمعين والقراء على الاستماع إليه والتمعن فيه.

والمتتبع لتطورات الوضع السياسي في بلادنا منذ 7 نوفمبر يفهم دون عناء الإطار الذي حف بهذا الخطاب ومغزاه ومراميه. إنه خطاب إرجاع الأمور إلى نصابها ووضع النقاط على الأحرف بكل وضوح. فبعد مضي ثلاثة أشهر على بيان "السابع من نوفمبر" الشهير والحركية السياسية التي تلته بدأت الشحنة التعبوية للدعاية الرسمية تتقلص ودب الفتور في عزائم المتحمسين لمبادئ "السابع من نوفمبر" وأفاق عدد كبير من الحالمين على حقيقة تيار الوهم الذي بات يجرفهم إلى آفاق السراب الكاذب وكانت الانتخابات التشريعية والنتائج التي أسفرت عنها علاوة عن الممارسات القمعية التي تخللتها بمثابة الصرعة الكهربائية التي رجت الإصلاحيين ووضعتهم وجها لوجه مع الخيبة والانكسار بعد أحلام وأوهام حول ديمقراطية العهد الجديد دون حدود ولا احتراز.

ومن أجل إعطاء حقنة جديدة للطاقة التعبوية والدعائية لنظام العهد الجديد تقدم زين العابدين بذلك الخطاب من أجل مزيد جر المغفلين وراء أوهام الديمقراطية والحرية. ولتطييب خاطر الإصلاحيين الذين بدأوا يتشككون في ذلك، كان لزاما عليه أن يهدئ من روعهم ويقلل من شناعة الفاجعة واستمرار تقاليد الانقلاب والتزييف والتدليس وأن يروضهم على قبول ذلك كأمر طبيعي لا راد له ذاكرا أن ما يجب "أن يفهمه الجميع هو أن ذلك لا ينبغي أن يكون مستغربا بل العكس هو الذي كان يكون محل استغراب فما من عملية انتخابية تخلو من مثل تلك التجاوزات في بداية مسيرة صعبة نحو إرساء قواعد ثابتة للتعددية وغرس تقاليد جديدة في التعامل بين مختلف الفرقاء وترويض النفس على الصبر وعلى احترام الرأي المخالف مهما كان".

ورغم فداحة الفضيحة وتدليس نتائج الانتخابات التشريعية الجزئية لم تخنه شجاعته الانقلابية على تجاهل الأمر ومنـاشدة الشعب على نبذ حملات التشكيك وتجاوز الظواهر العرضية الظرفية إلى الجوهر وهو صدق نواياه داعيا إلى اليقظة ومتابعة التجاوزات والحزم في التصدي لها. بل وذهب به الأمر إلى تحميل الإصلاحيين الذين زاحموا قوائم حزبه الفاشي مسؤولية التجاوزات الحاصلة في وقت كان يعلم فيه تورط كل أجهزة النظام السياسية والإدارية وميليشيات حزب الدستور في أعمال منافية لأبسط قوانين الديمقراطية والتنافس النزيه واحترام إرادة الشعب.

وبصرف النظر عن جزئية تلك الانتخابات وعن كونها شوهت مطلب الحركة الديمقراطية في حل البرلمان المنصب وتجديده قبل الأوان فإن النظام لم يتوان عن تدليس نتائجها كما لم يتوان الزين عن تزكية ذلك مؤكدا أن الديمقراطية "لا تعني الفوضى" واضعا بذلك حدا لأحلام الحالمين.

لقد انصرفت كل مجهودات الزين من 7 نوفمبر إلى معالجة الوضع السياسي يقينا منه وأن قضية الحريات أضحت تحظى لدى عامة الشعب باهتمام بالغ وأن تقاليد الحكم المتخلفة والتعديات الصارخة على أدنى مقومات الحريات العامة والشخصية في عهد خلفه من شأنها أن تعجل بالانفجارات الاجتماعية خصوصا وأن الوضع الاقتصادي يشهد أزمة عاتية ويتحمل الشعب وحده وزرها. غير أنه وإن أولى هذه الواجهة الأساسي من برنامجه ووعوده فليس بدافع حماية الديمقراطية الفعلية والإجراءات المتخذة حتى الآن لدليل على ذلك. فالمطالب التي رفعتها الحركة الديمقراطية منذ سنين لا تزال دون جواب ولا يزال ضحايا القمع والارهاب يعانون من مخلفات السجن والطرد والمراقبة والاستثناء والحرمان من حقوقهم المدنية والسياسية.

وما الإجراءات المتخذة في هذا الصدد غير تشويه للمطالب الديمقراطية حيث قوبل مطلب العفو التشريعي العام بعفو رئاسي قابل للتراجع في كل وقت فيما لم تزل القوانين الفاشية سارية المفعول والأجهزة القمعية كالبوليس السياسي تصول وتجول والانتخابات التشريعية والبلدية والرئاسية العامة والسابقة لأوانها مرفوضة، وقضايا النقابة العمالية والطلابية وتنظيم الأحزاب وحرية النشر والتعبير معلقة ريثما تجد لها السلطة الحلول المتماشية مع مصالح الفاشية الدستورية.

ومع ذلك لا يخفي الزين "استعداده الدائم للتحاور مع كل أصحاب الآراء النزيهة بما يعزز ثقتهم بالنظام ويشيع في المجتمع جو الصفاء والطمأنينة..." راكبا جواد الديمقراطية والحوار كواجهة وحيدة وأساسية في برنامج عهده الجديد.

والواقع أن الاضطهاد السياسي الذي يعانيه شعبنا ليس إلا المرادف الطبيعي لواقع البؤس الاقتصادي والاجتماعي الناتج عن طبيعة الاختيارات الاقتصادية التابعة التي سار عليها النظام منذ انتصب سنة 1956 على دفة الحكم. وأكد الفريق الحاكم حاليا منذ مجيئه يوم 7 نوفمبر على أنه مستمر على ذلك النهج وأنه لن يحيد عن أهداف المخطط السابع وبرنامج صفر سيء الصيت الذي يرهن بلادنا للمؤسسات المالية العالمية ويعزز تبعيتنا للامبريالية العالمية ويعمق الفوارق الطبقية في مجتمعنا ويحمل شعبنا تبعات أزمة ليس له دخل فيها.

وفي هذا الاتجاه يتوجه الزين "للعمال خاصة ليدعوهم إلى مزيد اليقظة والتبصر حتى يكونوا دوما بالمرصاد لمحاولات التشكيك والمساومة التي لا تخفى عليهم وهي على كل حال غير خافية" على حد قوله. ولا يتردد في التذكير بأنه "آن الأوان ليحل الانضباط محل التسيب ولينصرف كل تونسي وكل تونسية إلى العمل والكد...".

وجلي أن الشعب والطبقة العاملة خصوصا هي المسؤولة على تحمل فواتير الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الاختيارات الرجعية والتابعة وعن جشع البرجوازية الحاكمة وسوء التصرف وتتلخص مسؤوليتها في مزيد التضحية بعرقها وجهدها مقابل حياة بائسة وعيش ضنك. ومعلوم أن الإجراءات الاقتصادية المتخذة منذ 7 نوفمبر كالعفو الجبائي والتسهيلات في الاستثمار السياحي وفي قطاع الصيد البحري وتحرير المؤسسات (شركات النقل الجهوية والصيدلية المركزية والوكالة القومية للتبغ والوقيد وحل شركة صنع السيارات) وما يرتقب من زيادات في الأسعار لا تخدم بالأساس إلا مصالح كبار الرأسماليين المحليين والأجانب وتزيد من تدهور المقدرة الشرائية للشعب والبطالة في صفوف العمال والشباب.

وأمل الزين وعزم فريقه الحاكم كبيران في تنفيذ هذا المخطط "بمساندة كل فئات الشعب ومصرون على تطبيقه تطبيقا كاملا استجابة لهذا الفيض من الحماس والتفاؤل الدي يغمر شعبنا منذ ذلك التاريخ...".

ولا يخفي الزين مرة أخرى عزمه على الضرب على أيدي كل من تحدثه نفسه البت في مثل هذه القضايا المحرمة مذكرا بأنه آن الأوان ليحل الانضباط محل التسيب، ولينصرف كل تونسي وتونسية إلى العمل والكد" دون نقاش أو حوار.

وفي ذلك نجد التفسير اللازم لتجاهل النظام للملف الاجتماعي واستمرار الأزمة النقابية. إنه ليس في حاجة إلى نقابة مهما كانت إصلاحية وبيروقراطية فبمجرد استئناف عملها ونشاطها تعود ديناميكية الحركة النقابية والحركة المطلبية التي قد تترتب عنها حركة إضرابية علما منه بثقل الأزمة التي يعانيها الشغالون من طرد وجور أعرافهم وتدهور المقدرة الشرائية وظروف العمل وشغف للمطالبة والنضال زيادة عن الغبن السياسي.

والتذكير بحلول أوان الانضباط محل التسيب بقدر ما يتضمن تحذيرا لعامة الشعب من مغبة اقتحام هذه القضايا "المحجرة" والساخنة بقدر ما يتضمن تحذيرا خاصا للقوى التي تراهن على حقوق الشعب الاقتصادية والاجتماعية ولا تفصلها عما هو سياسي وفي صدارتها حزبنا ومناضلوه وأنصاره العاملون في الحقل النقابي.

ولم يتخلف من ناحية أخرى على الالتفات إلى الظلاميين كاشفا عن نيته في استثنائهم جاهدا في الوقت ذاته على البروز كحامي حمى الدين في ديارنا ومدافعا عن الهوية العربية الإسلامية لشعبنا وصائنا للأخلاق الحميدة. والحقيقة أنه دأب على ذلك منذ صعوده للحكم واتخذ إجراءات كثيرة من أجل مزيد تمتين روابط الدولة بالمؤسسة الدينية ومن أجل سحب البساط من تحت أقدام الإخوان الذين ظلوا يتمعشون من الدفاع عن الدين والأخلاق ومناهضة التفسخ والجدب الروحي وتقهقر الإيمان الديني.

ولم تتوان الأحزاب الشكلية والبيروقراطية النقابية وكافة الإصلاحيين كعادتهم عن استنفار دفوف التهليل والتكبير بالحدث المجيد متناسية جراح خيبتها التي عبرت عنها في عناوين كبيرة على صفحات جرائدها وبياناتها إثر افتضاح العهد الجديد وتزييف نتائج الانتخابات التشريعية (أنظر الموقف: خيبة أمل، الطريق الجديد: فضيحة، المستقبل: انتكاسة أولى...) وسارعت كلها إلى تجديد ثقتها في "عهد الديمقراطية" معبرة عن مساندتها "للبيان المنهجي" الذي أعاد إليها الأمل المفقود.

فعبر الاشتراكيون الديمقراطيون في افتتاحية صحيفتهم (المستقبل 5 فيفري) على لسان اسماعيل بولحية عن تأييدهم المطلق لمضمون بيان الرئيس بن علي ناسبين للرأي العام أنه "سجل بارتياح بيان رئيس الدولة إلى الشعب مساء الاربعاء الماضي الذي أكد الإرادة السياسية لجعل تحول 7 نوفمبر منعرجا لا رجعة فيه مزيحا ما تراكم خلال الأيام الماضية من ترسبات نتيجة لممارسات تتناقض وتوجيهات بيان 7 نوفمبر وليضع على السكة قطار الإصلاحات ليتواصل الحوار وليندفع الجميع للأمل والعمل...". نافين عن النظام مسؤولية الممارسات الفاشية المسجلة إثر 7 نوفمبر وغير عابئين بالتهديدات التي باتت تهدد الشعب وحريته والتي أفصح عنها بيان 3 فيفري 88.

أما الحزب "الشيوعي" التحريفي فقد سارع من جهته للاتصال هاتفيا في شخص حرمل بالزين معبرا له عن "ارتياحه الكامل لما جاء في الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية من تأكيد وتعميق روح ومبادئ 7 نوفمبر لا سيما فيما يتعلق بالتجاوزات التي ميزت الانتخابات التشريعية الجزئية..." (الطريق الجديد: 6 فيفري 88).

وفي نفس السياق أصدر المكتب التنفيذي (الشرعي) بيانا عبر فيه عن "إكباره للصراحة التي اتسم بها خطاب رئيس الدولة" و"يشاطره الاعتقاد أن الديقمراطية هي عملية معقدة وطويلة تستلزم يقظة وتوحد جميع القوى.."، وانطلاقا من المسؤولية التي ألقاها الزين على عاتق الشغالين لتحمل أعباء الأزمة أكد المكتب التنفيذي أن "الديمقراطية لا يمكن بلوغها إلا متى توفر الاستقرار بالبلاد وتوحيد كل الطاقات للعمل الجاد والبناء..". وبعث المكتب التنفيذي من جهة أخرى برقية لزين العابدين، عبر فيها عن "مساندته لما أعربتم عنه من عزم على مواصلة السير بالبلاد نحو الديمقراطية..."، واستعداده "لتدعيم دولة المؤسسات والقانون وتنمية الوطن اقتصاديا واجتماعيا وفكريا...".

فلتنعم البرجوازية بعد هذا الإجماع حول مخططاتها الاقتصادية اللاشعبية والسياسة المنافية للحرية وحقوق الشعب.

إن "مبادئ 7 نوفمبر" سيئة السمعة قد أضحت مكشوفة على أنها تحميل الشعب نتائج أزمة البرجوازية ونظامها العميل وتلجيمه بطرق جديدة نهاية في الخبث ظاهرها ديمقراطي وباطنها فاشي واستمرارا للأسس الايديولوجية والسياسة الطبقية التي انبنى عليها النظام الحالي.

صوت الشعب، العدد49، 16 فيفري 1988


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني